• ٢٤ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٥ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العمل الصالح.. عبادة

عمار كاظم

العمل الصالح.. عبادة

قُرب الإنسان إلى الله يكون من خلال العمل الصالح.. والعمل الصالح هو العمل الذي فيه مرضاة الله، وهو حرث الآخرة كما قال الإمام عليّ (عليه السلام): «العمل الصالحُ‏ حَرثُ الآخرة». ويُطلَق عدّة مصطلحات  قرآنية للعمل الصالح كالعمل الطيِّب والصالح في نفسه، الذي يقوم به الفرد بنيّة التقرّب إلى الله ونيل رضاه، فمثل هذا العمل هو الذي يرتقي بالإنسان، ويتسلّق به سُلَّم الكمال، ويسمّى هذا العمل في الثقافة الإسلامية والقرآنية «عبادة». ولا تُطلَق العبادة على الصلاة والصيام والحجّ وما شابهها فقط، بل إنّ كلّ عمل صالح وحَسَنٍ في ذاته ويُفعل بنيّة نيل رضى الله، سيكون عبادة، كما ورد عن أبي عبدالله (عليه السلام) حيث قال: «من أشدّ ما فرض الله على خلقه ذِكرُ الله كثيراً، ثمّ قال: لا أعني سبحان الله والحمد لله ولا إله إلّا الله والله أكبر، وإن كان منه، ولكنّ ذكر الله عند ما أحلّ وحرّم، فإن كان طاعة عمل‏ بها، وإن كان معصية تركها». وهذا المعنى هو المراد من العبادة في الآية الكريمة ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ (الذاريات/ 56). إنّ الهدف المرسوم للإنسان هو القُرب من الله، وما يرفع الإنسان إلى مقام القُرب هو أعماله الصالحة، ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (فاطر/ 10).

إنّ الإيمان الكامل هو الذي يكون القلب معه لله وحده دون سواه، فتكون جميع تحرّكات هذا الإنسان إلهيّة، وعندها يصبح في أعلى درجات الاستعداد لاستقبال ألطاف الحقّ ومواهبه السنيّة. أمّا الوسيلة الفُضلى لنيل هذه الدرجة من الإيمان وتعميقها وترسيخها في القلب، فهي العمل الصالح، ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى﴾ (طه/ 75). حيث إنّ للعمل الصالح مكانة كبيرة وعظيمة جدّاً في الإسلام، لأنّه ثمرة من ثمار الإيمان وربطهُ الله عزّوجلّ بالفوز والسعادة والنجاة في الدُّنيا والآخرة، وأن تركه هو خسارة كبيرة كما قال الله تعالى في سورة العصر: (وَالعَصرِ * إِن الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَق وَتَوَاصَوْا بِالصبْرِ) (العصر/ 1-3). وقال تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف/ 110).

حثّ القرآن الكريم في كثير من سوره وآياته على العمل الصالح المقرون بالإيمان بالله تعالى والخالص لوجهه الكريم سبحانه، لأنّ العمل الصالح هو العمل المرضي عند الله تعالى. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إذا أرادَ اللهُ بعبدٍ خيراً استعملَهُ. فقيل: كيف يستعملُهُ يا رسول الله؟ قال: يُوَفقُهُ لعملٍ صالحٍ قبلَ الموتِ». إنّ من توفيق الله لعبده أنّه يرشده إلى القيام بأعمال صالحة قبل الموت. ولا يكتفي المؤمن بعمل ما يوافق مصلحته بل يتعدى ذلك إلى القيام بما يعود بالنفع على الآخرين، ولذلك فهو يكون دائم الحركة وسبّاقاً لفعل الخير.. فبالعمل الصالح تنزل الرحمة وتأتي البركة ويُستجاب الدُّعاءُ ويحصل الأمن والأمان، وبالعمل الصالح تثقل موازيننا يوم القيامة. فثمار العمل الصالح تكون آجلة وعاجلة، العمل الصالح يشفع لصاحبه في الدُّنيا والآخرة، فثمرة العمل الصالح عاجلة في الدُّنيا وآجلة في الآخرة لقوله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ) (فاطر/ 10).

وللعمل الصالح فوائد جمة تعود على المجتمع المسلم، فبه نكوّن مجتمعاً متماسكاً ومترابطاً يحمل كلّ معاني الإخاء والصداقة، فيتخلص المجتمع من كافة أشكال الحقد والغيرة من بعضه البعض، خاصّة أنّهما أحد أهم الأسباب المدمرة للمجتمعات. وبه ينتعش المجتمع مادّياً فيصبح مجتمعاً غنيّاً، فعندما يُقدِم الأغنياء للفقراء المال كأحد الأعمال الصالحة، تكون النتيجة باستثمار الفقراء تلك الأموال بمشاريع صغيرة، أو عمل متواضع ممّا يرقيه مادّياً ويجعله قادراً على سدِّ احتياجاته واحتياج أفراد عائلته. وبه تُبنى حضارة إسلامية ذات بناء معماري رائع وبيئة نظيفة خالية من الأوساخ والنفايات، فلو قام كلّ فردٍ مسلم بإماطة الأذى عن الطريق وساعد في البناء لاكتملت الحضارة وأصبحت أعظم من الحضارات الأُخرى. ومن خلاله يُبنى مجتمع إسلامي مميز يحمِل جميع الصفات الإسلامية ويطبّقها بما يرضي الله عزّوجلّ، فتزدهر الأُمّة الإسلامية وتعود كما كانت في السابق قويةً ومزدهرة.

تعليقات

  • السيدة كوثر مصطفى

    عندما يقلص الإنسان حتى لا اقول يتجرد من الأنانية التي طغت على سلوك الفرد المعاصر أو انسان اليوم الذي انجذب بشكل رهيب إلى عالم الماديات بحكم عجلة التطور السريعة في المجال التكنولوجي والصناعي، ويتمكن من هذا الطرح الديني بأبعاده الإنسانية قبل كل شيء فلا شك بأننا سوف نقفز نحو الرقي والتقدم ونأمن من المخاطر الاجتماعية التي تضرب بجذور قيمنا الأصيلة ..فما أحوجنا لتعميق هذا الوعي وتزكيته.

ارسال التعليق

Top