• ١٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العيد.. عودة إلى الله

العيد.. عودة إلى الله

◄عيد الفِطْر، هو اليوم الأوّل من شهر شوال.. تتعانق فيه القلوب، وتتهانئ فيه المشاعر وترنو النفوس وتتوجّه إلى خالق الكون بخضوع وخشوع وهي بين الخوف والرجاء مترقبةً عملية نزول الجوائز الإلهية منه (تعالى).

والعيد هو أيضاً، مناسبةٌ تتحقّق فيها عملية التغيير للنفوس البشرية بالشكل الذي تتطلّبه الشريعة، فينتصر فيها الإنسان بإنسانيته على نفسه بحيوانيتها، تنتصر لديه الجوانب الخيِّرة على الجوانب الشريرة وعند ذلك يكون ذلك اليوم، يوم الفرح والسعادة للصائم، كما ورد في الحديث الشريف:

"للصّائم فرحتان، فرحة عند الإفطار وفرحة عند لقاء ربِّه".

إنّها فرحة كبرى وليست كأي فرحة.. فرحة المنتهي إلى غايته، فرحة الإنسان الذي قطع شوطاً، فوصل إلى نهايته، فحريٌّ به أن يفرح.. وكذلك يكون العيد من عوامل تغيير النفس نحو الأفضل والأحسن، لذلك فهو لا يعني تغيير المظهر الخارجي للإنسان فحسب، بل إنّما يجب أن يسبقه التغيير الداخلي، فنحن عندما نغيّر ملابسنا لابدّ أن نغيِّر قبلها نفوسنا، وعندما نتكلّف في نظافة أجسادنا يجب أن نعتني بطهارة أرواحنا، وعدا هذا لم نستفد من العيد ولم ندرِك مفهومه.. فالعيد الحقيقي في عودة النفوس إلى بارئها وخالقها.. تطلب منه الإنابة والتوبة لتجدِّد معه العهد على الولاء والعبودية.. العيد، عودة النفوس إلى الله – سبحانه – بعد أن ركست في الوصول زمناً طويلاً تنهش بها الذئاب، وتقودها الشياطين إلى الذنوب والمحرّمات.. فالعيد تجديد الحياة بكلّ ما فيها، المظاهر والجواهر وفتح صفحة جديدة مع الله لسلوك طريق الله من جديد.

 

للعيد أكثر من معنى:

ويمكننا أن نستعرض الإيحاءات والمشاعر التي يوجدها العيد في نفس الإنسان كالآتي:

1- الطهارة: حيث تكون الأبدان قد أدّت زكاتها بالصوم، ومرّت النفوس والأرواح بمرحلة صفاء ونقاء لا يوصَف، فتركّز فيها الإخلاص، ونمت فيها الأخلاق، ونفت عنها شوائب الرياء، وسبحت في عوالم القرآن وصعدت في معارج الدعاء.

2- العظمة الإسلاميّة: حيث تتجلّى للإنسان عظمة الرسالة الإسلاميّة التي استطاعت أن تقود البشرية في دورتها التدريبية هذه، وتربيتها على المعاني السليمة الحيّة.

3- النقد الذاتي: فالعيد يوم الحساب، يوم النتائج يرجع الإنسان إلى نفسه يحاسبها وينقدها نقداً بصيراً بنّاءاً، فيلاحظ مدى التغيُّر الذي حصل على حياته، والفرق بين ما كان عليه قبل شهر رمضان وما هو عليه بعده.

4- الحبّ: ففي العيد، جو مليء بمعاني الحب للبشرية، كلّ البشرية وخصوصاً أهل بيت النبي (عليهم السلام)، الذي قادوا البشرية إلى كلّ خير وصلاح.. فنرى الأيادي ترتفع في العيد وهي تدعو:

"أسألك بحقّ هذا اليوم الذي جعلته للمسلمين عيداً، ولمحمّد (ص) ذخراً وشرفاً وكرامةً ومزيداً، أن تصلي على محمّد وآل محمّد، وأن تدخلني في كلّ خيرٍ أدخلتَ فيه محمّداً وآل محمّدٍ وأن تُخرجني من كلّ سوء أخرجت منه محمّداً وآل محمّدٍ صلواتك عليه وعليهم".

وفي الحبّ تكمن كلّ معاني الخير، بل تكمن أسس العلاقة بين الإنسان وغيره كما أرادها الله – تعالى – فهو مصدر النظرة الحسنة والأخلاق الفاضلة، ومصدر التعاون والمواساة، ولعلّ مما يرمز إليه في هذا اليوم، وجوب إعطاء زكاة الفِطْر قبل انتهاء العيد.

5- الجوائز: ففي العيد، يشعر الإنسان الصائم أنّه يتسلّم الجائزة من لدُن القدرة الإلهية في هذا اليوم العظيم.. وما أروع أن يشعر الإنسان بهذا الشعور من أعماق نفسه، فهو يستقبل العيد بهذا الدعاء:

"اللّهم مَن تهيَّأ في هذا اليوم أو تعبَّأ أو أعدّ واستعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رِفده ونوافله وفواضله وعطاياه، فإنّي إليك يا سيدي، تهيُئي وتعبأتي وإعدادي واستعدادي رجاء رِفدك وجوائزك".

6- باقي المشاعر: كمشاعر التوبة والاستغفار والرجوع إلى الله، وكذكر يوم القيامة بما فيه من أهوال، ومن ثواب وعقاب، ومن جنة ونار، وهكذا يكون يوم العيد، يوم الانتصار على النفس، ويشترك مع باقي معطيات الشهر المبارك في تنمية شعور المسلم بما قام به من عمل عبادي تربوي، وبالتالي، الاستثمار الحيّ لكلّ ما في الصوم من حِكَمٍ جليلةٍ عظيمةٍ.. ولتأكيد ما سبق، نقرأ معاً هذه العبارات المباركة التي فيها واضح ما أسلفناه من أنّ الشهر دورة تدريبية تنتهي بالجوائز للفائزين السابقين، فقد روي عن أحد الأئمة من أهل البيت (عليهم السّلام) أنّه قد مرّ في يوم عيد فِطْر بقومٍ يلعبون ويضحكون فوقف على رؤوسهم وقال:

"إنّ الله جعل شهر رمضان مضماراً لخلقه فيستبقون فيه بطاعته إلى مرضاته، فسبق قوم ففازوا وقصّر آخرون فخابوا، فالعجب من ضاحك ولاعب في اليوم الذي يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المبطلون، وأيمُ الله لو كشف الغطاء لعلموا أنّ المحسن مشغول بإحسانه والمسيء مشغول بإساءته" ثمّ مضى.

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادق (ع) عن آبائه (عليهم السّلام) أنّه خَطَبَ الإمام أمير المؤمنين (ع) يوم الفطر فقال:

"إنّ يومكم هذا يُثاب فيه المحسنون ويخسر فيه المسيئون، وهو أشبه يوم بيوم قيامتكم، فاذكروا بخروجكم من منازلكم إلى مُصَلاكم خروجكم من الأجداث إلى ربّكم، واعلموا عباد الله أنّ أدنى ما للصائمين والصائمات أن يناديهم مَلَك في آخر يوم من شهر رمضان.. أبشروا عباد الله فقد غفر لكم ما سلف من ذنوبكم، فانظروا كيف تكونون فيما تستأنفون".

وأخيراً قوله (ع) في بعض الأعياد:

"إنّما هو عيد لمن قَبِلَ منه صيامه، وشَكَر قيامه، وكلّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد".

 

أعمال ليلة العيد:

هي من الليالي الشريفة وقد وردت في فضل العبادة فيها وإحيائها أحاديث كثيرة، وروي أنّها لا تقل عن ليلة القدر ولها عدّة أعمال:

الأوّل: يستحبُّ قراءة دعاء السجاد في الصحيفة السجادية عند رؤية الهلال.

الثاني: الغُسل إذا غربت الشّمس.

الثالث: إحياؤها بالصّلاة والدعاء والاستغفار والبيتوتة في المسجد.

الرابع: أن يقول في أعقاب صلوات المغرب والعشاء وعقيب صلاة العيد:

"الله أكبر اللهُ أكبر لا إله إلّا الله واللهُ أكبر، اللهُ أكبرُ وللهِ الحَمْدُ، الحَمدُ لله على ما هدانا ولهُ الشُّكر على ما أولانا".

الخامس: أن يرفع يديه إلى السّماء إذا فرغ من فريضة المغرب ونافلته ويقول:

"يا ذا المَنّ والطّول يا ذا الجُود، يا مُصْطَفيَ محمّد وناصِرَهُ، صَلّ على محمّد وآل محمّد، واغفِرْ لي كُلّ ذنب أحْصَيْتَهُ وهو عندَك في كتاب مُبين ثمّ يسجد ويقول في سجوده مائة مرّة أتوبُ إلى الله".

السادس: زيارة الحسين (ع) فإنّ لها فضلاً عظيماً.

 

أعمال يوم عيد الفطر:

ويُسمّى يوم الرحمة لأنّه يرحم الله به عباده، ويُسمّى بيوم الجوائز، لأنّ النبيّ (ص) قال:

"إذا كان أوّل يوم من شوال نادى منادٍ أيُّها المؤمنون أُغدوا إلى جوائزكم، ثمّ قال: يا جابر، جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك، ثمّ قال: هو يوم الجوائز فينبغي أن يكون الإنسان يوم عيد الفطر خاشعاً خاضعاً راجياً لقبول صومه وعبادته في شهر رمضان خائفاً وجلاً من حرمانه وردّه".

يوم عيد الفطر وأعماله عديدة:

الأوّل: أن تُكبّر بعد صلاة الصُّبح وبعد صلاة العيد بما مرّ من التكبيرات في ليلة العيد بعد الفريضة.

الثاني: إخراج زكاة الفطرة صاعاً عن كلِّ نسمة قبل صلاة العيد على التفصيل المبين في الكتب الفقهيّة، واعلم أنّ زكاة الفطر من الواجبات المؤكّدة، وهي شرط في قبول صوم شهر رمضان، وهي أمان عن الموت إلى السّنة القابلة.

الثالث: الغسل والأحسن أن يغتسل من النّهر إذا تمكّن ووقت الغسل من الفجر إلى حين أداء صلاة العيد، وفي الحديث ليكن غسلك تحت الظلال أو تحت حائط فإذا هممت بذلك فقل:

"اللّهمّ إيماناً بك وتصديقاً بكتابكَ، واتباع سُنّة نبيّك محمّد صلّى اللهُ عليه وآله، ثمّ سمِّ بسم الله واغتسل، فإذا فرغت من الغسل فقل: اللّهمّ اجعلهُ كفّارة لذنوبي وطهِّر ديني، اللّهمّ اذهب عنِّي الدَّنس".

الرابع: تحسين الثّياب واستعمال الطيب.

الخامس: الإفطار أوّل النّهار قبل صلاة العيد، والأفضل أن يفطر على التمر أو على شيء من الحلوى.

السادس: أن لا تخرج لصلاة العيد إلّا بعد طلوع الشمس.

السابع: يستحب فيه زيارة الإمام الحسين (ع).

الثامن: يستحب قراءة دعاء الإمام زين العابدين (ع) عند التهيئ للخروج إلى صلاة الجمعة أو صلاة العيد.

"اللّهمّ مَن تهيَّأ في هذا اليوم أو تعبَّأ أو أعَدَّ واستعدّ لوفادة إلى مخلوق رجاء رفده ونوافله وفواضله وعطاياه، فإنّ إليك يا سيِّدي تهيَّئ وتعبئتي وإعدادي واستعدادي رجاء رفدك وجوائزك ونوافلك وفواضلك وفضائلك وعطاياك، وقد غَدَوْتُ إلى عيد من أعياد أُمّة نبيِّك محمّد صلوات الله عليه وعلى آله، ولم أفِدْ إليك اليومَ بعمل صالح أثِقُ به قدّمْتهُ، ولا توجّهْتُ بمخلوق أمثلهُ، ولكن أتيتُك خاضعاً مُقِرّاً بذنوبي وإساءتي إلى نفسي، فيا عظيمُ يا عظيمُ يا عظيمُ اغفر لي العظيم من ذنوبي، فإنّه لا يغفر الذنوب العظام إلّا أنت يا لا إله إلّا أنتَ، يا أرحمَ الرّاحمين".

التاسع: صلاة العيد.

 

صلاة العيد:

صلاة العيد فريضة عبادية واجبة مع اجتماع شرائطها، ووقت أدائها من طلوع الشمس إلى ظهر يوم العيد، ويجب أن تُصلَّى جماعة.

ويُشترط في صحتها كلَّ الشروط اللازم توفّرها في الصلاة اليومية من الطهارة وإباحة المكان... إلخ.

 

كيفية صلاة العيد:

تتكوّن صلاة العيد من ركعتين كصلاة الصبح، يضاف إليها في الركعة الأولى بعد قراءة الفاتحة وسورة من القرآن التكبير خمس مرّات والقنوت عقيب كلِّ تكبير وأن يدعو المصلي في كلِّ قنوت بما شاء من الدعاء، ويُفضَّل المأثور.

وتفصيل ذلك: أنّ المصلي إذا انتهى من قراءة الفاتحة والسورة كبَّر ثمّ رفع يديه بالدعاء ثمّ ينزل يديه، ثمّ يعود فيكبِّر ويرفع يديه بالدعاء ثانياً، وهكذا يفعل خمس مرّات ثمّ يركع، وبعد الانتهاء من الركوع ينتصب قائماً، يهوي إلى السجود فيسجد السجدتين، كما في الصّلاة اليومية.

ثمّ يقوم فيقف ليؤدِّي الركعة الثانية، فيقرأ الفاتحة وسورة من القرآن ثمّ يكبِّر ويرفع يديه بالدعاء فيدعو بعد التكبير بما شاء من الدعاء، ثمّ يُكرِّر التكبير والقنوت أربع مرّات وليس خمساً كما في الركعة الأولى.

ثمّ يركع ويعتدل قائماً، ثمّ يهوي إلى السجود فيسجد السجدتين، كما في الصّلاة اليومية، ثمّ يقرأ التشهد فالتسليم.

ويأتي الإمام بخطبتين يفصل بينهما بجلسة خفيفة.

 

تنبيه:

1-    يستحبُّ الجهر في القراءة في صلاة العيد.

2-    ليس في صلاة العيد أذان ولا إقامة، بل يستحبُّ أن ينادي المؤذِّن الصلاة ثلاث مرّات.

3-    يستحبُّ الغسل قبل صلاة العيد.

4-    في حالات فقدان شروط الوجوب في صلاة العيد يصحُّ أن يُؤدِّيها الشخص منفرداً بنيّة الاستحباب، كما يصحُّ أن تُؤدِّي بقصد الاستحباب جماعة.

5-    يقرأ في القنوت الدعاء الآتي (المأثور):

"اللّهمّ أهل الكبرياء والعظمة، وأهل الجود والجبروت، وأهل العفو والرحمة، وأهل التقوى والمغفرة، أسألك بحقِّ هذا اليوم الذي جعلتَهُ للمسلمين عيداً، ولمحمّد صلى الله عليه وآله ذخراً وشرفاً ومزيداً، أن تُصلِّيَ على محمّد وآل محمّد، وأن تدخلني في كلّ خير أدخلت فيه محمّداً وآل محمّد". ►

ارسال التعليق

Top