• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العُزّاب: هواجس الفشل والخلافات باتت تحاصرهم

العُزّاب: هواجس الفشل والخلافات باتت تحاصرهم
◄ثمة مظاهر متنوِّعة تدفع بشريحة لابأس بها من الشبّان والشابّات إلى عدم التفكير في الزواج. ذلك أنّ صورة الزوج والزوجة اللذين يجلسان إلى مائدة واحدة في مطعم، أو يسيران في سوق تجاري وهما متجهمان، لا حوار بينهما، ولا إبتسامة على الوجه، كل منهما ينظر في الإتجاه المعاكس، بالإضافة إلى ما يُروى من قصص وحكايات عن الملل وكثرة الخلافات في الحياة الزوجية والخوف من تحمّل المسؤولية، تجعل العديد من الشباب يبتعدون عن مجرّد التفكير في الإقدام على الإرتباط، خوفاً من الشرب من الكأس نفسها. فهل تؤثِّر هذه المظاهر التي يراها الشباب في عدم إرتباطهم بالفعل؟ وهل تُعبِّر هذه الحالات، خير تعبير عن واقع الحياة الزوجية؟ وهل يتزايد تأثيرها إذا وقعت في الدائرة القريبة من الشاب أو الفتاة، لدرجة أن تُعقِّدهم من الزواج؟   هذا ما نستعرضه في هذا التحقيق.  -         شكاوى الأصدقاء تجربة خاصّة جدّاً يتحدّث عنها حسن حمزة (إعلامي، في الأربعينات، متزوِّج منذ 4 سنوات)، والذي طلَّق العزوبية بعد أن اقترب من منتصف الأربعينات. واليوم، يستعيد حسن ذكرياته مع تلك المرحلة التي يصفها بأنّها كانت عبارة عن "أوهام غير حقيقية"، يقول: "90 في المئة من أصدقائي كانوا يشكون دائماً لي من حياتهم الزوجية غير المستقرة ومشاكلهم الدائمة مع زوجاتهم. لم أسمع منهم أبداً أي شيء إيجابي عن الحياة الزوجية، ما أثّر كثيراً في نظرتي إلى الزواج، وبسبب هذه المواقف تخطّيت الأربعين ولم أتزوّج، ولا أعرف حتى الآن كيف اتّخذت قرار الإرتباط بعد أن تخطّيت الخامسة والأربعين". عامل آخر كان من عوامل خوف حسن حمزة من الإرتباط وهو يتعلق، بحسب ما يقول، بـ"كثرة الخلافات التي كانت تحدث في بيتنا بين والدي ووالدتي"، ويضيف: "كنت أعيش، وإخوتي، مأساة حقيقية بسبب معاملة والدي القاسية لوالدتي، فقد كان (سي السيد)، بكل ما تحمله الكلمة من معنى، مع أنّ والدتي كانت إنسانة غاية في الطيبة". ويتابع: "يضاف إلى ذلك، أنّ العديد من أصدقائي كانوا يعيشون في خلافات دائمة مع زوجاتهم، حتى في المناسبات التي كنّا نحضرها كأصدقاء، سواء عيد زواج أحد الأصدقاء أم عيد ميلاد أحد أبنائهم، كثيراً ما كانت الخلافات بين الأزواج وزوجاتهم ظاهرة للعيان".   -         معاناة صديقي السبب نفسه يتكرر مع سليمان شفيق (موظف في قطاع الطيران، غير متزوِّج)، وإذ يتحدّث سليمان عن السبب الرئيسي لخوفه من الإرتباط، يحدِّده بأنّه يتعلّق بـ"معاناة صديقي مع زوجته، فهما وعلى الرغم من أنّ لديهما ثلاثة أطفال، إلا أنّ حياته في منتهى التعاسة بسبب زوجته المتسلِّطة"، ويقول: "16 عاماً من الزواج لم يهنأ صديقي خلالها، وللأسف فهو غير قادر على الطلاق بسبب ديانته". ويتابع سليمان موضحاً أنّ زوجة صديقه "تسببت في قطع صلته بأهله، بل إنّ والدته توفيت بسبب المشاكل التي كانت تحدثها زوجته في السنوات التي كانت تقيم معها في بيت واحد، وأجبرتها على ترك الشقة التي عاشت فيها طيلة حياتها وكانت في السبعين من عمرها، ما أثّر في نفسيّة صديقي حتى الآن. وعلى الرغم من أنّ والدته توفيت منذ 10 سنوات، إلا أنّه يشعر بعقدة ذنب تجاه أُمّه، وهاهو يعيش مع زوجته مجبراً". ويضيف: "صحيح أنّهما يعيشان تحت سقف واحد، إلا أنّه لا توجد أي علاقة بينهما، وما يربطهما فقط هو مصلحة الأبناء، ولكن لكل منهما غرفته وحياته المنفصلة، فهو يخرج في العاشرة صباحاً ولا يعود إلا عند منتصف الليل نتيجة طبيعة عمله، ولكونه لا يشعر بالراحة في بيته". ويختم قائلاً: "لعل مأساة صديق عمري أثّرت فيَّ كثيراً، وجعلتني لا أُفكِّر في الإرتباط حتى الآن، على الرغم من أنّني اقتربت من الأربعين".   -         خيانة في سياق متصل، يعترف محمد طربين (في العشرينات، خاطب، يعمل في مجال التسويق)، بأنّه متردد في إكمال خطوبته، ويقول: "ما أسمعه عن قصص الخيانة، يجعلني خائفاً جداً من الإرتباط، ذلك أنّ ثمة خوفاً كبيراً بداخلي، يجعلني لا أعرف ماذا سأفعل غداً". ويشير إلى أنّ "هناك مشكلات أخرى أراها وأسمع عنها مثل الملل في الحياة الزوجية وكثرة الخلافات بين الزوجين، إلا أنّ الخيانة تعد السبب الأكثر خطورة بالنسبة إليَّ".   -         متأثِّر ولكن.. وعلى الرغم من أنّ حارث فالح (كوافير رجالي، غير متزوِّج)، متأثِّر هو الآخر بما يراه ويسمعه عن قصص الخيانة، إلا أنّه يبدو عازماً على الإرتباط "عندما تحين الظروف"، حيث يقول موضحاً: "إنّ الخيانة هي أكثر شيء يزعجني في المرأة"، لافتاً إلى أنّ "حالات الخيانة منتشرة بصورة كبيرة، والتفكك الأسري وصل إلى مرحلة مخيفة بسبب فهم مجتمعاتنا الخاطئ للحرِّيّة، ما أدّى إلى إنفتاح مجتمعاتنا بشكل واسع". ويقول: "مع هذا، أنا غير مضرب عن الزواج.. خائف نعم ولكن هناك نماذج سيِّئة وأخرى طيِّبة وشريفة".   -         فرق من ناحيته، يكشف محمد فوزي (موظف، غير مرتبط) أنّه يعرف "أنّ الحياة الزوجية مليئة بالمشاكل"، إلا أنّه "عازم على الزواج"، ويقول: "أحد أبناء أخوالي طلَّق زوجته بعد أقل من عام على زواجهما، وابن عمّتي طلَّق وتزوَّج ثلاث مرّات". ويضيف: "لكن، مع هذا كلّه، أنا مؤمن بأنّ هناك فرقاً بين شخص وآخر وحالة وأخرى، وقناعتي هذه هي التي جعلتني أُفكِّر في الزواج على الرغم من تقدّم سنّي، حيث إنّني في نهاية الثلاثينات".   -         لا إرتباط ويؤيِّد يحيى قيموز (موظف، في العشرينات، غير متزوِّج)، ما قاله محمد فوزي، حيث يقول: "بصراحة، أنا أسمع عن هذه المشكلات كثيراً، ولكن هذا يعود للشخص نفسه، فهناك زوج سعيد في حياته الزوجية وآخر تعيس، فلماذا لا أكون أنا من طائفة السُّعداء لا التُّعساء؟". بدوره، لا يرى رضوان زكريا (في العشرينات، غير متزوِّج)، أنّ هناك أي إرتباط بين وجود حالات زوجية فاشلة وقرار الإرتباط، ويقول: "أنا أسمع هذه الحكايات مثلي مثل غيري ولكنني لا أتوقف أمامها، فهناك حالات زواج ناجحة جدّاً. وأتمنّى أن أكون أنا في قائمة هذه الحالات". ويتفق إيلي بدليسي (غير متزوِّج، في الثلاثينات من العمر) مع الطرح القائل بعدم الإرتباط بين وجود خلافات زوجية وعزوف العُزّاب عن الزواج.   -         لو عاد بي الزمن أمّا هادي العجمي (متزوِّج منذ 3 أعوام)، فيعترف صراحة بأنّه لم يكن يتوقّع أن تكون الحياة الزوجية مليئة بالخلافات إلى هذا الحد، ويكمل: "كنت أسمع عن مشكلات الزواج قبل أن أتزوَّج، وكنت أقول لنفسي إنّ هناك مبالغات في ما أسمع، إلا أنّني وبعد مرور 3 سنوات على زواجي، أستطيع أن أقول إنّه لو عاد بي الزمن إلى الوراء لترددت في أخذ قرار الإرتباط، وفي تصوّري أنّ هناك ما لا يقل عن 20 في المئة من العُزّاب يتأثّرون بما يسمعونه عن الخلافات الزوجية". وفي الوقت الذي يتحدّث فيه هادي العجمي، يبتسم إبن خالته في الحديث عارضاً حالته، يقول: "لقد تزوّجت منذ عام واحد تقريباً، وهذه هي الزيجة الثانية لي بعد زيجة أولى لم تستمر سوى ليلة واحدة". ويضيف: "تزوّجت في المساء وطلّقت في الصباح، بعدها تأثّرت نفسياً ولم أُفكِّر في الزواج مرّة ثانية، إلا أنّ ضغوط الأهل من حولي دفعت بي إلى الزواج مرّة ثانية، على الرغم من مشاكل الزواج التي كنت أسمع عنها والتي عايشتها".   -         لا للمقارنة ويرفض بسام نبيل (متزوِّج منذ 3 سنوات) الربط بين الزيجات الفاشلة وتأخّر البعض في الزواج، مدللاً على ذلك بموقفه الشخصي، قائلاً: "لقد تأخّرت في الزواج لظروف خاصّة بي ولا علاقة لها بما كنت أسمع عنه من مشكلات زوجية وما أكثرها، إلا أنّني أرفض المقارنة بالآخرين.. فهناك عوامل كثيرة تقف وراء تأخّر البعض في الزواج أو وجد خلافات زوجية ووقوع حالات خيانة".   -         لا علاقة ويبدو أنّ لدى حسين وليد (متزوِّج منذ 4 سنوات) كلاماً مختلفاً، ذلك أنّه من واقع تجربته الشخصية، يقول: "من ناحيتي، لا علاقة لي بمن حولي، فأنا ملتزم بطبعي. ولقد تزوّجت في سن مبكرة وأنجبت طفلة وحياتي الزوجية سعيدة ولم أكن أستمع لأي شخص حولي. بإختصار، قرَّرت الزواج فتزوَّجت".   -         مأساة شقيقتي في المقابل، يبدو أنّ تأثير الزيجات غير المستقرة أكثر إيلاماً على الفتيات مما هو عليه لدى الشباب، حيث تعكس حالة د. سيرين (طبيبة في الأربعينات) مأساة حقيقية تعانيها شريحة كبيرة من الفتيات، ما تسبب في عزوفهنّ عن الزواج. وتُرجع سيرين سبب رفضها الزواج، على الرغم مما تتمتّع به من جمال ومال، إلى ما تعانيه شقيقتها "التي تعاني مع زوجها منذ سنة زواجها الأولى، وهاهي تعيش سنة عاشرة من الزواج لا هي قادرة على الإستمرار ولا على الحصول على الطلاق"، وتقول: "تعيش شقيقتي عذاباً ما بعده عذاب، إذ لا إنفاق ولا معاملة حسنة ولا وجود له في حياتها ولا حياة إبنهما البالغ من العمر تسع سنوات، فزوجها يسهر خارج المنزل ولا يعود إلا في السابعة صباحاً وهي في طريقها لتوصيل إبنها إلى المدرسة والذهاب إلى عملها. وعندما تعود ظهراً، يكون هو في عمله ولا تراه إلا في السابعة صباحاً كما يحدث كل يوم طوال تسع سنوات". وتسأل: "هل بعد ذلك أُفكِّر في الزواج؟"، وتقول: "لقد اتخذت قراري بصفة نهائية، على الرغم من كثرة عروض الزواج، إلا أنّ معاناتنا كأسرة مع شقيقتي تجعلني لا أُفكِّر نهائياً في الإرتباط.. لن أُكرِّر مأساة شقيقتي الوحيدة".   -         أُمّي هي السبب وإذا كانت شقيقة سيرين هي السبب في عزوفها عن الزواج، فإنّ والدة ميرفت (موظفة علاقات عامة في الثلاثينات) هي السبب في رفضها الزواج. وعندما نسأل ميرفت كيف تكون أُمّك سبب عدم زواجك؟ تجيب: "علاقة أبي وأُمّي كانت غير مشجعة لي على الإطلاق لكي أُفكِّر في الزواج، وقد عانيت كثيراً منذ صغري أنا وإخوتي بسبب المشاجرات التي لا تتوقف بين أُمّي وأبي". وتضيف: "أُمّي سيِّدة مسالمة تقدِّس حياتها الزوجية وأبي دائم السهر خارج المنزل، يعود من عمله يرتاح قليلاً، وفي المساء يخرج ويعود ونحن نيام". وتقول: "نادراً ما جلسنا كأسرة، ومع قصر الوقت الذي كان يقضيه الوالد في البيت، إلا أنّه كان دائم الخلاف معنا ومع أُمّي، في حين كانت أُمّي تكتفي بالبكاء، أمّا نحن كأبناء، فلا نملك سوى الإبتعاد عن المكان. وتتابع ميرفت قائلة: "لقد تأثّرت بمعاناة أُمّي كثيراً، وتمنيت من الله ألا أعيش هذه المأساة مرّة أخرى، بل إنّني أعتبر نفسي مسؤولة عن تحقيق السعادة لأُمّي وتعويضها عن سنوات العذاب التي عاشتها مع أبي الذي غادر بيت الزوجية وتزوّج بأخرى وأنجب منها بعد 18 سنة زواج".   -         صورة مغايرة من ناحيتها، ترى المذيعة التلفزيونية يسرا عادل "إنّ تأثير الخلافات الزوجية يمكن أن يؤثر إيجاباً في العازب، سواء بالنسبة إلى الشاب أم الفتاة"، وتقول: "عندما أنظر إلى قصة تعيسة قد أتأثّر لبعض الوقت، ولكنني في الوقت نفسه يمكن أن آخذ الجانب الإيجابي، أي أن أتجنّب العوامل التي جعلت الخلافات تزداد في أُسرة من الأُسر القريبة منِّي، فدرجة التأثير تتوقّف على طبيعة الشخص نفسه".   -         هروب من الواقع في سياق تعليقها على الموضوع، تُفسِّر المرشدة الأسرية منى شوشان ما يحدث بالإشارة إلى أنّه "عندما تتزايد حالات الخلافات الزوجية والطلاق والخيانة وغيرها، فإنّ هذا يؤثِّر سلباً في الشبان والفتيات، ولكن تأثيره الأقوى يكون على الشبان لأن أغلبيتهم يريدون التحلل من مسؤولية الزواج، فالشاب يتخوّف من أن يواجه المعاناة نفسها التي يعيشها صديقه أو قريبه مع القضايا والمحاكم. وهذا يؤدِّي إلى إختياره حياة العزوبية والإعراض عن التفكير في الزوج أو إرجاء الأمر إلى أجل غير مسمّى" أمّا بالنسبة إلى الفتاة، فتقول شوشان: "إنّ تأثير الأب فيها يكون أقوى، بمعنى أنّها عندما ترى والدها يتعامل مع والدتها بطريقة حضارية، فإنّها تتمنّى أن ترتبط برجل يشبه والدها. أمّا إذا رأت العكس ووجدت أنّ أُمّها مظلومة مع والدها، فإنّها تتأثّر وتتخوّف من المستقبل، وتتردد في الإرتباط خوفاً من أن تعاني مثلما عانت والدتها".   -         البنات أكثر تأثُّراً تأثير الشجار والخلاف الذي يدور بين المتزوِّجين في العُزاب من الجانب النفسي، يُفسِّره الأخصائي النفسي الدكتور عبدالعزيز العساف بقوله: "ثمة حالة من الخوف والقلق تسيطر على البنت عندما ترى حالات التفكك الأسري"، ويقول: "تشير الدراسات إلى أنّ ما يتراوح بين 70 و85 في المئة من الفتيات يتأثرن بما يرينه من حالات تفكك أسري. أمّى لدى الشبان، فإنّ النسبة تتراوح بين 30 و40 في المئة، ويرجع ذلك إلى أنّ الرجل يعتبر نفسه الأقوى وأنّه هو صاحب القرار، كما أنّه يُفكِّر في اللذّة والشهوة بدرجة أكبر، بعكس الفتاة لأنّها تُفكِّر بعاطفتها أكثر من الرجل". ورداً على سؤال حول السبب الذي يجعل الشبان يضعون موضوع الخيانة في مقدمة الأسباب التي تؤدِّي إلى عزوفهم عن الزواج، يجيب الدكتور العساف: "عندما يرى الشاب قصص الخيانة وحالات الإنفلات الموجودة لدى الفتيات وسهولة تكوين العلاقات، يتولّد لديه إنطباع بأن معظم الفتيات والنِّساء لا مشكلة لديهنّ في إقامة علاقات غير شرعية.. فتسيطر عليه حالة من الخوف، وتزداد المشكلة تعقيداً عندما يعيش العازب علاقة غير شرعية مع إمرأة متزوِّجة، لأنّها تضعه في قلب المشكلات التي تعانيها مع زوجها، فيتصوّر أنّه سيكون واحداً من هؤلاء".►

ارسال التعليق

Top