• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الكتابة الإلكترونية والكتابة الورقية

د. حسان المالح

الكتابة الإلكترونية والكتابة الورقية

◄مما لا شكّ فيه أنّ شبكة المعلوماتية (الإنترنت) قد أصبحت أحد معالم الحياة المعاصرة.. وهي بشكل أساسي مصدر للمعلومات المختلفة، ومصدر للتواصل السريع بين البشر. وتضم معلوماتها كلّ شيء يخطر على البال.. ويمكن للمتصفح أو لزائر موقع ما أن يقرأ ما يشاء وأن يطبع ما يريده من معلومات، وأيضاً أن يرسل هذه المعلومات أو يتواصل مع الآخرين عبر الشبكة وعبر البريد الإلكتروني بسرعة فائقة وبزمن قصير. ومن المفهوم أنّ هناك تنافساً بين الصحف والمجلات والكتب وغيرها من المطبوعات الورقية مع وسائل المعلومات والإعلام الأخرى كالإذاعة والتلفزيون والقنوات الفضائية من ناحية ومع شبكة المعلوماتية من ناحية أخرى.. كونها جميعها تشكل مصادر معلومات ووسائل اتصال وتواصل بين الناس والمؤسسات والجهات القائمة عليها.

وقد تطورت تقنيات الشبكة المعلوماتية مؤخراً بشكل كبير مما أدّى إلى جذب أعداد كبيرة من الناس للتعامل معها.. من مختلف الفئات وشرائح المجتمع ولاسيّما من فئات الشباب.. ويبدو أنّ الصعوبات التقنية ومشكلات الكمبيوتر والبرامج والفيروسات وغيرها من الأمور التقنية، والتي تحتاج إلى الصبر والتعلم والتدريب، قد ساهمت في عزوف البعض عن شبكة المعلوماتية أو الخوف منها وعدم احتمالها..

ولا شكّ أنّ أيّة تقنية تحتاج إلى بذل الجهد والوقت والتدريب للتعامل معها.. مما يطرح أهمية التدريب المبكر وأهمية الوعي التقني والمعلوماتي ومحو الأمية التقني في مجتمعاتنا.

ومن خلال تجربتي الشخصية مع الكتابة والنشر في الإنترنت والكتابة الورقية يمكنني أن أقدم الملاحظات التالية:

1-  إنّ الصعوبات التقنية وتعلم لغة الكمبيوتر والإنترنت التي يواجهها المبتدئ في تقنية المعلومات تشابه تعلم القراءة والكتابة أو تعلم لغة أجنبية (بعضهم يصفها بأنّها لغة الجن.. تجاوزاً)، وهي أسهل من ذلك عموماً. وعندما تتعلم لغة أجنبية مثلاً لابدّ لك من تراكم لمعلومات ومفردات وتجارب وأخطاء وإحباطات مع هذه اللغة كي تستطيع أن تفهمها أو تتحدث بها بشكل أفضل.

2-  إنّ الكتابة والنشر في الإنترنت شيقة وجذابة جدّاً.. وهي تتميز بالسرعة الفائقة وبإمكانية تصحيح العبارات والكلمات وتعديلها مباشرة أو خلال دقائق أو ساعات.. وهذا لا يتوفر أبداً في الكتابة الورقية والمطبوعات.. وإذا توفر يحدث بعد مدة طويلة في الطبعات القادمة المنقحة للكتب، أو من خلال تنويه واعتذار عن خطأ مطبعي في العدد التالي من الصحيفة أو المجلة الورقية..

3-  تتميّز الكتابة الإلكترونية (في الإنترنت) بإمكانية إضافة الألوان والصور والصوت إلى المادة المكتوبة مما يحسن في جاذبيتها للقراءة.. ولا يتوفر مثل ذلك في الكتابة الورقية إلا بزيادة كبيرة في سعر المطبوعة وتكلفتها. كما لا تتوفر إمكانية إضافة الصوت أو الصورة المتحركة إلا في تقنيات التلفزة.

4-  إنّ استسهال الكتابة في الإنترنت والتعبير عن رأي أو موضوع معيّن وبطريقة سريعة أدى بشكل أو بآخر إلى نقص أهمية كتابات معينة على الإنترنت مقارنة مع الكتابات الورقية المطبوعة.. وهذا صحيح جزئياً ولاسيّما في حال الكتابات في المنتديات المتنوعة أو المواقع لا يشرف عليها اختصاصيون أكفاء.

وهناك مواقع موثوقة وتقوم عليها مؤسسات أو جهات رصينة لا تنطبق عليها مثل هذه الأحكام.. ولكن يبقى للكتاب المطبوع عموماً وغيره من المطبوعات، هيبة خاصة ورصانة تتناسب مع الجهد المبذول في سبيل إصداره وتمويله وإخراجه وكتابته وتنقيحه وتوزيعه.

5-  إنّ العلاقة المباشرة بين القارئ والكتاب المطبوع (وغيره من المطبوعات) يمكن أن تشكل علاقة حميمة وحسية مباشرة، وفيها جاذبية خاصة ومعانٍ كثيرة للقارئ.. ولاسيّما أنّ المواد المطبوعة على الورق قد رافقتنا منذ زمن طويل منذ الطفولة وما يتلوها من مراحل.. وهذه العلاقة وجوانبها العاطفية والمعنوية المتعددة ربما تساهم في بقاء الكتاب المطبوع إلى زمن طويل قادم.. وأما قراءة الكتابات على الإنترنت فهي تعتمد على حاسة النظر بشكل أساسي، وعلى السمع في حال كانت الصفحة مرتبطة بموسيقا أو كلام (محاضرة مثلاً). ولا يمكنك أن تلمس الصفحة على الإنترنت أو أن تكتب حاشية عليها أو أن تخط خطاً تحت بعض الكلمات.. كما لا يمكنك أن تحملها إلى فراشك وتتابع قراءتها.. وهي تحتاج دائماً إلى جهاز كمبيوتر وكهرباء (أو بطارية) وغير ذلك من مستلزمات تقنية. والتقنية عموماً باردة، معدنية، تفتقد في أحيان كثيرة للمشاعر والحس الفني والذاتي.. وهناك من يعشقها ويدمن على التعامل معها وعليها.. وهناك من يكرهها ويكسرها.. ولا شك أنّ التعود والخبرة والممارسة والفوائد التي نجنيها من التقنيات.. كلّ ذلك يلعب دوراً كبيراً في تعديل مشاعرنا ونظرتنا السلبية للتقنية والإقبال عليها بهمة أكبر وبمتعة أكثر.

6-  إنّ الكتابة والنشر على الإنترنت أرخص ثمناً وتكلفة من الناحية المادية.. على الرغم من تكاليف جهاز الكمبيوتر وصيانته وبرامجه وأسعار الاتصال بالشبكة وتكلفة استضافة الموقع وثمن اسمه.. مقارنة مع التكلفة الباهظة لإصدار مطبوعة ورقية (كتاب أو مجلة أو غير ذلك).

7-  إنّ الكتابة والنشر في الإنترنت تتميز بالمكافأة الفورية.. حيث تستطيع أن تقرأ ما كتبته فوراً منشوراً في الفضاء العالمي من خلال شاشة الكومبيوتر بالطبع. كما يمكن للمادة المنشورة أن تنشر في عشرات المواقع الأخرى من خلال تداولها وبسرعة كبيرة، أو من خلال إرسالها عبر البريد الإلكتروني والقوائم والمجموعات البريدية حيث يمكن إرسال موضوع معيّن لعشرات الآلاف أو لملايين العناوين البريدية خلال دقائق.. وهذا يحقق الانتشار الواسع للكاتب، ويجعله عابراً للحدود المختلفة، ويزيد من عدد القراء بنسبة خيالية.. وكلّ ذلك يمثل مكافأة ممتازة للكاتب ويرضي طموحه وربما يشجعه ويحفزه على الكتابة أيضاً.

بينما يتحدد النشر الورقي بمدى توزيع المادة المطبوعة (بما فيها الرسائل البريدية) وانتشارها وبالتالي بعدد قرائها المحدودين عددياً وجغرافياً.. ويبدو أنّ مشكلات انتشار وتوزيع ونقل المادة المطبوعة وتفوق النشر الإلكتروني الحاسم في ذلك سيبقى نقطة محورية لصالح النشر الإلكتروني ولفترة زمنية طويلة..

8-  كلمة أخيرة.. الكلمة المسموعة تبقى.. والكتاب يبقى.. وقد بقيت الكلمة المكتوبة آلاف السنين.. ويبدو أنها ستبقى.. وقد حفظت لنا الحجارة كتابات قديمة جدّاً.. ويمكن للأقراص المدمجة الحديثة (الإلكترونية) أن تحفظ لنا كتابات وكلمات عظيمة.. وكذلك الورق الذي يبدو أنّه قادر على حفظ الكتابة.. سواء كانت كتابة في الإنترنت حيث يمكن طباعتها.. أو من خلال الكتب والصحف والمجلات وغيرها من المطبوعات.. ولابدّ من التعاون دائماً بين "الكتابات الفضائية" و"الكتابات الورقية" ولا يجوز الطلاق بينهما، ويمكن أن يجري التبادل بينهما بشكل إيجابي، بما يخدم مجتمعاتنا بشكل أفضل في ميدان العلوم النفسية وغيره من الميادين.►

 

المصدر: كتاب حياتنا النفسيّة

تعليقات

  • 2021-03-01

    Rokaya

    شكرا على المجهودات الجبارة

ارسال التعليق

Top