• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الكلمة.. الواعية المسؤولة

عمار كاظم

الكلمة.. الواعية المسؤولة

يقول سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) (فاطر/ 10)، ويقول عزّوجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا) (الأحزاب/ 70). وأيضاً قوله تعالى: (وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ) (الإسراء/ 53). من خلال هذه الآيات يريد الله سبحانه أن يربّي عباده المؤمنين على الخلق الطيِّب الذي لا يمكن أن يعقِّد الواقع، بل يفتح حياة الناس على العدل، ويجعل القلوب تنبض بالمحبّة، ويجعل الجميع يتعاونون من خلال الكلمة المسؤولة والكلمة العاقلة والكلمة الهادئة، ويتعلّمون أن يتجادلوا بالتي هي أحسن، وأن يتحاوروا فيما يتنازعون فيه بالذي هو أطيب، لأنّ ذلك هو الذي يمكّنهم من الوصول إلى الجانب الأحسن في نزاعاتهم وخلافاتهم. وركّز الله في حياة الناس كلِّهم على الكلم الطيِّب، وقال في كتابه: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ)، والكلام الطيِّب هو كلام الصِّدق والعدل والحرّية، وقد أكّد الإسلام أنّ الكلام هو مسؤولية المتكلّم كما هي مسؤولية السامع، فإذا أردت لكلامك أن يصعد إلى الله، فليكن كلاماً طيِّباً يتحرَّك في حدود الله وضمنها ولا يتجاوزها. والنبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) ركَّز في أحاديثه الشريفة على قيمة الصِّدق في القول والعمل وأهمّيته في الحياة الإنسانية، فيُروى عنه قوله: «إنّ الرجل لا يكون مؤمناً حتى يكون قلبه مع لسانه سواء، ويكون لسانه مع قلبه سواء، ولا يخالف قوله عمله»، وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه، ولا يدخل رجل الجنّة لا يأمن جاره بوائقه». والقول السديد هو القول الحقّ، بأن يلتزم المرء قول الحقّ، ويصدق في كلامه الذي يعبّر فيه عمّا يشعر ويرى ويسمع، فينطلق في إطلاق مواقفه، ولا يعبّر فيها إلّا عن الحقّ، فيجعل من الصِّدق ضابطاً لحركة أقواله، وبالتالي أعماله، ولا يخاف بالتالي أحداً، فهو يعرف حجم مسؤولياته، وأنّه المؤمن الملتزم بتعاليم ربّه وما يتوافق مع فطرته وأخلاقه. لذا، تراه الإنسان الصادق مع زوجته، فلا يكذِّب عليها، والصادق مع أولاده، فيحسن توجيههم إلى صالح القول والعمل، والصادق مع جاره، فلا يكذب عليه، وبالتالي لا يتسبّب بإرباك العلاقات الخاصّة والعامّة، فهو يبثّ الكلمة الطيِّبة الصادقة الواعية التي تشعر الناس جميعاً بالأمن والأمان، وتبعد كلّ مفسدة، وتجلب كلّ منفعة.

ولا يمكن، والحال هذه، إلّا أن يتوافق ظاهر المؤمن مع باطنه، فلا يكون ظاهره شيئاً، وباطنه شيئاً آخر على مستوى الشعور والتفكير والموقف والكلمة، لذا، فإنّ قوله يصدق عمله، وعمله يؤكِّد قوله، وإلى ذلك المعنى، يشير الله تعالى في كتابه العزيز: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) (الصفّ/ 2-3). إنّ القول السديد يحمل في مضمونه الصِّدق والحقّ والعدل، بحيث ينسحب ذلك كلّه خيراً على مساحة الحياة كلّها، في مقابل كلمة الباطل، ومقابل الكذب المقيت الذي لا يمكن أن يتّصف به المؤمن. يقول تعالى: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاء * تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * وَمَثلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) (إبراهيم/ 24 ـ 26).

وأخيراً، لابدّ من أن نراعي كلماتنا، ولا سيّما في حالات الفتنة، لأنّنا عندما نطلق الكلمة في حالة الفتنة، فإنّنا بذلك نجعل الكلمة تكبر حتى تخلق المشاكل الكبيرة. ورد في كلام الإمام عليّ (عليه السلام): «الكلام في وثاقك ما لم تتكلّم به، فإذا تكلّمت به صرت في وثاقه». وهكذا، فإنّ المسؤول في أيّ موقع، إذا كان يحترم الناس، فعليه أن يقول لهم الكلمة بكلّ دقّةٍ ووعي ومسؤولية، لا أن تكون الكلمات على أساس الأوضاع والانفعالات، فإذا رأيت هناك نافذةً مفتوحةً على المستقبل، ركِّز كلمتك حتى لا يلفظك المستقبل.

ارسال التعليق

Top