• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المحاسبة الذاتية

المحاسبة الذاتية
◄على ضوء التربية الروحية التي يشيعها الإسلام في مجتمعه ونتيجة لما يبثه في نفوس مريديه من مقياس عملي يستند على أساس السعي لتحقيق رضوان الله تعالى وفقاً للالتزام بمفهوم الحلال والحرام الإسلاميين، فضلاً عن إحساس المرء ذاته في ظل الرسالة الإسلامية إنّه مسؤول عن مغبة سلوكاته في الحياة، على ضوء هذه الإشعاعات التي يبثها المنهج الإسلامي في نفوس اتباعه يندفع إنسان الرسالة لمحاسبة نفسه وإعادتها إلى خط السير المرسوم كلما تنأى به بعض عوامل الانحراف عن الخط المرسوم، وهذا المنهج (منهج المحاسبة الذاتية) قد رسم الإسلام أطره وحدّد أبعاده في دستوره الخالد (القرآن الكريم) الذي راح يؤكد على إشاعة مفهوم اليقظة الدائمة في النفوس لتكون على وعي تام بما تسلكه وبما يجب أن تسلكه في الحياة وهكذا راح القرآن يهاجم الساهين عن أداء أعمالهم ويندد بالخاملين الجامدين وينعى على الغافلين غفلتهم عن التزام جانب الوعي في مهماتهم الحياتية ومن ثم وتّد الإسلام أركان مبدأ المحاسبة الذاتية التي تعني الالتزام بجانب الوعي واليقظة الدائمة – على لسان الرسول القائد (ص): "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا" إلّا أنّ المحاسبة هذه تقوم أساساً على الإيمان بالله واليوم الآخر إذ إنّ إنسان الإسلام يتذكر دوماً أنّ قوة لا يعزب عنها مثقال ذرة في هذا الوجود المترامي الفسيح تراقبه وتعد أنفاسه وترصد كلّ حركاته وسكناته، تلك هي الله سبحانه عالم الغيب والشهادة الذي لابدّ أن يقف كلّ إنسان أمام محكمته العادلة التي لا يغير من مقاييسها العادلة دفاع ولا اعتذار ولا مماطلة.

هذه الإشعاعات الروحية وهذه المرتكزات الفكرية التي تنعقد على قلب المرء المسلم تدفعه بحرارة إلى مراجعة حساباته وتدقيقها لإزالة عار الانحراف عن دروب الله عن نفسه وعن واقعه، وهكذا جاء مفهوما الاستغفار والتوبة تجسيداً حياً لمحو الانحراف كلما استبدت بالإنسان بعض عوامله، فعن طريق الاستغفار والتوبة يتجسد مفهوم تصحيح كلّ سلوك يشذ بالمرء عن موكب المؤمنين الهادر، يتجسد واقعاً على فكر الإنسان وسلوكاته كافة دون أن يكون مفهوماً نظرياً خاوياً لا رصيد له من واقع كما يشاء البعض أن يعتقد.

ولإبعاد هذه الحقيقة الناصعة أشار الإمام القائد عليّ بن أبي طالب (ع) حين سمع صوت امرىء يستغفر فقد وضع الإمام (ع) كلّ النقاط على كلّ الحروف حول أبعاد الاستغفار وحقيقته بقوله: "أتدري ما الاستغفار؟" الاستغفار درجة العليين وهو اسم واقع على ستة معان:

الأوّل: الندم على ما مضى.

والثاني: العزم على ترك العود إليه بدا.

والثالث: أن نؤدي إلى المخلوقين حقوقهم حتى تلقى الله أملس ليس عليك تبعة.

والرابع: أن تعمد إلى كلّ فريضة ضيعتها فتؤدي حقّها.

والخامس: أن تعمد إلى اللحم الذي نبت على السحت فتذيبه بالأحزان حتى تلصق الجلد بالعظم وينشأ بينهما لحم جديد.

والسادس: أن تذيق الجسم ألم الطاعة كما أذقته حلاوة المعصية فعند ذلك تقول استغفر الله.

هذه هي الصيغة الواقعية للاستغفار والتوبة والذي يمثل بحقّ العبد الحقيقي للمحاسبة الذاتية التي تؤلف قواماً أساسياً لعلاج الانحراف، ولكن بدافع ينبع من ذات الإنسان ومن أعماق نفسه التي تتعلق بالله الكبير المتعال وترنو إلى رضوانه.► 

ارسال التعليق

Top