• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المعاني الإنسانية في شخصية الإمام عليّ (ع)

عمار كاظم

المعاني الإنسانية في شخصية الإمام عليّ (ع)

عند سماع اسم الإمام عليّ (ع)، نكبر ونسمو ونصفو، وتتفتّح لنا آفاق الروح كلّها، وتتعمّق فينا مواقع العقل كلّها، ونشعر بإنسانيّتنا كيف تنفتح على الإنسان كلّه من خلال انفتاحها على الله بكلّها.. نتطلَّع إليه وهو يعيش عقله كلَّه وحياته كلَّها مع الله، فليس فيه شيء لغير الله، وليس فيه شيء حتى لنفسه، فلقد كانت نفسه لله، وكان عقله في خدمة الحقّ، وقلبه في خدمة الخير، وحياته في خدمة الإنسان كلّه، باعتبار أنّ الناس كلّهم عيال الله، فهو (ع) يقول عن الناس إنّهم "صنفان؛ إمّا أخ لك في الدين"، تعيش معه آفاق دينك، "وإمّا نظير لك في الخلق"، تعيش معه آفاق إنسانيّتك.

وعندما نقرأ القرآن فيما نزل في عليّ (ع)، فإنّنا نجد أنّه يتحدَّث في آيات بارزة عن علاقة عليّ (ع) مع الله سبحانه وتعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللهِ وَاللهُ رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) (البقرة/ 207). وفي الروايات، أنّ هذه الآية نزلت في عليّ (ع) عندما بات على فراش النبيّ (ص) ليلة الهجرة، وهي لم تتحدَّث عن الواقعة، ولكنّها تحدَّثت عن سرِّ عليّ (ع) في هذه التجربة الإيمانية الفدائية، بأنّه شرى نفسه ابتغاء مرضاة الله، والشراء هنا بمعنى البيع، ويمكن أن يأخذ الشراء معناه ويصحّ الإيحاء.

إذاً، سرّه (ع) هو هذا: أنّه باع نفسه لله، فلم يفكِّر، وهو الشاب الذي لم يتخطّ العشرين إلّا بسنة أو سنتين، في نفسه وهو يبيت على فراش النبيّ (ص) ليغطّي انسحابه، وكانت هناك عشرة سيوف مسلطة فوق رأسه، وهذا هو الّذي يفسِّر حياة عليّ (ع) كلّها، فعندما حمل سيفه في سبيل الله، لم يحمل في نفسه عقدة أن يقتل الناس، فليست بطولته في هذا ـ وإن كانت في ميدان الحرب لا تضاهى ـ بل كانت بطولته الحقيقية هي البطولة الروحية، وهي أن يهدي الناس إلى سبيل الرشاد، وأن يتّخذ الحرب وسيلةً من وسائل الضغط على الناس الذين عاشوا تحت تأثيرات معقّدة أبعدتهم عن الله ليعودوا إلى الله، ولقد قالها في صفّين: "فوالله ما دفعت الحرب يوماً إلّا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة، فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إليَّ من أن أقاتلها على ضلالها، وإن كانت تبوء بآثامها". وكانت بطولته الروحية هي أنّه كان يتحرّك من أجل أن يخترق جسد الكافر بعقله، قبل أن يفكّر في أن يخترقه بسيفه.

وعندما نتذكّر عليّاً، نتذكّرالرحب في عقله، وكانت رحابته تتّسع وتتّسع وتضيء وتضيء، حتى قال: "لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً"، فلقد استطاع أن يندمج في بحار المعرفة بالله، حتى استطاع أن يعرف الله بالمقدار الذي يمكن أن يصل إليه البشر، ولم يتقدَّمه أحد في ذلك إلّا رسول الله (ص).

من خلال كلّ ذلك، وتأسيساً عليه، لا نملك إلّا أن نحبّ عليّاً (ع)، لأنّ مَن يفهم عليّاً أو يطلّ على آفاقه إلّا ويحبّه. وذلك هو قول عليّ (ع) للناس في خلافته: "ليس أمري وأمركم واحداً، إنّني أريدكم لله"، فليس لي عمل معكم من خلال ما تملكون مما يملكه الناس من امتيازات، بل عملي معكم هو عملي مع الله، لأقرّبكم إليه، ولأرفعكم إليه، ولأجعلكم تعرفونه أكثر، وتعبدونه أكثر، وتطيعونه أكثر، وتحبّونه أكثر، وتقومون بمسؤوليتكم إزاء الله أكثر. كان (ع) وحده، ولكلِّ صحابيّ ممن سار في الخطّ الرسالي فضله.. كان وحده الّذي عاش رسول الله (ص) كلّه، حتى إنّ طفولته استطاعت أن تختزن شباب رسول الله (ص)، ولذلك كبر عليّ (ع) في طفولته فكان شاباً، لأنّ رسول الله أعطاه شباب عقله وروحانيته وقلبه، حتى إذا بعث الله رسوله بالنبوة، كان عليّ (ع) أوّل مَن أسلم، لا من الصّبيان، بل من الشبان والرجال، فلقد كان جسده جسد الصبي، ولكنّ عقله كان عقلاً شاباً حيّاً متحركاً. ولقد قيل له: "هل استشرت أباك عندما أسلمت؟ فكان جوابه (ع): إنّ الله لم يستشر أبي عندما خلقني، فهل استشير أبي إذا كنت أريد أن أسلم لله؟‌".

ارسال التعليق

Top