• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

المفهوم الفلسفي للأتيكيت

المفهوم الفلسفي للأتيكيت

لعلّ سؤالاً مباشراً يوجه لك وأنت تقرأ كلمة أتيكيت وهي مفردة غير متداولة كثيراً في القاموس الدراسي أو الاجتماعي، ما هو الأتيكيت؟. وأفضل مَن عبر عن ذلك "بينيت سير" عندما قال الأتيكيت هو: "الصوت المزعج الذي لا يصدر عنك وأنت ترشف الحساء". وتعني لفظة Etiquette ويقابلها في العربية آداب السلوك.

فمصدرها فرنسي وتعني في الأصل البطاقة التي تلصق على طرد أو زجاجة لتعرف بالمحتوى ثم استعملت هذه اللفظة للدلالة إلى البطاقات التي كانت توزع على المدعوين إلى القصور الملكية الفرنسية للتقيد بالتعليمات المدونة عليها في حضرة الملك وكبار الحاشية من أمراء ووزراء وتوسع الأمر وصولاً إلى المحاكم والحفلات الرسمية والآداب. والأتيكيت هو مفهوم أوروبي يقصد به فن التعامل أو الآداب العامة مع الأشياء وهو نمط من أنماط العلاقات العامة، ومرجعيته هو الثقافة الإنسانية الشاملة، ويعني بكافة شؤون الحياة، وقلما يختلف من بلد إلى بلد. إنّ مفهوم الأتيكيت هو احترام النفس، واحترام الآخرين، وحسن التعامل معهم. إنّ ذلك مفهوم راقٍ ومحتوى إنساني حضاري.

فالحضارة – كما تقول مي السديري – هي ليست قصراً، ولا سيارة فارهة، ولا مجرد زينة في الوجه والملبس، ولكنها – بالدرجة الأولى – التعامل الإنساني الراقي فيما يعرف بـ(آداب اللياقة). ويشترك هذا المفهوم في الطبيعة التعاملية بين المجتمعات أو البلدان مهما اختلفت لغاتها وثقافتها، بمعنى أنّ الأتيكيت هو نفسه يمارس في كلّ مكان من دول العالم من حيث الأساس لكن ربما يحصل الاختلاف في الجزئيات، لأنّه بالمحصلة النهائية هو فن ينبع من الآداب العامة التي نادراً ما تختلف من بلد لآخر أو تختلف فيها الدول.

وفي ثقافتنا العربية فإنّ الأتيكيت له مفهوم نعبر عنه في الكثير من المصطلحات اللطيفة التي تنسجم مع توصيفه الحقيقي مثل "الذوق العام أو الذوق الاجتماعي أو آداب السلوك أو اللياقة أو فن التصرف في المواقف الحرجة" وهي توصيفات تصب بالنتيجة النهائية في رافد واحد هو تهذيب السلوك. ومن الطبيعي أن يكون الإنسان العربي أكثر تمسكاً بهذا المفهوم الذوقي لأنّه يمثل منظومة القيم الاجتماعية السائدة والمتأصلة في جذور ثقافته وحضارته العربية، فالعرب أبناء حضارة عريقة تفيض بالقيم والأصول.

وبطبيعة الحال فإنّ الأتيكيت أصبح علماً وفناً وكذلك أصولاً وسلوكيات إنسانية يجب على الإنسان أن يتحلى بها ويضعها في الاعتبار أينما ذهب وحيثما جلس وتحدث مع جلسائه في موضوع من الموضوعات. وفي حالات عدة نجلس في أماكن عامة وخاصة مع أصدقاء أو ضيوف يثير انتباهنا أسلوب شخص ما أو تصرفاته اللطيفة اللائقة بالاحترام والتواضع أو بمحاولة خدمة الآخرين، وفي وجهه ترتسم الابتسامة الجميلة هذه مسائل تحقق نجاحات سحرية لمن يحملها وتجعله يحظى بإعجاب واحترام الكلّ، فالابتسامة تمثل ذوق رفيع والأدب احترام عالي وخفة البدن رقة وحيوية وإيلاء الاهتمام تكريم واعتزاز وهذه الصفات كلّها هي الأتيكيت بذاته. وربما هنالك سلوكيات أخرى للأتيكيت لا تبتعد عن ما نتحدث به منها الملبس الجميل والتنسيق في الألوان والهندام ويبقى المنطق عاملاً مهماً يعطي ملامح أولية عن الأتيكيت. وقد تحصل مجاملة لبعض الوقت لكن سرعان ما تتحول إلى شكل آخر تدفع الإنسان باتجاه التصرف السلبي حيث يفقد جهوداً كبيرة بذلت من قبل لكنها تبقى في إطار مؤقت. وإنّ أفضل أنواع الأتيكيت عندما تتوفر جملة عوامل في الشخص أو المكان أو الفعالية كأن تكون مؤتمر يديره مجموعة أشخاص أو احتفالية يتسم سلوك جمهورها بفن راقي من التعامل والتصرف في جميع فقرات برنامجها. وفي السنوات الأخيرة ظهرت مسألة الانفتاح على الأتيكيت بصورة متفاوتة في العالم العربي من بلد لآخر وهي ظاهرة ناتجة عن أبعاد إعلامية واجتماعية بالدرجة الأولى ثمّ تأتي الأبعاد الأخرى ومنها البعد التربوي والنفسي والأخلاقي.

وأخذ هذا المفهوم الجديد ينتشر بشكل كبير في مجتمعاتنا العربية وانتشرت على أثر ذلك معاهد تعليم فن الأتيكيت في الكثير من البلدان العربية، حتى أنّه فرض نفسه على الجامعات والمعاهد ليكون ضمن مناهج الدراسة انطلاقاً من مستوى الاهتمام الذي أخذ الناس يميلون إليه نظراً للحاجة أو للرغبة والانبهار أو الإعجاب به. إنّ الأتيكيت يتعلق بكلّ تفاصيل حياتنا اليومية مثل (أتيكيت المظهر وأتيكيت الحديث وأتيكيت الطعام وأتيكيت الهدايا وأتيكيت التعامل بالفنادق وأتيكيت الاجتماعات وأتيكيت الحفلات وأنواعها والملابس الخاصة بها وأتيكيت التعامل مع الرؤساء في العمل وأتيكيت الزيارات بجميع أنواعها وأتيكيت الزواج وأتيكيت التقديم لطلب وظيفة) وغيرها العديد من الأنواع.

ومن المعروف فإنّ الهدف الأساسي من نشر فن الأتيكيت هو خلق مجتمع راقي خالي من المشاكل التي قد تنشأ بسبب الجهل بالتصرفات. وتشكل مسألة السفر من بلداننا العربية إلى الدول الأجنبية المتعددة الثقافات واحدة من الحالات التي أخذت تفرض نفسها على الناس وتحفزهم للإقبال على دورات الأتيكيت لأنّ السفر يمثل ثقافة تحتاج إلى انفتاح الناس على الحضارات الأخرى وكثرة الاحتكاك بالعالم الخارجي يزيد الوعي بأهمية هذا الفن الاجتماعي. وتقول مريم عبد السلام شعيب إنّ أكثر أنواع الأتيكيت إقبالاً هو أتيكيت المظهر وأتيكيت الحديث وأتيكيت المطاعم حيث إنّ أوّل قاعدة لتعلم هذا الفن هو أتيكيت المظهر الذي يحكم به الناس عليك ويسمى الأتيكيت الصامت (الوقوف والسير والجلوس والمصافحة وغيرها).

 

الكاتب: د. فاضل البدراني

المصدر: كتاب فن الأتيكيت في بناء العلاقات الاجتماعية

ارسال التعليق

Top