• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

انطلاقة جديدة في باب الاستغفار

عمار كاظم

انطلاقة جديدة في باب الاستغفار

من فضل الله - عزّوجلّ - على الإنسان أن فتح له باب الرحمة والمغفرة، وجعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وحذَّر ابن آدم من أن يكون ممن يؤخرون التوبة ويطول بهم الأمل حتى يرجعوا إلى الآخرة بغير عمل. بعد أن تكتمل شروط التوبة من إقلاع العبد عن المعصية والندم على فعلها والعزم على عدم العودة لها أبداً، يصبح على التائب أن يجتهد في درء الحسنة بالسيئة، ويكون ذلك باللسان والقلب والجوارح. فهو يجدُّ في التفكير عن ذنبه بالاستغفار والتضرع إلى الله تعالى سائلاً العفو والمغفرة والاستغفار يكون بالقلب واللسان معاً وليس باللسان فقط. فالاستغفار يبعث على الأمن والسلامة ويُعمِّق الشعور بالرِّضا لأنّه يبتني على الندم ممّا فات والعزم على ترك الخطأ وإصلاح الأوضاع. فهو عملية غسل للقلب وللجوارح لتكون جاهزة لانطلاقة جديدة، بعيدة عن الألم، يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «مَن كَثُرَت همومه فعليه بالاستغفار». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أدلّكم على دائكم ودوائكم؟ ألا إنّ داءكم الذنوب ودوائكم الاستغفار». على الإنسان أن يُعجِّل بالاستغفار والتوبة ولا يُؤخِّرها متعمِّداً أو متساهلاً لأنّ ذلك قد يؤدِّي إلى عدم قبول التوبة وردّها، قال تعالى: (إِنَّمَا التَّوْبَة عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً * وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُولَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً) (النِّساء/ 17-18).

على التائب أن يوطِّن نفسه على الأعمال والخصال الصالحة المكفرة للذنوب، ومن هذه الخصال مسامحة الناس والعفو عن زلاتهم، قال تعالى: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) (الأعراف/ 199)، وكذلك أن يضمر في قلبه الخيرات للمسلمين ويعزم على التزام الطاعات والعبادات، فيشغل جوارحه بعمل الطاعات والصدقات وأنواع العبادات، ويعمد إلى بدنه فيصرف طاقته في طاعة الله وتحري الحلال. وبالجملة فعليه أن يحاسب نفسه كلّ يوم ويتذكر جمع سيئاته الماضية، ويجتهد في دفعها بالحسنات.

عندما تصدُق توبة العبد وتتكامل أركانها، فإنّها تثمر رحمات ومغفرة وأجراً عظيماً من الله عزّوجلّ. فمن ثمار التوبة تكفير السيئات حتى يصير كمن لا ذنب له، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «التائب من الذنب كمَن لا ذنب له». ومن ثمارها تبديل السيئات حسنات، قال تعالى: (يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) (الفرقان/ 70)، جاء رجل هرم إلى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) وقال: أرأيت، رجل يعمل الذنوب كلّها فلم يترك صغيرة ولا كبيرة إلّا أتاها، فهل لذلك من توبة؟ فقال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «فهل أسلمت؟». قال: أمّا أنا فأشهد أن لا إله إلّا الله وأنّك رسول الله. فقال (صلى الله عليه وآله وسلم): «تفعل الخيرات وتترك السيئات فيجعلهنّ الله لك خيرات كلهنّ» قال: وغدراتي وفجراتي؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «نعم».

وتثمر التوبة النصوح حبّ الله سبحانه وتعالى لعبده التائب، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة/ 222)، وفرح الله تعالى بتوبة عبده، إنّ الله أعطى التائبين ثلاث خصال لو أعطى خصلة منها جميع أهل السموات والأرض لنجوا بها، قال تعالى: (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ) فمن أحبه الله لم يعذبه وقوله تعالى: (إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) (الفرقان/ 70).

ارسال التعليق

Top