• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تحفيز الطفل

تحفيز الطفل
   من المعروف أنّ الأطفال الذين لديهم الدافع للتجريب والوصول إلى المعرفة، يحققون نجاحات كبيرة في حياتهم مستقبلاً. فكيف تسهمين في تحفيز طفلك وزيادة دوافعه؟

أنّ خلق الدافع لدى الطفل هو جزء أساسي من عملية التنشئة. وتحفيز الأُم لطفلها هو أمر صعب وخاصة إذا ما كانت تعتقد أنّ طفلها لا يهتم من تلقاء نفسه بالتعلم والتجريب وأنّ عليها تعنيفه لإثارة اهتمامه. وهذا اعتقاد غير دقيق. في الحقيقة، يمكن أن تؤدي محاولات الأُم لتحفيز الطفل إلى عكس ما تهدف إليه. إذ لا تستطيع الأُم جعل طفلها يهتم بأمر ما لمجرد أنها تعيره الكثير من الاهتمام، بل يمكن أن تقف محاولاتها لجعله يهتم بما تهتم به عائقاً في وجه تحفيزه. والأسوأ، أنّ محاولاتها لخلق الحوافز لديه بالقوة تنقلب، في أغلب الأحيان، إلى صراع نفوذ بينها وبينه. إذا كان اهتمام الأُم بشؤون طفلها أكثر من اهتمامه هو، فهذا يدل على وجود خطأ ما.

 

عواقب:

إذا كانت الأُم معتادة على أن تحل محل طفلها وتحاول جعله يهتم بأمر ما لاهتمامها هي به، عليها أن تتوقف عن فعل ذلك وتحاول أن تميز بين مسؤوليتها ومسؤولية طفلها، وأن تسأل نفسها، "ما هي مسؤولية طفلي في هذه الحالة؟ وما هي مسؤوليتي؟" فعلى سبيل المثال، إذا كان طفلها لا يؤدي واجبه، فواجبها أن تلزمه بتحمل المسؤولية وتعليمه كيف تسير الأمور في العالم الحقيقي حيث لا يحصل من لا يقوم بعمله بشكل كامل على أي أجر. على الأُم أن تبيّن لطفلها عواقب خياراته غير الصحيحة، ولكن عليها ألا تخلط بين السبب الذي دفعها إلى تبيان العواقب وبين اعتقادها بأنها قادة على جعله يهتم بأمر ما لأنّها هي نفسها تهتم به. لأنّها لا تستطيع أن تحفز الطفل ليهتم بالأمور التي تهتم هي بها. المطلوب منها أن تلهم طفلها وأن تؤثر فيه.

 

مسؤولية:

في الغالب، تشعر الأُم بأنها مسؤولة عن تصرفات طفلها وكلّ ما ينتج عنها فتحاول أن تعالج النتائج بنفسها. وهذا شعور خاطئ تماماً. ففي نهاية الأمر، الطفل هو المسؤول عن خياراته. ولكن، وبسبب اعتقاد الأُم أنّ نجاحات طفلها تعتمد عليها، فهي تبالغ في تدخلها في شؤونه. ولأنّها تعلمت أنّ من واجبها كأم السيطرة على تصرفات طفلها وخياراته بطريقة أو بأخرى، فإنّها تعمل على الحلول مكانه ولا تمنحه الفرصة ولو للحظة واحدة ليفكر بتصرفاته أو ليعيد النظر بها. إنّ اعتقاد الأُم بأنّ عليها تحفيز طفلها ليرغب في القيام بأشياء تعتبرها من ضروريات الحياة، قد يؤدي إلى أداء الطفل ما يطلب منه لإرضاء الأُم وليس بدافع منه. قد يذعن الطفل للأُم بهدف التخفيف من سيطرتها أو حتى لإسعادها، ولكن هذا لا يساعد على التحفيز. تلخيصاً لما سبق، المطلوب من الأُم أن تلهم طفلها وتؤثر فيه. فالهدف هو تحفيز الطفل، ويكمن الفرق بين السيطرة والتحفيز في الطريقة التي تعتمدها الأُم للوصول إلى هذا الهدف.

من المعلوم أنّ الحوافز لدى بعض الأطفال أقل من الحوافز لدى البعض الآخر. فهناك أطفالاً يتمتعون بذكاء عال ولكنهم لا يحصلون على علامات جيدة نظراً لعدم وجود أي حافز لديهم للتعلم. ويظهر ذلك في سلوكهم داخل الصف أو في اتجاهاتهم نحو الدراسة بشكل عام، من مثل، التحديق في الفضاء وعدم إعارة أي اهتمام لما تقوله المعلمة على الرغم من كلّ الجهد الذي تبذله. قد ينسى طفل في عمر يزيد على الخمس سنوات أداء واجباته المدرسية أو ربما يتركها في البيت على الرغم من إنجازها. ومن المحتمل أن يكون لدى طفل في سن ما قبل المراهقة اهتماماً بأشياء كثيرة، ولكن لا تكون لديه هوايات أو شغف حقيقي بأي شيء. وقد يستسلم طفل في سن المراهقة بسهولة إلى الفشل، أو قد لا يحب أن يحاول مرة أخرى أبداً. وعلى الرغم من كلّ محاولات الأُم لتحفيزه، يبقى على حاله أو يبدأ في التراجع.

إنّ أي طفل تنطبق عليه هذه الصفات، من المؤكد انّه سيشكل مصدراً لقلق الأُم وإحباطها وربما شعورها باليأس. في هذه الحالة، تكمن المشكلة في ردة فعل الأُم حيال افتقار طفلها للحافز، لا الحافز في حد ذاته. إذ أنها ستعمل على تحفيزه من منطلق قلقها، وتنسى أن ليس في الإمكان جعله يهتم.

 

أسئلة مهمة:

على الأُم أن تطرح على نفسها الأسئلة التالية:

·      هل يدفعها قلقها بشأن افتقار طفلها لأي حافز إلى التذمر منه، أو إلى ارتباكها فتنسى كيف تتعامل معه، أو إلى الضغط عليه، أو إلى استرضائه، أو إلى المبالغة في ردة فعلها حياله؟

·      هل تلجأ إلى الصياح أو الصراخ، أو التوسل، أو العقاب، أو الاستسلام، عندما تشعر بالإحباط؟

·      هل يدفعها شعورها بالعجز إلى البدء في الدخول في منازعات مع الزوج، لأنّه يبدو لها انّه لا يمد لها يد المساعدة اللازمة لتحفيز الطفل؟

·      هل يدفعها خوفها من ضعف إنجازات طفلها إلى الاستمرار في محاولات تغييره وتحفيزه ليصبح أكثر حماسة؟

 

مقاومة ورفض:

إذا أدركت الأُم أنّها تقوم فعلاً بأي من هذه التصرفات، فمن المؤكد أن طفلها سيقاوم محاولاتها لتحفيزه، أو سيرضخ لها ليتخلص من الضغط عليه، أو سيتمرد عليها وعلى محاولاتها، أو سيرفض كلّ محاولاتها بإصرار. على الأُم أن تدرك أنّه سواء قاومها طفلها أو أذعن لمحاولاتها، فإنّها لن تستطيع تحفيزه بالقدر الذي ترغب. قد تستطيع في نهاية المطاف أن تجعله يفعل ما تريده أن يفعل، إلا أنها لن تستطيع أن تحقق هدفها في إيصاله إلى درجة أن يصبح لديه دافعاً أو حافزاً ذاتياً على الرغم من جميع محاولاتها.

 

أفكار ووسائل:

إليك بعض الأفكار التي يمكن أن تساعدك في إلهام طفلك وإثارة اهتمامه ليكتسب حوافز ذاتية.

1-  عدم استخدام القلق وسيلة لإثارة حماسة الطفل: إنّ لجوء الأُم إلى الضغط على الطفل لإثارة حماسته، يدفعه إلى مقاومتها فقط، أو إلى الإذعان لها حتى تهدأ لأنّ أقصى ما يطمح إليه هو أن تتركه في حاله. إنّ الضغط لن يحفز الطفل بل يعلمه أما استرضاء الأُم لتهدأ، أو مقاومتها. ومن ثمّ تصبح تصرفات الطفل ردات فعل لتصرفات الأُم بدلاً من التركيز على ذاته وإيجاد بعض الدوافع الداخلية. أنّ قلق الأُم ومحاولاتها لجعل الطفل يهتم لا يؤديان إلى الصراع على السلطة بينها وبين طفلها.

2-  أن تكون الأُم مُلهمة: الطريقة الوحيدة لتحفيز الطفل هي توقف الأُم عن محاولات تحفيزه. بدلاً من ذلك، عليها أن تسعى إلى إلهامه. كيف؟ بأن تكون مُلهمة. أن تسأل نفسها أن كانت تصرفاتها تؤدي إلى إلهام طفلها أو إلى فرض سيطرتها عليه. عليها أن تدرك أنّ طفلها سيعمد إلى معاندتها ومقاومتها إلى هي حاولت فرض سيطرتها عليه. عليها أن تفكر بالشخص الذي كان ملهماً لها في حياتها، مثل معلمتها أو أحد العلماء أو أحد الفنانين، وأن تحدث طفلها عن سبب تأثرها به. يجب ألا يغيب عن بال الأُم أنّ النتيجة الوحيدة التي ستحققها من وراء محاولاتها تحفيز طفلها عن طريق الضغط، هي تحفيزه على مقاومتها.

3-  إفساح المجال أمام الطفل ليتخذ قراراته بنفسه وليتحمل عواقبها: على الأُم أن تفسح في المجال أمام طفلها لاتخاذ قراراته بنفسه. فإذا اتخذ قراراً خاطئاً، عليها تحميله المسؤولية من خلال تركه يواجه العواقب الطبيعية التي تنجم عنه. فإذا كان عقاب عدم أداء واجبه المدرسي هو حرمانه من الكمبيوتر، عليها بالمقابل أن تحدد مدة الحرمان. فإذا أنهى واجبه، عليها أن تسمح له استخدام الكمبيوتر حسب المدة المتفق عليها. أنّ مثل هذا التصرف يعتبر حافزاً جيداً للطفل دون إلزامه بما يجب فعله، ولا كيف يفعله، ولا بإلقاء محاضرة على مسامعه حول ضرورة اهتمامه بالأشياء المطلوبة منه. يجب ألا يغيب عن بال الأُم أبداً بأنّ قلقها والحاجة إلى جعل طفلها يهتم لن يؤديا إلا إلى منازعات بينها وبين طفلها حول السلطة.

4-  طرح الأُم الأسئلة التالية على نفسها: ما الأمر الذي يحفّز طفلي؟ ماذا يريد فعلياً؟ ما الأسئلة التي يمكن طرحها عليه والتي تساعده على البحث والاكتشاف؟ ما هي أهدافه واهتماماته؟ ومن المهم ألا يغيب عن بال الأُم أثناء محاولاتها إيجاد أجوبة على أسئلتها هذه أنّ طفلها شخص مستقل. وللوصول إلى إجابات دقيقة على الأسئلة المذكورة أعلاه، على الأُم أن تتحدث مع طفلها وتصغي إلى ما يقوله، لا أن تدفعه إلى قول ما ترغب في سماعه. عليها أن تحترم ردوده حتى لو كانت لا توافق عليها.

5-  اختيار الأسلوب الصحيح في تحفيز الطفل: على الأُم أن تختار بين أن تقوم هي بذاتها في تحفيز طفلها وبين أن تترك له حرية تحفيز نفسه بنفسه للقيام بالمهام الواجبة عليه: من مثل، النهوض من السرير في الوقت المحدد، الذهاب إلى المدرسة، أداء واجبه المدرسي، والسعي لأن يكون ناجحاً. كما أنّ عليها أن تؤثر في طفلها ليقوم بالأعمال التي تثير اهتمامه، بحيث تولد لديه الرغبة والحافز للقيام ليس فقط بالشيء الصحيح ولكن القيام بالشيء الصحيح برغبة. إذا إنّ اتباع أسلوب الاستفسار والبحث والاكتشاف يساعد الطفل على تنمية دوافعه الذاتية، وفي الوقت نفسه يقلل من نقاط الخلاف بين الأُم وطفلها.

6-  عدم شخصنة المسألة: يجب ألا يغيب عن بال الأُم انّ افتقار طفلها إلى الدافع ليس خطأها، لذا عليها ألا تشخصن الموضوع. لأنّها بذلك تدفعه إلى المقاومة، فتسهم عن غير قصد في إضعاف قدرته على تحفيز نفسه فعلياً. عليها النظر إلى الموضوع بهذه الطريقة. إذا وقفت ووجها قريب جدّاً من المرآة فإنها لن ترى صورتها بوضوح. ولكن عندما تبتعد قليلاً عن المرآة، ترى نفسها بوضوح أكثر. عليها أن تنظر إلى طفلها بالطريقة نفسها. غالباً ما تكون الأُم قريبة جدّاً من طفلها ومنغمسة كلياً في أموره إلى حد يحول دون إدراكها بأنّه شخص مستقل. ولكن إذا ما ابتعدت عنه قليلاً بحيث تتمكن من رؤيته شخصاً مستقلاً والبحث عما يجعله إنساناً فريداً، عندها فقط يصبح في مقدورها مساعدته على أن يفهم نفسه. فإذا ما تركت مسافة بينها وبين طفلها، ستعرف ما يلائمه، ومدى اهتمامه بأشياء معينة والسبب وراء ذلك. أما إذا كره طفلها أداء واجبه وحاول التخلص منه، عندها يجب على الأُم تذكيره بالعواقب.

خلاصة القول، صحيح إنّ هدف الأُم خلق الدافع لدى طفلها لقيام بعمل مفروض عليه ولا يرغب في أدائه، ولكن عليها أن تعرف طفلها جيداً إلى حد يمكنها من معرفة رغباته. أنّ دورها كأم يحتم عليها تعزيز مهاراته ليتمكن من معرفة ما المهم من غير المهم بالنسبة إليه، وما يجب عليه أن يفعل لتحقيق الأمور التي تهمه. واجب الأُم أن تساعده في هذه الأمور، لا أن تقوم بها بدلاً عنه.

 

ارسال التعليق

Top