• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تربية الطفل بالتصحيح الذاتي

تربية الطفل بالتصحيح الذاتي
  ليس العيب في أن يخطئ الطفل في تصرفاته فهذا أمر طبيعي، ولكن المهم أن يتعلم من أخطائه ويستفيد من تجاربه، ولقد بدأ علماء النفس حديثاً في ميدان تربية الطفل يؤكدون على أسلوب مؤثر من أساليب علاج الأخطاء ألا وهو التصحيح الذاتي للأخطاء؛ حيث يطلب الآباء أو المعلمون ممن يخطئ أن يقوم بنفسه بتعديل أو تقويم الإعوجاج الذي حصل منه، ويطلق على هذا المفهوم في ميدان علم النفس (Over Correction) أي تصويب الخطأ. والتصويب الذاتي للخطأ يمكن فهمه من خلال الأمثلة التالية:

المعلمة تطالب الطفل بإعادة كتابة الكلمة التي لم يكتبها بالشكل الصحيح مع شيء من المساعدة والتوضيح، يطلب المعلم من التلميذ أن يعتذر لصديقه ويستقبله بعبارات مهذبة في حال تلفظه بعبارات نابية، وكذلك تطلب الأُم من ولدها أو ابنتها تنظيف الطاولة إذا قام أحد ما بتوسيخها مع التأكيد على أن يفهم الطفل أنّ الغرض الحقيقي من التصويب الذاتي هو التربية والتعليم لا الانتقام والعقاب.

وهكذا يكون العقاب من جنس العمل، وهذه قاعدة هامة أشار إليها العلماء ويحتاج المربي إلى تطبيقها في ميدان التربية بحكمة شديدة، والدراسات النفسية تؤكد على أنّ هذه الطريقة من أفضل طرق العقاب لأنّها لا تقلل من السلوك السلبي فحسب بل أيضاً تساهم في تعزيز السلوك الإيجابي، فمن خلال تصويب الخطأ كأسلوب تربوي في العقاب يتعلم الطفل المحافظة على النظافة عملياً، وفي نفس اللحظة يصحح سلوكه السلبي أي أنّ هذه الوسيلة تعزز السلوك الإيجابي وتعالج التصرف السلبي في آن واحد. ولقد استخدم التصويب الذاتي للخطأ في مستشفى من المستشفيات الخاصة بالتخلف العقلي لأنّ بعض المرضى كانوا يسرقون من بعضهم البعض المشروبات ووجبات الطعام الخفيفة أثناء الشراء من بقالة المستشفى، فأصدر المدير قراراً يقضي بأنّ كلّ من يشاهد متلبساً بسرقة المواد الغذائية فعليه أن يرد المواد المسروقة، ولكي يصوِّب السارق خطأه فعليه أن يعتذر ثمّ يشتري من ماله بعض الطعام ويعطيه لمن سرق منه، وبهذا العقاب الذي كان من جنس العمل قل عدد السارقين خلال أيّام قليلة.

أيها الوالد الكريم، أيتها الأُمّ الحنون.. لاشكّ أنّ النصائح العامة والمواعظ الهامة التي نوجهها لأبنائنا كثيراً ما تتبعثر مع رياح النسيان، في حين أنّ التجارب الذاتية والخبرات الحية عادة تظل أكثر رسوخاً وأعمق تأثيراً في نفس وذهن الإنسان، ومن هنا فإنّ أسلوب التصويب الذاتي للأخطاء في ميدان التربية له تأثير عظيم في تنمية وتهذيب سلوك الطفل لأنّه يقوم على أساس الممارسة والعمل على تغيير التصرفات السلبية وتنمية الاتجاهات الإيجابية، ومن جوانب العظمة التربوية في سيرة نبينا محمّد (ص) أنّه قد استخدم أسلوب تصحيح الخطأ مع صحابته الكرام؛ روى النسائي وأبو داود والترمذي وأحمد عن كلدة بن الحنبل أن صفوان بن أمية بعثه في الفتح (فتح مكة) إلى النبيّ (ص) بلبن وجداية وضغابيس والنبيّ (ص) بالوادي، قال: فدخلت عليه ولم أسلم ولم أستأذن، فقال النبيّ (ص): "ارجع فقل السلام عليكم أأدخل" وذلك بعدما أسلم صفوان.

أيها الوالد الكريم، أيتها الأُم الحنون.. إنّ العقاب البدني وفق ضوابط تربوية، والتأنيب اللفظي والحبس لمدة زمنية محددة في غرفة آمنة، وحرمان الطفل من أشياء معينة كلّها وسائل للعقاب ولكن لها في بعض الأحيان سلبيات كبيرة، في حين أنّ تصويب الخطأ كلون من ألوان العقاب من أكثر الوسائل التربوية تأثيراً كما تؤكد الدراسات الميدانية في علم النفس، كما أنّ التصويب الذاتي يمكن تطبيقه مع الطفل العدواني، حيث يمكن أن يطلب من المعتدي أن يعتذر من المعتدى عليه وأن يقوم بتعويض ما أتلفه، وإذا كان العدوان لفظياً فالمطلوب أن يكون الاعتذار فيه رد اعتبار، وكثير من أعمال الشغب والفوضى والسلوكيات غير المرغوب فيها في المنزل والمدرسة يمكن مواجهتها بالتصويب الذاتي، وهذا الأمر لا يعني أبداً أنّ تصويب الأخطاء كأسلوب تربوي يصلح لكلّ موقف، فعلى المربي دائماً أن يقدر العقوبة بقدرها ويبحث عن الوسيلة التربوية الرادعة والنافعة حسب شخصية الطفل الذي يتعامل معه، وظروفه النفسية والاجتماعية، وطبيعة المشكلة وتظل بعض الحالات التي يتعذر فيها استخدام طريقة التصحيح الذاتي، كأن يكون الطفل صغيراً ولا يستطيع إزالة قطع الزجاج المتهشم، وإذا طلبنا منه تنظيف ما كسره فإنّه قد يصاب بالضرر لقلة خبرته. لذلك نؤكد أنّ طريقة التصحيح الذاتي للأخطاء يجب أن تكون واقعية بمعنى أن تكون متلائمة مع قدرات الابن الفكرية (أن يفهمها بوضوح) والجسدية (هل يستطيع الولد تنفيذ أو تحمل العقاب الذي اخترته) فمثلاً: طفل في الثالثة من عمره أخذ يرسم على الحائط بواسطة أقلام الحبر الملونة، تأتي الأُم وهي غاضبة جدّاً منه وتوبخه وتفرض عليه كعقاب (تصحيح ذاتي) أن ينظف الحائط، ويحاول الطفل فعلياً تنظيف الحائط، ولكن كلنا نعلم كم هو  من الصعب تنظيف آثار الحبر الملون من على الحائط، فلا يستطيع تصحيح خطئه ويتعب ويحس بالقهر ويبكي، إنّ مثل هذا العقاب غير متلائم مع قدرات ابن الثالثة، ومن الأفضل – في مثل هذه الحالة – أن تقول الأُم للطفل "تعال، سوف أساعدك على تنظيف الحائط" وأن تحرمه من أقلام الحبر لبقية النهار، فما يهمنا هو تعليم القيم للأولاد وليس قهرهم من خلال العقاب، وهذا ما يجب أن يدركه الولد: إنّ العقاب ليس للقهر بل لتعلم طرق أفضل للتصرف.

 

المبادئ العامة لتطبيق التصويب الذاتي:

1-  الهدف من التصويب الذاتي هو تقليل أو إزالة السلوك غير المقبول من خلال إصلاح ما تم إفساده، كما يهدف التصويب الذاتي إلى تمرين الابن أو الطالب على الفعل الصحيح.

2-  من الأفضل أن يقتنع الشخص المعاقب أنّ السلوك الذي صدر منه غير مرغوب، وعليه أن يتراجع عنه ويصححه بعمل إجرائي.

3-  التصويب الذاتي يكون من جنس العمل، فإذا بعثر الطفل أثاث المنزل فعليه أن يعيد ترتيبه وهكذا.

4-  يجب أن يكون التصويب محدداً زماناً ومكاناً، كأن نطلب من الابنة أن تشتري لأختها كراسة بدل التي أتلفتها لها، وذلك بأن تدفع ثمنها من مصروفها، وتسلمها الكراسة بعد أسبوع على الغداء أمام أفراد الأسرة.

5-  يجب أن يكون التصويب مناسباً لعمر الطفل وشخصيته والموقف الذي وقع فيه، فلكلّ مقام مقال، فلا نطلب مثلاً من الطفل ذي الأربع سنوات أن يجمع من مصروفه ثمن الكمبيوتر الذي أفسده.

6-  لا نستخدم التصويب في كلّ الحالات بل هي مبنية على تقدير واجتهاد المربي فهناك أخطاء لا تستدعي الوقوف عندها لأنّها عفوية غير مقصودة، وهناك حالات قد لا ينفع هذا الأسلوب في علاجه وقد ينفع أسلوب آخر.

7-  يجب أن يكون التصويب الذاتي فورياً أي بعد حدوث السلوك غير المرغوب فيه مباشرة.

8-  يجب أن يعلم المخطئ بأنّ الفعل الخاطئ الذي صدر منه غير مرغوب فيه، وأنّ المربي يكره فعله الخاطئ لا الفاعل نفسه، أي أنّه كشخص يحبه الجميع.

9-  إذا قام المخطئ بتصويب خطئه فإنّه يستحق كلمة ثناء أو تعزيز وثواب.

 

الكاتب: عبدالله محمّد عبدالمعطى

   المصدر: كتاب كيف نعالج أخطاء أبنائنا؟

ارسال التعليق

Top