• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

تعليم صحي

باسمة يونس

تعليم صحي

◄على الرغم من اتفاق الجميع على أنّ العائلة هي صاحبة الدور الأكبر والأهم في تربية وتأهيل الصغار والشباب ليصبحوا رجالاً ونساء أكفاء لمواجهة الحياة والتعامل مع قضاياهم المجتمعية، أصبح اليوم وفي خضم متغيرات العصر، لأدوار كل من المؤسسات التعليمية وكذلك وسائل الإعلام بأنواعها أهمية تصاحب دور العائلة وتوازيه، وهما لديهما القدرة على النفاذ بحرية أكثر وأساليب أوسع انتشاراً في رأس كل شخص والتواصل معه بشبكية واسعة وارتباط قوي.

    ومع أنّ الواقع يشير إلى أن هاتين الوسيلتين لا تخدمان الشباب كما يجب في فترة تشكيل سنوات المراهقة، إضافة إلى عمر ما قبل الزواج، ولا تساعد على تأهيلهم لدخول هذه المرحلة، كما أنّها لا تفيدهم في التدريب أوّلاً على معنى الزواج من ناحية التأقلم مع حياة جديدة وفي الوقت نفسه عدم التفريط في الحياة التي عاشوها وكبروا عليها، لكن هذا لا يعني تملصهما من المسؤولية الحقيقية في هذا المجال.

    وفي ظل هذا الانفتاح الكبير والتوصل غير المقنن مع الخارج، بات على المؤسسات التعليمية إضافة إلى وسائل الإعلام تسليح الشباب بالأدوات اللازمة للنفاذ عبر أصعب مراحل الحياة والتي تحتاج إلى معرفة أكثر من حاجتها للحب والمودة. والتسليح هنا يعني تزويدهم بجرعات كافية من المعارف والعلوم الأساسية المتواصلة مع الحياة والخبرات الاجتماعية المرتبطة مع بيئة وتقاليد المكان كي تدعمهم للبدء في الحياة بأسلوب صحي وطرق متوازنة ومقبولة.

    فما الفائدة من التعليم إن كان مجرداً من مهارات الحياة الواقعية التي تعني التواصل الاجتماعي والعائلي أوّلاً وأخيراً؟ وما الفائدة منه إن كان لا يؤهل الشاب لخوض الحياة المجتمعية، ولا يدربه على أكثر من معارف عامة وثقافات متنوعة يستخدمها خارج إطار منزله، لكنها لا تكفيه ولا تغنيه عن الواقع الإنساني بل ولا تؤهله كي يمارس دوره الزوجي ومن ثمّ الأبوي أو دورها الزوجي ومن ثمّ الأمومي؟

    وما النتائج المأمولة من الارتقاء بمضامين مناهج تعليمية عربية وغربية، تهيئ التربة الخصبة لإنبات مساحات هائلة من حملة الشهادات العليا والمتفوقين دراسياً، وتدريب الطاقات الفكرية الكامنة في الشباب وإبراز المواهب والإبداعات فيهم واستكشاف المناطق المثمرة في كل شخص، بينما لا تنجح هذه المناهج نفسها في تدريب الشباب اجتماعياً على كيفية قيادة أسرهم أو إدارة أبنائهم في المستقبل، فيختل التوازن المجتمعي، وترتفع مؤشرات المتعلمين وحملة الشهادات بينما تهبط مؤشرات المتزوجين من أصحاب الأسر الناجحة والقيادات المثمرة في الداخل مقابل ارتفاع آخر في نسب الانحراف أو التخبط الزوجي؟

    إنّ الزمان الجديد بحاجة إلى مقارنة عادلة ومنصفة بين ما كان من ارتباط الشاب الوثيق في الماضي ببيت العائلة الكبير، والذي يضم كل الأجيال وتدرج الخبرات في أسرته، بحيث يتخرج من مدرسة الحياة مؤهلاً لممارسة واقعية، عملية واجتماعية متوازنة، وبين ما يفتقد إليه اليوم من انفصال واغتراب غير متعمد وما يتسبب بالتالي في قلة معرفته وإدراكه وتزايد الانهيارات الزوجية الكبرى والتي كل السبب فيها يبدأ من مستصغر شرر يمكن إخماده قبل اندلاع حرائقه.►

ارسال التعليق

Top