• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حضور القلب في الصلاة

الشيخ أكرم بركات

حضور القلب في الصلاة
أخي المؤمن.. حتى تكون الصلاة تعبيراً حقيقياً عن ذكر الله تعالى ينبغي أن يصاحبها حضور القلب فيها، فالإمام الصادق (ع) يقول فيما ورد عنه: "إذا أحرمت في الصلاة فأقبل عليها، فإنك إذا أقبلت أقبل الله عليك، وإذا أعرضت أعرض الله عنك، فربما لم يرفع من الصلاة إلا الثلث أو الربع أو السدس، على قدر إقبال المصلي على صلاته".   - كيف تحضر قلبك في الصلاة: حينما تتحدّث مع إنسان تحبُّه، ألا تكون ملتفتاً إلى كل كلمة تقولها له، يعني ذلك أنّ قلبك حاضر في مخاطبتك إياه. لذا فإنّ الأساس في حضور قلبك هو شعورك بأنك تخاطب الله الحاضر السميع المجيب، ولإحراز هذا الحضور هناك نصائح وهي:   - أوّلاً: فهِّم نفسك أهمية الصلاة: من قبيل: أ- أنّها "رأس الإسلام بعد الإقرار بالدين" كما ورد عن الرسول الأكرم (ص). ب- وأنّ ثوابها للمصلّي يتجلّى بالتالي: 1- إذا قام في صلاته يتناثر عليه البر من أعنان السماء إلى مفرق رأسه. 2- وتحفُّ به الملائكة من تحت قدميه إلى أعنان السماء. 3- وملك ينادي أيُّها المصلي لو تعلم من تناجي ما انفتلت.  

 - ثانياً: فرِّغ قلبك من غير الله تعالى:

إنّ المانع من حضور القلب كثيراً ما يكون بتشتت الخيال وكثرة الوارد على القلب فيشعر كأن طائر الخيال يطير من غصن إلى غصن. والسيطرة على طائر الخيال تكون من خلال تربية روحية خاصة يشعر الإنسان من خلالها بالحضور الإلهي الطارد لغيره. إلا أنّ هناك بعض الأمور الآنيّة يمكن أن تساعد على ضبط طائر الخيال وهي: 1- أن يبادر بحلّ مشاغله الآنية، فإذا كان ينتابه ألم في الرأس أو المعدة، فعليه قبل وقت الصلاة أن يحاول معالجة ذلك حتى لا يصرفه الألم عن التوجه إلى الله تعالى. ورد عن أبي الدرداء: من فقه الرجل أن يبدأ بحاجته قبل دخوله في الصلاة، ليدخل وقلبه فارغ. 2- أن يعقد النيّة على حفظ خياله. 3- أن يركِّز نظره على ما ندب إليه الشارع ويبعده عن ما كرهه، كأن ينظر أثناء وقوفه إلى محل السجود، ويبتعد عن الملهيات كالصورة أمامه، وكذا الباب المفتوح ونحوهما. 4- أن يتأمل في معاني ما يقول. 5- أن يلتفت قبل ذلك إلى أمور اعتبرها الإمام زين العابدين (ع) أسباباً لعدم حضور القلب، وذلك في دعاء السحر المعروف بدعاء أبي حمزة الثمالي الذي فيه بيان الحالة ثمّ أسبابها، ففيه: اللّهمّ إني كلما قلت قد تهيأت وتعبأت وقمت للصلاة بين يديك وناجيتك، ألقيت علي نعاساً إذا أنا صليت، وسلبتني مناجاتك إذا أنا ناجيت! ومالي كلما قلت قد صلحت سريرتي، وقرب من مجالس التوابين مجلسي، عرضت لي بلية أزالت قدمي، وحالت بيني وبين خدمتك! 1- سيدي، لعلّك عن بابك طردتني، وعن خدمتك نحيتني! 2- أو لعلّك رأيتني مستخفاً بحقك فأقصيتني! 3- أو لعلَّك رأيتني معرضاً عنك فقليتني! 4- أو لعلّك وجدتني في مقام الكاذبين فرفضتني! 5- أو لعلّك رأيتني غير شاكل لنعمائك فحرمتني! 6- أو لعلّك فقدتني من مجالس العلماء فخذلتني! 7- أو لعلَّك رأيتني في الغافلين فمن رحمتك آيستني! 8- أو لعلَّك رأيتني آلف مجالس البطالين فبيني وبينهم خليتني! 9- أو لعلّك لم تحبّ أن تسمع دعائي فباعدتني! 10- أو لعلّك بجرمي وجريرتي كافيتني! 11- أو لعلّك بقلة حيائي منك جازيتني!. لذلك ينبغي للمصلي إحضار قلبه في تمام الصلاة أقوالها وأفعالها، فإنّه لا يحسب للعبد من صلاته إلا من أقبل عليه، ومعناه الالتفات التام إليها وإلى ما يقول فيها، والتوجه الكامل نحو حضرة المعبود جلّ جلاله، واستشعار عظمته وجلال هيبته، وتفريغ قلبه عما عداه، فيرى نفسه متمثلاً بين يدي ملك الملوك عظيم العظماء مخاطباً له مناجياً إياه، فإذا استشعر ذلك وقع في قلبه هيبة فيهابه، ثمّ يرى نفسه مقصِّراً في أداء حقه فيخافه، ثمّ يلاحظ سعة رحمته فيرجو ثوابه، فيحصل له حالة بين الخوف والرجاء، وهذه صفة الكاملين.   - الذكر بمبايعة الولي بقلب صادق: بما أنّ الله تعالى حَصَر اطمئنان القلب بذكر الله تعالى بمقتضى تقديم الجار والمجرور (بذكر الله) على الفعل (تطمئن)، فإن حديث القرآن عن أي عمل يولِّد سكينة القلب هو حديث عن ذكر الله تعالى. على هذا الأساس نقرأ قوله تعالى: (لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ) (الفتح/ 18). فالآية تفيد أن سكينة وطمأنينة قلوب هؤلاء المؤمنين كانت بفعل مبايعتهم لرسول الله بقلوب صادقة. ولا يخفى أن مبايعة الولي وأتباعه تضفي طمأنينة القلب بدءاً من كونه يحدِّد تكليف المؤمنين بشكل واضح، فلا يقلق المؤمنون في مسارهم طالما هم يمتثلون التكليف. وهذه السكينة هي نفسها الطمأنينة التي يمنحها الله تعالى للقائد والمجاهدين في ساحة القتال أو أيّة مواجهة حينما يكونون سائرين في طريق امتثال التكليف الإلهي. قال تعالى: (ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) (التوبة/ 26). وقال تعالى: (فَأَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى) (الفتح/ 26).

اللّهمّ اجعلنا دائماً من الذاكرين المطمئنين ليكون نداؤك لنا عند الرحيل (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنَّتِي) (الفجر/ 27-30).

المصدر: كتاب (هكذا تكون سعيدا)ً

ارسال التعليق

Top