• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حفظ إنسانية الناس

عمار كاظم

حفظ إنسانية الناس

يؤكد الإسلام على ضرورة أن نخطط لحياتنا ابتداء من إعادة صياغة أنفسنا إلى حسن إدارة العلاقة مع الناس ومع الأهل، حتى يعرف الإنسان كيف تكون حركته في الحياة لأنه مسؤول عنها، سواء كانت تتصل بنفسه أو أهله أو بالناس من حوله، لأن الإنسان المسلم ليس حراً في أن يتبع هواه بل لا بدّ أن يتبع ربه من خلال عبوديته لربه.

في حديث للإمام الصادق (عليه السلام) يقول: «خذ لنفسك من نفسك، خذ منها في الصحة قبل السقم وفي القوة قبل الضعف وفي الحياة قبل الممات»، لأن الفرصة ربما تذهب منك، ما دمت صحيحاً اعمل واغتنم فرصة الصحة لأنك اذا مرضت فانك لن تستطيع ان تقوم بعمل الأصحاء، وما دمت قوياً فاستفد من قوتك وما دمت حياً فاستفد من حياتك.

أما على مستوى العشرة مع الناس، فيقول الله تعالى: (وقولوا للناس حسناً)، اذا اردت أن تتكلم مع الناس ليكن كلامك طيباً يحفظ كرامات الناس ويحترم مشاعرهم وأحاسيسهم، وقد فُسرت هذه الآية بأن عليكم أن تقولوا للناس ما تحبون أن يقوله الناس لكم، فكيف تحب أن يخاطبك الناس ويتكلمون معك؟ هل تحب أن يسبوك ويتهموك ويؤذوك أو يعملوا ايّ عمل يمكن أن يسقط؟ فاذا كنت تكره لنفسك ذلك فاكره لغيرك. ويقول تعالى: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً وبذي القربي واليتامى والمساكين والجار ذي القربي والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم ان الله لا يحبّ من كان مختالاً فخوراً)، أحسن إلى كلّ هؤلاء في قولك وفعلك ولا تتكبر عليهم فتنظر إليهم من فوق نظرة تخويف وإرهاب وعنف، فالله لا يحب من يعيش الخيلاء من خلال انتفاخ شخصيته.

وفي كلام للإمام عليّ (عليه السلام) يقول: «خالطوا الناس مخالطة ان متم معها بكوا عليكم وان عشتم حنّوا إليكم»، يعني خالطوا الناس مخالطة تدخلكم في قلوبهم بحيث يعيشون الحب لكم والعاطفة معكم، ومن الطبيعي ان كلّ واحد منّا إذا كان يحب شخصاً ومات فانه يبكي عليه، أما إذا كان غائباً عنه فإنّه يحنّ إليه. وتلك الكلمة هي ما أوصى بها الإمام عليّ (عليه السلام) لبنيه في حال احتضاره، ففي الرواية انّه لما احتضر أمير المؤمنين (عليه السلام) جمع بنيه ووصاهم وكان في آخر وصيته: «يا بنيّ، عاشروا الناس عشرة ان غبتم حنوا إليكم وان فقدتم بكوا عليكم»، هذا الخط الذي يريد منّا أن ننفتح بانسانيتنا التي تمتلئ بالحب والعاطفة، أن ننطلق من إنسانيتنا لحفظ إنسانية الناس لأنّك تعيش إنسانيتك وتحبّ للناس أن يحترموها ويحفظوها، والناس يعيشون إنسانيتهم ويحبّون أن يحفظها الآخرون ويحترموها،

وهذا هو الذي يصنع لأيّ مجتمع الاستقرار والطمأنينة لأن المجتمع القائم على المحبة والإنسانية والاحترام المتبادل هو مجتمع ينفتح على كلّ خير لأن الناس معه لا يفكرون إلا بالخير لبعضهم البعض. بين الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم. وفي كلام للإمام الباقر (عليه السلام) يقول: «صلاح شأن الناس التعايش والتعاشر ملء مكيال، ثلثاه فطن وثلث تغافل»، يعني عندما تعيش مع الناس وتعاشرهم فعليك أن تكون واعياً وحذراً وفطناً حتى لا يأخذك الناس على حين غرّة من دون أن تنتبه لذلك، لأن لكل واحد هدف وغرض وفهم معين للأشياء، فعليك أن تكون دقيقاً في ملاحظاتك، كما ان عليك أن تسامح وتنسى بعض الأعمال والكلمات السيئة التي يواجهك الناس بها لأن الإنسان لا يستطيع أن يحاسب الآخرين مئة في المئة، لأن الناس ليسوا معصومين.

وكان أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: «ليجتمع في قلبك الافتقار إلى الناس والاستغناء عنهم، لأن الانسان ليس بحاجة إلى الناس مئة في المئة ولا يستطيع أيضاً أن يستغني عن الناس مئة في المئة، فحاول أن تجمع حالة الإحساس بالافتقار إلى الناس لتكون معاشرتك لهم معاشرة حسنة، وحالة الاستغناء عنهم لتحتفظ بعزتك وكرامتك، يكون افتقارك إليهم في لين كلامك وحُسن بِشرك ويكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك وبقاء عزّك»...

إنّ هذه الكلمات تحاول أن تقول للإنسان ان عليك عندما تعيش في المجتمع أن تتحسس المجتمع في كلّ إنسانيته وأحاسيسه، كن الإنسان الذي ينفتح على المجتمع بإنسانيته وطيبته وأخلاقه وإحسانه حتى نستطيع إذا تحلّى كلّ إنسان بهذه الأخلاق أن نحصل على مجتمع متكامل.

«فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»...

أما على مستوى العشرة مع الأهل، فان الله تعالى يقول: «وعاشروهن بالمعروف فإن كرهتموهن فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً». عاشر أهلك بكل الكلمات الطيبة والسلوك الطيب لأن ذلك هو مسؤوليتك في بيتك، وقد حدد الله تعالى للعلاقة الزوجية خطين: «فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، ليكن المعروف هو الخط الذي يحكم هذه العلاقة بينك وبين زوجتك بأن يكون سلوكك معها سلوك المعروف الذي تحفظ من خلاله إنسانيتها، أما اذا لم تشأ ان تعيش مع زوجتك فلا تضطهدها وتحاول أن تقهرها من أجل أن تتنازل عن حقها لك، ولا تحاول أن تنفّس عقدتك فتجعلها كالمعلقة – لا متزوجة ولا مطلقة – لأن الله لا يريد للإنسان أن يعيش مع إنسان آخر ليفرض عليه مزاجه وانانيته ووحشيته وليتركه معلقاً بين السماء والأرض.

 

ارسال التعليق

Top