• ٢٥ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

خصائص الأطفال المتفوقين عقلياً

خصائص الأطفال المتفوقين عقلياً
   ظهر الاهتمام بالتفوق العقلي عند الأطفال في صورة حالات فردية يطلق على كلّ منها الطفل المعجزة. ومن هؤلاء الطفل الألماني كريستيان هنريك هنيكان الذي استطاع أن يقرأ اللغات الألمانية والفرنسية واللاتينية وعمره 4 سنوات، كما استطاع في هذا العمر أن يتقن العمليات الحسابية الأساسية، ويعرف كثيراً من حقائق التأريخ والجغرافيا، إلا أنّ بعض هؤلاء الأطفال مات في طفولته، وبعضهم عاش طويلاً إلى ما فوق الثمانين مثل كارل ويت الذي ولد عام 1800 وتخرج في جامعة ليبزج وعمره 9 سنوات وحصل على الدكتوراه وعمره 14 عاماً، وحصل على دكتوراه أخرى في القانون بعد عامين، وعيّن وهو في هذا السن أستاذاً بجامعة برلين.

وقد درست هولنجورث عدداً من هؤلاء الأطفال في القرن الحالي ممن تزيد نسبة ذكائهم على 180 وقد تكون أهم النتائج التي توصلت إليها أنّ هؤلاء الأطفال لا يعانون بالضرورة من مشاعر النقص أو الدونية، بل إنّهم يظهرون درجة كبيرة من التوافق ومعنى ذلك أنّ التفوق العقلي في الطفولة لا يرتبط بالضرورة بالمرض أو النقص الجسمي والحسي أو نقصان التوافق أو الاضطراب في الشخصية.

وبالطبع فإنّ للمتفوقين من الأطفال مشكلات توافقهم الخاصة بهم وخاصة أثناء مرحلتي الطفولة والمراهقة، إلا أنّ هذه المشكلات هي نتائج غير مباشرة للتفوق ذاته، ومن بين هذه المشكلات المحتملة أنّ الطفل المتفوق قد يكون أصغر سناً (وبالتالي أضعف بنية) من أقرانه في الفصل، مما يعوق مشاركته في النشاط الاجتماعي والرياضي. وقد يؤدي به هذا الشعور "بالعزلة" عن أقرانه و"الاغتراب" عن معاصريه و"البعد" أو "الانفصال" عن الأنشطة العامة في بيئته، وقد يقوده هذا إلى الخلفة إزاء السلطة وعدم التسامح مع الزملاء. بل إنّه قد يكون أميل إلى الكسل وعدم الكفاية في القيام بالأعمال المدرسية العادية لأنّها لا تمثل تحدياً له. وقد تنتقل عادات العمل هذه معه إلى الأنشطة التعليمية والمهنية التالية.

ولهذه الأسباب تقترح هولنجورث أنّ الحد الأمثل لنسبة الذكاء من حيث التوافق الشخصي والقيادة وتقبل الآخرين يقع بين 130، 150. إلا أنّنا يجب أن نشير في هذا الصدد إلى أنّ مشكلات العلاقات الإنسانية التي يواجهها المتفوق لا تنشأ إلا في جزء منها عن مشكلات شخصية عند المتفوق ذاته. فالواقع أن نبوغ المتفوق قد يستثير عند الآخرين مشاعر النقص والدونية وبالتالي قد تصدر عنهم بعض الاستجابات الدفاعية إزاءه. وتوجد شواهد كثيرة في تأريخ التفوق العقلي تعرض فيها العباقرة منذ طفولتهم إلى خبرات الرفض والعدوان من جانب زملائهم ومعاصريهم الذين يشعرون بالتهديد من الإنجاز غير العادي الذي يحرزه العبقري.

ومعنى هذا أنّ مشكلات التوافق التي يعانيها المتفوق عقلياً يمكن التغلب عليها – بل يمكن حمايته منها – إذا توافر الفهم والبيئة التعليمية الملائمة. وبفضل جهود الرواد في ميدان التفوق العقلي من أمثال هولنجورث وترمان وغيرهما ظهر الاهتمام بالتربية الخاصة للمتفوقين عقلياً في العشرينات والثلاثينات من هذا القرن، ثمّ نما هذا الاهتمام واتسع وتطور في الخمسينات وما بعدها. ثمّ ازداد الاهتمام في السنوات الأخيرة مع حركة البحث في ميدان الابتكار حتى نكاد نقول أنّ مجالي التفوق العقلي والابتكار اندمجا في فئة واحدة من فئات البحث النفسي والتربوي مع الاهتمام المقابل بضعاف العقول. ألم يكن من العبث التربوي والنفسي هذا الجهد العظيم الذي بذل في ميدان الضعف العقلي دون أن يقابله اهتمام على أي نحو بالتفوق العقلي؟!

 

قد يكون المشروع العلمي الذي بدأه ترومان عام 1921 لدراسة الأطفال المتفوقين أكثر مشروعات البحوث التتبعية طموحاً في تأريخ علم النفس. فقد بدأه بإجراء مسح شامل لإحدى الولايات الأمريكية (ولاية كاليفورنيا) لتحديد الأطفال المتفوقين، ثمّ جمع أكبر قدر من المعلومات عن قدرات هؤلاء الأطفال وسمات شخصيتهم، وبعد ذلك قام بإجراء دراسات تتبعية متتالية.

وقد تضمنت عينة البحث المبدئية 1528 طفلاً في سن ما قبل المدرسة وسن المدرسة الابتدائية و300 تلميذ في المدرسة الثانوية وكانت أعمارهم بين 19.3 عاماً ونسب ذكائهم 135، 200 في مقياس ستانفرد بينيه، بالإضافة إلى أحكام المدرسين وتقديراتهم لذكاء التلاميذ.

وتمثل عينة الأطفال حوالي نسبة الـ1% العليا من الأصل الإحصائي للأطفال في هذه الولاية. ومن هؤلاء اختار ترمان 661 طفلاً من تلاميذ المدرسة الابتدائية لتمثل ما يسميه "العينة التجريبية الأساسية" والتي اعتمدت عليها النتائج الكبرى للمسح المبدئي، وقد قورنت هذه المجموعة بمجموعات ضابطة اختيرت عشوائياً من أطفال المدرسة امتدت أعداد أفرادها بين 600، 800 طفل.

وقد أكّدت نتائج الدراسة المبدئية (عام 1921) أنّ أسر الأطفال المتفوقين تنتمي إلى المستويات الاقتصادية والاجتماعية والمهنية والتعليمية العليا، وأنّ الطفل المتفوق في الغالب يكون ترتيبه الأوّل بين إخوته، وفي هذا تتفق دراسة ترمان مع البحوث التي أجريت على النوابغ من الراشدين.

وقد لوحظ أيضاً أنّ الأطفال المتفوقين أعلى من المتوسط في معدلات نمو الخصائص الجسمية والنمائية كما تقاس بالمقاييس الأنثروبومترية كالوزن والطول والنمو الجسمي العام والطاقة العضلية ونمو القدرة على المشي والكلام والصحة العامة، بالإضافة إلى بلوغهم المبكر بالمقارنة بنظرائهم من العاديين. أي أنّ المعدلات في هذه الحالات كانت أسرع من العاديين.

وتميز الأطفال المتفوقين بالتحصيل المدرسي الممتاز بمقارنتهم بالعاديين وخاصة في مواد المناظرة والتربية الوطنية والقراءة والحساب والمواد تتطلب الفهم اللغوي والاستدلال المجرد وكانوا أقل تفوقاً في مواد مثل التربية البدنية والفنون والأشغال اليدوية. وقد أظهر المتفوقون مدى واسعاً من الميول خارج العمل المدرسي. فقد تميزا على العاديين في القراءة كما وتنوعا، كما كانوا أكثر حماساً ولديهم اهتمامات أكثر عمقاً بصفة عامة، ويمارسون عدداً أكبر من الهوايات عند مقارنتهم بالعاديين. ومعظم هواياتهم لها طبيعة علمية بل أنّهم في اللعب كانوا أكثر نضجاً، ولم يختلفوا عن العاديين في أنواع النشاط والألعاب الرياضية التي يمارسونها.

وتأكد أنّ الأطفال المتفوقين أعلى من المتوسط في سمات الشخصية، فالفروق بينهم وبين العاديين كبيرة جدّاً في السمات العقلية (الأصالة والذكاء العام) والدوافع التي تؤدي إلى التحصيل (الرغبة في المعرفة)، أما في السمات الاجتماعية فإنّ الفروق بين المجموعتين كانت ضئيلة وليست لها دلالة إحصائية، كما حصل المتفوقون على درجات عالية في اختبارات التوافق الانفعالي.

 

مايكل هاينز/ ترجمة: د. عبدالرحمن الطيب الأخصائي في علم النفس

المصدر: كتاب القوى العقلية الحواس الخمس

ارسال التعليق

Top