• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

خُلِقنا للحُب

د. فوزية الدريع

خُلِقنا للحُب
هذا الذي يهز عرش الملوك، يُمرض، يُبكي، يُغير ويعمل المعجزات، هذا الذي اسمه الحب. أنظُرُ إلى الكتب التي ألّفتُها، فلا أجد إلا حقيقة واحدة: ليس هناك كتاب إلا ويدخُل فيه البحث عن الحب. وأنظُرُ إلى ما ألّفه غيري، والدراسات التي عُمِلَت، فأتيقّن أن موضوع الحب يصعب الإحاطة به والخوض في بحره.. فلماذا نُحبّ؟ يبدو أنّ الحب احتياج مثل الماء والنور والطعام. ويبدو أنّه سَجيّة وفطرة بشرية، وحتى حيوانية. ولا يبدو أنّ فطرة الحب خلقتها الظروف القاهرة والاحتياج الذي يمرّ به الإنسان فقط، بل هي فطرة خلقنا الله بها. نعم، الرومانسية فطرة.

وهناك رأي متطرّف يقول الحب خدعة حتى يُلطِّف الإنسان الدافع الجنسي الذي يُحرّكه بشكل كبير. ولكن الحقيقة، أنّ الحب هو الإحساس الإنساني الذي يخلق أحاديّة في توجيه الغريزة الجنسية، بمعنى أنّ الحيوانات لا بأس عندها من أن تتزاوج مع حيوانات عديدة، وإن كان لي رأي في ذلك، وهو أنه حتى في عالم الحيوان، ومن مُشاهداتي وثقافتي بعالم الحيوان، تسعى الحيوانات قدر استطاعتها، بالفطرة الأحادية، إلى أن تكون لواحد. ولكن الإنسان بعقله ميّال أكثر إلى أن يتعاضر مع طرف واحد. وماذا غير الرومانسية تُؤهّله لذلك؟ وحده الحب قادر على خلق هذه الخصوصية والالتصاق الأحادي.

 

لكن الحب ليس فقط لأجل مُعاشرة شخص واحد. الحب فطرة، لأنّه يؤدي أغراضاً كثيرة في حياة الإنسان، ومنها:

- أنّه يجعل لك إنساناً تتشارَك معه، ورغبة المشاركة رغبة طبيعيّة. كلّنا نتفق على أنّ السفر والأكل والحزن، وغيرها من المواقف البشرية الضرورية، كلها أفضل لو كنّا معاً ولسنا وحدنا. - الحب هو إنسانيتك. فالإنسان يتصارع مع البقاء والحياة بقوّة قد تُوصله إلى القسوة. لكنه في حاجة إلى أن يضعف. وماذا غير الحب يجعله يضعف؟ الإنسان يحتاج إلى إنسان ليَبُوح له بأسراره. فالقلب يُثقل من الهَمّ والغَمّ، ولا يُريد الإنسان أن يجعل قلبه وتجاربه مشاعاً للآخرين. ومن غير الحبيب يصلح لأن يكون صندوق البَوح؟ - الإنسان يحتاج إلى الحب، لأنّه جيِّد للصحة. وكلّ الدراسات تقول إنّ الناس الذين يعيشون قصة حُب هم أكثر سعادةً، وأكثر صحة عقليّة، وأقل إصابة بكل الأمراض. ويكفي أنّ الذين في حياتهم قصة حب، هُم أقلّ إصابة بالـ"إنفلونزا". - الحب يُقلل الخَرَف. الدراسات التي رصدت إشعاعاً في المخ بين المتزوجين منذ فترة، ولا يزالون في حالة حُب، تؤكد أن إحساس الحب يجعل المخ أنشط كهربائياً وكيميائياً، ما يُقلل الخرف وأمراض الذاكرة. مَن هذا الذي يقول إنّ الحب غير ضروري؟ إنّ الحب مثل أكثر شيء، قد يجعل الإنسان يقتل نفسه. وحتى الأسباب الأخرى للانتحار، عادةً يقوم بهم إنسان في الأصل حياته خالية من الحب. بقي أن نؤكد أنّ الحب لا يُحسن الاختيار أحياناً. لكن يجب على الإنسان أن يقف بعد رقعة القلب ليقول لنفسه: هل هذا الإنسان مؤهّل لأن أمضي معه العمر كله؟ أن تضع قلبك في الحب، فأنتَ أشبه بمَن وضع قارباً شراعياً في بحرٍ عاتٍ. والحبيب الحقيقي هو البحّار الشاطر، الذي سيجعل الرحلة سهلة. البعض لا يحتمل انكسار القلب المؤقت، وقد يدخل نفسه في معمعة علاقة غير مستقرّة، بدلاً من أن يستمتع بها، فإنّه يموت فيها ومعها.

ارسال التعليق

Top