• ٨ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٣٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دور الدين في صيانة الشباب من آفات العصر

أنوار شعبان

دور الدين في صيانة الشباب من آفات العصر
◄جاء في قوله عزّ وجل بخصوص الاطوار الخلقية للإنسان منذ نشأته الأولى في الارحام إلى مراحل تكوينه المختلفة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا) (الحج/ 5)، صدق الله العلي العظيم. إذ تبين المراحل الدقيقة التي يمرّ بها الإنسان وتدل دلالة قاطعة على الحكمة والاعجاز ومن هذا المصدر بنيغي أن تتخذ المناهج التربوية مسارها في إعداد الأجيال وتكوين الشباب لأن في مرحلة الشباب يبدأ الإنسان في ممارسة الحياة بعد أن يتلقى التوجيه الضروري والتربية الأساسية بواسطة مؤسسات عديدة منها مؤسسة الأمومة والأسرة والمدرسة وسواها من المؤسسات التي تلتقي أهدافها في نقطة تكوين واعداد وبناء الإنسان، الذي لابدّ وأن يخضع إلى توجيه معيّن فهو عندما كان طفلاً تلقّى الأمر من الأبوين لأداء الصلاة في سن السابعة وربما يتعرض للضرب إن لم يؤدها في سن العاشرة. وعندما يبلغ الحلم ينبغي الاستئذان عند طرقه للأبواب ودخوله بيوتاً غير بيته. وهذه الأوامر والتوجيهات تصدر عن الجهات التي ينصهر معها الإنسان، ويحتك بها، لأن هناك قاعدة تقول بأن كل مولود يولد على الفطرة، والأبوان يتحكمان في الكيفية التي ينبغي أن يكون عليها مستقبلاً في كل تصرفاته وسلوكه وعقيدته، ومن هنا يتضح الدور الأساس والفاعل الذي تقوم به الأسرة في مجال رعاية الشباب وحمايته من الأمراض والانحرافات السائدة. ونجد إن دور الأسرة يتكامل مع دور المجتمع لفائدة الشباب فأساليب العلاج تكمن أساساً في التربية وأسلوب الوقاية يُستعمل لمواجهة الآفات التي تصيب الشباب نتيجة سوء التربية الأساسي، الشيء الذي يقحمه في وهدة من التحجر الفكري والفراغ الروحي والأخلاقي وهذه المعطيات السلبية تفرغ هذا العصر من محتواه العلمي والإيماني، وبالتالي فإنّ هذه الوضعية التي يوجد عليها الشباب المعاصر تزجٌ به في أزمة ضمير وتدفعه إلى التهالك على المادة والانسياق وراء اللذة. وفي هذا الخضم يسيطر عليه الفراغ فيصبح عنصراً للإستهلاك هامشياً من حيث المردودية والانتاج، بل غائباً عن مجتمعه رغم تواجده. وهذه الوضعية تقتضي القيام بما يلزم من أسباب التنشيط وتحريك الطاقات الشبابية والمحافظة على هذه الطاقات واستثمارها. وللحيلولة بين الشباب وبين التردّي في دوامة الحيرة والقلق والتوتر والنظرة المتشائمة نحو المستقبل، ينبغي اتاحة الفرص له واشباعه بالتوجيه والترشيد في حياته وبعث الثقة والأمل في نفسه حتى تتحول نظرته المتشائمة للمستقبل إلى نظرة متفائلة تجعله مطمئناً على سلامة المصير. وإذا ساعدنا الشباب على اكتساب هذه المعطيات منحنا له بكيفية غير مباشرة طريقة جديدة في التفكير المتفتح والطموح والتطلع والاندفاع التلقائي للمساهمة في البناء. كما انّ هذا الأسلوب في ترشيد الشباب يعتبر عملية انقاذ وغسل للدماغ من بعض الأفكار الفاسدة التي تأثر بها بعض الشباب وعكرت صفو حياته، متكالبة مع ظواهر الانحراف وفي طليعتها المخدرات هذا الوباء الفتاك الذي وجد في الشباب الأرضية الخصبة. وقد حطّم في نفوسهم الفضيلة والأخلاق الإسلامية. ولذلك فإن خير علاج وأكبر حماية لمعشر الشباب هي الرجوع إلى الإسلام والتمسك بتعاليمه وشريعته الخالدة والتحلي بالإيمان الصحيح. ففي عصر العلم هذا لا معنى للحياة بدون إيمان صحيح وعقيدة سليمة. فبذلك وحده يتم اغلاق الأبواب على كل الآفات والأمراض بما فيها مرض العصر "المخدرات". وقد يقول قائل: لا يصح أن يكون اختلاف العقول سبباً في تجريد الإنسان من حريته، بل الذي يجرّ إليه الاختلاف، إنما أن يعلو فكر على فكر فيقوده بقوة الاقتناع. منطقياً انّ هذا القول صائب ولكن إذا تأمل فيه الإنسان بضمير متحرر وبنزاهة فكرية وعقلية سليمة، وجد انّ هذه الخصائص والصفات بدأت تفقد وزنها الحقيقي في وقتنا الحاضر، مما جعل هذه الرؤية الجادة التي ترمز إليها المقولة المشار إليها تختفي وراء بعض الضباب والغيوم. ويتضح ذلك أكثر كلما تعمقنا في سلوك بعض الناس وتعاملهم مع بعضهم البعض. ذلك إن أوجه التناقض أصبحت بينة واضحة من خلال بعض النماذج من السلوك الإنساني وبخاصة السلوك الاجتماعي، حيث انّ الواقع يكشف عن فوضى الحياة عند الكثير من الناس فلا تجانس في الأفكار ولا توافق في الأهداف والتطلعات، بل الكل يتصرف تصرفات جنونية وينفعل لأتفه الأسباب ويختلف في أبسط الآراء ويطغى عليه الخلط بين الواقع والخيال. وهذا يدلنا على الأخطاء التي يقع فيها بعض الناس وخاصة أولئك الذين تتحكم في سلوكهم وتصرفاتهم العاطفة لا العقل، فتجدهم يتعصبون للمبدأ القائل، "أنا وبعدي الطوفان" وتطغى عليهم نزعة الانتماء وحب الذات. ومن أجل ارضاء عاطفتهم يستعملون الأساليب الجافة ويلجأون أحياناً إلى الضغط على الآخرين متجاهلين انّ الضغط يولد الانفجار، فنراهم يتهافتون ويتهالكون على تحقيق المزيد من الأعراض الذاتية مهما كلّفهم ذلك. كما تبدي تصرفات بعض الفئات البشرية غرائب في السلوك وعجائب في التصرف، ويل لمن كان لهم ناصحاً فهم لا يؤمنون إلا بذلك المبدأ القاتل. إنّ الذي يقول لك اعتقد ما اعتقده والا لعنك الله لا يلبث أن يقول له اعتقد ما اعتقده والا قتلتك. ومن يتأثر بمثل هذه المبادئ الجنوبية كيف له أن يندمج اجتماعياً وإنسانياً ووظيفياً، والحال انّ الاندماج ضرورة أكيدة وخاصة في هذا العصر الذي تسعى فيه الاجتهادات العلمية إلى شمولية الاندماج الاجتماعي حتى بالنسبة لتلك الفئات التي كانت قبل الآن هامشية تستهلك ولا تنتج.►

ارسال التعليق

Top