• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

دور المرأة في ديمومة المجتمع

عمار كاظم

دور المرأة في ديمومة المجتمع

اختلفت حقوق المرأة في نظر الإسلام كلّ الاختلاف عن السابق، فقد أعاد الإسلام لها كرامتها وحرّيتها، ورفع عنها كلّ ما يضعفها ويقلل من مكانتها وشأنها في المجتمع، قال سبحانه وتعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) (النحل/ 97)، وقال أيضاً عزّوجلّ: (وَمَنْ يَعْمَل مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ نَقِيراً) (النساء/ 124). ولم يقف الإسلام عند هذا الحد في رفع مكانة المرأة، إنّما تعدى إلى أكثر ممّا نتصوّر، فقد ساواها بالرجل من حيث الاعتبارات الأساسية، والقيم الإنسانية، وهيأ كلّ مقومات التوازن الفردي لها، بحيث جعل منها عنصراً حيّاً في تأسيس المجتمع، وديمومته، وطاقة إبداع للوجود الإنساني، تكويناً، وتربيةً، ونموّاً مثمراً، حتى قال سبحانه عن هذا الاندماج الازدهاري: (هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ) (البقرة/ 187)، واللباس ستر لعيوب الإنسان، وتقويم لمظهره الخارجي. وكما أنّ الرجل لباس للمرأة، فكذلك هي له، كلّ منهما جزء مُتمم للآخر، حاجة مُتبادلة بينهما، تشدّهما إلى بعض، وتنزلهما منزلة واحدة، لها خصائصها، وميزاتها الفردية، والاجتماعية.

وعندما منح الإسلام المرأة هذه المكانة الفُضلى في صعيد الإنسان وجعلها طرفاً مساوياً للرجل، لا يزيد عليها في تكوينه، ولا يشمخ في معلم يُحجمها أمامه، إنّها هو، وإنّه هي، إلّا في بعض خصائص فطرية اقتضتها طبيعة المهمّة التي أُنيطت بها، وهي معملية إنشاء الإنسان بإدارة الله سبحانه. ولكي يكون هذا العنصر الإنساني على مستوى المسؤولية في هذه الحياة ومفتاح مجتمعه – هذا المجتمع الذي يتطلب الثورة نحو الإبداع والكمال والسمو – لابدّ من توفر الجوانب التالية فيه:

- العمل الجاد على الخروج من دائرة الانغلاق الاجتماعي الذي يلفّ المرأة في أكثر من بيئة، على أساس أنّها مخلوقة ضعيفة، مخدعها بيتها، لا تقوى على مقابلة الشرور والآثام، وتستجيب لرغبات عاطفتها الجياشة عند احتدامها، واضطرامها. ولا شكّ أنّ المرأة تزخر بالعاطفة بحكم مهمتها التي أوكلها الله سبحانه إليها، من تحمّل الأذى والمتاعب في أعباء حمل الجنين، وآلام الولادة، وتربية الطفل، وكلّ ما يدخل في هذا الإطار من إرهاق ومشاق، غير أنّ هذه العاطفة التي تُساعد على تحمّل هذه المتاعب والمصاعب يمكن أن يتحكم بها عند من أعمل عقله على هواه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) (التحريم/ 11).

- التنوير الفكري برسالة الإسلام، ومدى حرصه على إسعاد الإنسان بصفته المالك لقدرة تسيير مجتمعه، وتهيئة متطلباته، وإنقاذه من الجهل، ورفعه إلى مستوى إنسانيته الكاملة التي منحها الله سبحانه له، ليفرّقه عن سائر مخلوقاته، ويُجسد خصائصه الذاتية النفسية والأخلاقية. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «طلب العلم فريضة»، وعن الإمام عليّ (علیه السلام) أنّه قال: «أيها الناس، اعلموا أنّ كمالَ الدين طلب العلم والعمل به، ألا وإنّ طلب العلم أوجب عليكم من طلب المال، إنّ المال مقسوم مضمون لكم، قد قسمه عادل بينكم، والعلم مخزون عند أهله، وقد أمرتُم بطلبه من أهله فاطلبوه»، وقال الإمام الباقر (علیه السلام): «عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد». إنّ التنوير بالفكر الإسلامي ضروري للمسلم كي يحسّ بمسؤوليته الرسالية، نظراً إلى أنّ فاقد الشيء لا يُعطيه. ومن هذا المُنطلق الواقعي فإنّ العمل الصالح لا يُمكن أن يؤثر بالغير مادام الإنسان نفسه جاهلاً بطبيعته، أو غير مُتعمق في نفسه، وما لم يجسد مُعطياته وتأثيره فيه أوّلاً، فإنّه لا يستطيع أن يُضفيه على الآخرين، وكلّما ازداد تلاحماً وتفاعلاً معه، زخر عطاؤه بالثقة والقبول.

- الالتزام في الأداء، فإنّ المسلم الذي يقرن قوله بعمله هو الذي يُرضي الله سبحانه: (كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (الصف/ 3). قال الإمام عليّ (علیه السلام): «مَن لم يختلف سرّه وعلانيته، وفعله ومقالته، فقد أدّى الأمانة، وأخلص العبادة».

وهذه النصوص تؤكد لنا ضرورة الالتزام بالأداء العملي في المسؤولية الرسالية، والواقع أنّ صرف الشعور بالمسؤولية لا يوصل المسلم إلى الهدف، ومن أجل أن يكون الإنسان مثمراً لابدّ أن ينسجمَ قوله مع عمله، وفعله الخارجي مقياس جهده في أداء رسالته الإيمانية.

وهذه الجوانب الأساسية لابدّ أن تتوفر في كلِّ إنسان يعمل على أداء الرسالة التي يتبناها عقائدياً، سواء أكان ذلك الإنسان رجلاً أو امرأة، فهما أمام هذه المهمّة سواء. وإنّ الحديث الشريف حين يُحمّل الإنسان مسؤولية رعاية الآخرين، لم يستثنِ أحداً، وإنّما يُبقي الطلب على عمومه: «كلّكم راعْ وكلّكم مسؤول عن رعيته»، لم يظهر لنا تخصيص من قريب أو بعيد في حصر الأداء على جهة مُعينة، وعند ذلك يأخذ الأمر على وجه الشمول. ولهذا فالمرأة لا يمكن أن تخرج نفسها من مسؤولية العمل الرسالي في مسيرة الإسلام، نعم يمكن أن تخصص في مهام تتحكم بها ظروفها الخاصّة فتحدد عندها طبيعة العمل كماً أو كيفاً، وهذا لا يؤثر على التزامها الرسالي، ولا يُضعف من توجهاتها، وتطلعاتها الإيمانية، فلا يكلف الله شخصاً إلّا قدر طاقته، وهو أعرف بطاقاته وقدرته بعد شعوره التام بضرورة تحمّل المسؤولية.

إنّ للمرأة إمكانية فائقة في عملية تغيير المجتمع من خلال تربية الأولاد، والاهتمام بتنشئتهم نشأة صالحة تؤهله لتحمل المسؤولية في بناء مجتمعه، كما لها قابليتها في مجال التعليم والتربية المدرسية وغيرها.

ارسال التعليق

Top