• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

سرب الحرية

مها عباس

سرب الحرية
    هبّت الريح خفيفة وتصاعدت إلى أعلى، في محاولة منها لرفع أو حتى ذر أوراق الشجر الذاوية، المتساقطة أمامه على الأسلفت في الشارع الرئيسي أمام "جامعة الخرطوم"، قلعة الصمود. كان يجلس على دكة مقابلة لقاعة الامتحان، وعلى حِجره رقدت أوراق كسلى تنتظر من يحنو عليها بالنظر المتفحّص، لمعرفة ما تحويه من معلومات، ولو على وجه السرعة. فالامتحان بعد سُويعات وهو لم يدرس بعد. ولم تكن قاعة الدرس تحظى بوجوده غالباً، حيث كان يوصي أحد أصدقائه دائماً بأن يكتب اسمه على ورقة الحضور. أشعل سيجارة استلفها من صديقه قبل ساعة، اتكأ برأسه أشعت الشعر إلى الدكة الحجرية التي يجلس عليها، وهو يقارب الدخان يتصاعد إلى أعلى، فلمح صقراً يُربد في الأجواء، وكأنّه طائرة حربية تستعرض قوتها في المنطقة. نظر إلى قاعة الامتحان وهي تتوعده وترمي بشرر كالقصر، والعمال ينظفونها وكأنهم يبرُدون أسنانها لتسحقه تحتها. طارت ورقة من أوراقه لم يُتعب نفسه ويحاول اللحاق بها، بل هزّ رأسه هزئ منها قائلاً في سرّه: (حتى وإن قرأتك لن تزيدي درجاتي في الامتحان، وإن زادت درجاتي ليس هناك من وسيط لأعمل. هيّا اذهبي يا ساقطة).

رفع رأسه ونظر مرّة أخرى إلى السماء ليستجديها ثمن الإفطار اليوم، وجد لوحدة رائعة شكلها، في زرقة السماء التي لا تخلو من بعض الغمامات، شكّلها سرب من الطيور الضخمة البيضاء المتجهة نحو الشمال (لابدّ أنها سعيدة) همهم قائلاً. تابع مُضي الطيور البيضاء التي لا يحد مسيرها شيء، رفرف بجناحيه وطار نحو الطيور النظيفة، في مشهد يخالف بدائية وتخلُّف الأرض حوله واتّساخها، كذلك مال ذات اليمين وذات الشمال وحلّق بعيداً عن الهموم، ورأى الأرض تحته ككومة بنية اللون، شق الهواء شقاً وأسرع حتى يلحق بالسرب، عرضت له مشكلة فهي بلا شك ذاهبة إلى الماء وهو لا يعرف السباحة. عاد أدراجه وهو يرفرف ويرفرف وحده في السماء وقرر أن يبقى في أعلى ليطير ويطير. أحس بأمعائه تنقبض وتنبسط والجوع يتسلل إليها، حتى الطيور تحتاج إلى الطعام. لم يُبالِ بالصوت القارص في بطنه ورفرف (الحرية ما أجملها بلا قيد أو سجن، لا أحد يضايقك بسؤال ليس له معنى) أحس بحجر يضربه ضربة قوية، فآلمه جناحه الأيسَر بشدة، نظر فإذا به لا يُرفرف ويرى ساعته في يده الممدودة، تُشير إلى الثانية عشرة موعد الامتحان.

*كاتبة من السودان

ارسال التعليق

Top