• ٢٣ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صدق الأخوّة

عمار كاظم

صدق الأخوّة

إذا كان الإسلام قد جمع بين أبنائه على الإخاء واعتبرهم جميعاً أخوة تربط بينهم العقيدة فلابدّ أن تكون هذه الصلة صادقة وأن يكون ذلك الإخاء مخلصاً وحينئذ يشعر الجميع بالتراحم والتعاطف والتآلف ويكون روح الإسلام شعار الجميع من خلال تنميه أهدافه ويحسّ كلّ فرد أنّه لبنة في صرح المجتمع الإسلامي الكبير يعمل دائماً على أن يزيده صلابة وقوّة ويحس من الجميع أنّهم معه بعواطفهم ومشاعرهم. والأخوّة هي أصدق تعبير عن الحقوق والواجبات الاجتماعية وهي أقوى ما يبعث في النفوس معاني التراحم والتعاطف والتعاون وتبادل الشعور والإحساس ممّا يحقّق لمجتمع مثالية التي تخلص به للخير وتبعد به عن الشرّ.

ومن أمارات صدق الأخوّة أن يفعل الشخص كلّ ما يقويها وينميها ويؤكّدها بأن تكون صلته بإخوانه طيِّبة فيقوم بما يقرّبه من قلوبهم ويباعد بينه وبين ما يبغضون وما يؤدِّي بهم إلى النفور منه والابتعاد عنه ولقد حفل القرآن الكريم والسنّة النبويّة بالكثير ممّا يرغب في إحسان معاملة الإخوان والنهي عمّا يغضبهم ويثير حفيظته. ولا شكّ أنّ ما أمر به النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) يبعث على تقوية الصلة وتنمية العلاقات الطيِّبة بين المسلمين. ومن توجيهات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصيحّته للمسلمين بيانه أنّ إيمان الشخص لا يكمل حتى يحبّ المسلم لأخيه ما يحبّ لنفسه كما في قوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه». ولا يتحقّق ذلك إلّا إذا كانت الأخوّة تتسم بالإخلاص التام، والإخلاص في الأخوّة أن تكون في الله لا لغرض دنيوي لأنّها تنتهي بنيل المطلوب ولذلك نلاحظ أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بيَّن في حديثه أنّ ممّن يظلهم الله يوم القيامة في ظله رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وافترقا عليه، وأنّ ربّ العزّة سبحانه وتعالى وعد جنته للمتحابين فيه.

هذا ولابدّ للأخوّة أن تُصان من كلّ ما يصدعها أو يضعفها وفي بعض آيات القرآن الكريم ينهى الله سبحانه وتعالى عن أُمور تتعارض مع الأخوّة الصادقة وتتنافى مع كمالها فبعد أن ذكر الله تعالى أخوّة المؤمنين في قوله: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) (الحجرات/ 10)، نهى المؤمنين عن أوصاف تتنافى مع العلاقات الإيمانية بقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات/ 11-12). ومن الأوصاف التي تضمنتها الآيات تحذّر المؤمنين من اقترافها: اللمز: وهو الإشارة إلى الغير بالعين أو بغيرها بقصد التحقير، والآية تنفر من هذا العمل بأسلوب غاية في الدقة ولما بين المؤمنين من صلة اعتبرت الآية أنّ من يلمز آخر فإنّه في الحقيقة يلمز نفسه وذلك في قوله: (وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ) (الحجرات/ 11).

وفي موضع آخر من القرآن الكريم بيَّن الحقّ تبارك وتعالى أنّ الله يسخر من الساخرين وسخرية الله تعالى هي أن يعذّب هؤلاء جزاء ما اقترفوا بقول الله تعالى: (الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (التوبة/ 79). وكذلك لا يحقّ للمسلم أن يذكر أخاه المسلم بلقب يبغضه فإنّ ذلك يؤدِّي إلى الشحناء، ولا يظنّ به شرّاً فإنّ الظن السيِّئ يؤدِّي إلى العواقب الوخيمة ممّا يصدع بنيان المجتمع الإسلامي، ورسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) حذّر من ظنّ السوء ونهى عنه، فعن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): «إيّاكم والظنّ فإنّ الظنّ أكذب الحديث». وممّا تضمنته الآيات ونهت عنه: التجسس: وهو البحث عن أسرار الغير فإنّ ذلك يؤذي الآخرين ممّا يوقع بين صفوف المسلمين الكثير من الشحناء والبغضاء ويهون الأخوّة بينهم وحديث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يحذّر من التجسس وبيّن أنّ ذلك من النفاق يقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «يا معشر مَن آمن بلسانه ولم يدخل الإيمان قلبه لا تغتابوا المسلمين ولا تتبعوا عوراتهم – فإنّ مَن اتبع عوراتهم يتبع الله عزّوجلّ عورته – ومَن يتبع الله عزّوجلّ عورته يفضحه الله في بيته».. تلك هي بعض الأُمور التي نهت عنها الآيات وحذّرت منها سنّة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) والحقيقة أنّه يجب على المسلم أن يصون نفسه عن كلّ ما يؤدِّي إلى القطيعة بينه وبين إخوانه. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إيّاكم والظنّ فإنّ الظن أكذب الحديث ولا تجسسوا ولا تحسسوا ولا تنافسوا ولا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكنوا عباد الله إخواناً».. وبوجه عام فإنّ من علاقات الأخوّة الصادقة والإيمان الكامل ألا يحدث من المؤمن ما يضرّ غيره بأي وجه كان.

وهكذا نلاحظ أنّ الإسلام قد وضع للأخوّة إطاراً منيعاً وجعل لها من عوامل القوّة ما بها تسمو وترتقي وصانها من عوامل التفكك والانهيار، والحقيقة التي لا شكّ فيها أنّ الأخوّة كلّما كانت قوية صادقة كان المجتمع متماسكاً متآلفاً وإذا وهنت الأخوّة أدّى ذلك إلى تصدع المجتمع وانهياره. فواجب المسلمين جميعاً أن يتبعوا النهج الإسلامي في مؤاخاة بعضهم لبعض حتى يسموا بدينهم ويتبوءوا المكانة التي تهيء لهم حياة طيِّبة في الدُّنيا وعيشاً أرغد في الآخرة.

ارسال التعليق

Top