• ١٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صلاة الجماعة وآثارها

العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله

صلاة الجماعة وآثارها

◄عزيزي القارىء الكريم لصلاة الجماعة قيمة في الإسلام ولها الأثر في حياة المسلمين؛ فإنّ الإسلام يعطي أهمية للجانب الاجتماعي في الواقع الإسلامي، ليتشاوروا بينهم في كلّ أمورهم، وليتعاونوا على البر والتقوى، وليتحركوا في خط الجهاد في سبيل الله؛ فذلك ما يمنحهم صفة "المجتمع الإسلامي" في مرحلة، و"الأُمّة الإسلامية" في مرحلة أخرى.

وقد تكون صلاة الجماعة من أقوى المناسبات التي تحقق هذا الهدف، وتؤكد هذا العنوان، وتقوي هذه الروح؛ لأنّها تجسد الاجتماع بين المسلمين أمام الله في الأجواء الروحية، التي توحي بها الصلاة التي أراد الله لها أن تنهى عن الفحشاء والمنكر، وأن تكون معراج المؤمن – بروحه – إلى الله؛ وبذلك يتحسس المسلمون الجانب الاجتماعي في دينهم من خلال الله في مضمون صلاتهم، كما يتمثلون في نظام الإمامة في الصلاة والمأمومين فيها معنى القيادة التي لابدّ للمسلمين من أن يطيعوها، فيتحركون عندما تتحرك ويقفون عندما تقف، كما تتمثل القيادة معنى أتباعها لتحفظ لهم أوضاعهم، فلا يطيل الإمام صلاته رحمة بالمأمومين.

وهذا ما ينبغي للمسلمين أن يحافظوا عليه في جميع صلواتهم، لأنّه هو الذي يمثل الإيحاء اليومي الدائم بالمعنى العميق للرابطة الاجتماعية بينهم، ويدفعهم إلى الاستفادة من هذه المناسبة العفوية العبادية للتشاور في أمورهم، وللتعاون في ما بينهم، في ما يتصل بقضاياهم العامة أو الخاصة، وليستمعوا إلى الإمام الواعي للإسلام وللواقع بما يحدثهم عن مشاكل الواقع الإسلامي وأخطاره، ليكون لهم وعي المسؤولية في ذلك. وربّما كان هذا هو السر في زيادة ثواب صلاة الجماعة على صلاة الفرادى، حتى ورد في بعض الأحاديث: أنّها إذا زاد المصلون فيها على العشرة، لا يحصي ثوابها إلّا الله.

-         المحافظة على الصلاة:

 (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة/ 238)، إنّ في الآية دعوة إلى المحافظة على الصلاة بشكل عام، وذلك بالقيام بأدائها في أوقاتها. وأكد الله على (وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) للدلالة على أهميتها في حساب القرب إلى الله والدخول في رحمته. واختلف في تعيينها بين المفسرين؛ فقيل: إنّها صلاة الظهر باعتباره أنّها في وسط النهار كما أنّها واقعة بين صلاتين في النهار، وهما الصبح والعصر، كما هو المروي عن أئمة أهل البيت (ع) في ما رووه عن صلاة رسول الله، ورواه جماعة عن زيد بن ثابت كما عن تفسير الدر المنثور. وقيل: إنّها صلاة الصبح لتوسطها بين الليل والنهار، أو بين صلاتين من النهار وصلاتين من الليل. وقيل: إنّها صلاة العصر، للسبب نفسه في صلاة الصبح. وقيل: إنّها صلاة المغرب. كما قيل: إنّها صلاة العشاء... وقيل: إنّ الله أخفاها كما أخفى ليلة القدر، ليهتم الناس بها. وربّما ذكر أنّها الجمعة... والخلاف يرجع إلى الخلاف في الروايات، أو في الاجتهاد في تطبيق المعنى اللغوي على المناسبات الواقعية للتسمية.

(وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) القنوت في اللغة هو الدعاء، أو مطلق العبادة في حال القيام. وربّما يطلق على الطاعة. وقد روي عن الإمامين الباقر والصادق (ع)، أنّ المراد به – هنا – الدعاء في الصلاة حال القيام.

وهي دعوة للمؤمنين بأن يكون قيامهم، في حياتهم، لله لا لغيره؛ لتكون حياتهم في كلّ منطلقاتها ومعطياتها لله سبحانه، بحيث يتحركون في خط الله ولأجله في كلّ أعمالهم وأقوالهم؛ وأن يدواموا على الطاعة في صلاتهم وفي دعائهم وفي كلّ مواقع الطاعة، في كلّ قضايا الحياة التي يتعلق بها حكم لله من حرام أو واجب.

وجاء عن زيد بن أسلم قال: كنا نتكلّم على عهد رسول الله (ص) في الصلوة، يكلم الرجل منا صاحبه، وهو إلى جنبه في الصلاة حتى نزلت: (وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) فأمرنا بالسكوت، ونهينا عن الكلام. ►

 

المصدر: كتاب تفسير من وحي القرآن

ارسال التعليق

Top