• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

صلح الحديبية.. محطة لفتح مكة ونشر الإسلام

عمار كاظم

صلح الحديبية.. محطة لفتح مكة ونشر الإسلام

صلح الحديبية عهد واتفاق، تم بين المسلمين وقريش في ذي القعدة من السنة السادسة للهجرة قرب موضع يقال له الحديبية قبيل مكة. ففي ذلك العام رأى رسول الله (ص) في منامه أنّه يدخل هو وأصحابه المسجد الحرام، وأنّهم يطوفون بالبيت، فأخبر رسول الله (ص) أصحابه بذلك، ففرحوا فرحاً شديداً، فرؤيا الأنبياء حقّ، وقد اشتد بهم الحنين إلى تأدية النسك والطواف بالكعبة ودخول مكة، موطنهم الأول ومسقط رأسهم .ومن المعلوم أنّ رسول الله (ص) قد هاجر من مكة إلى المدينة المنورة مُكرهاً بسبب عدم استجابة عشيرته "قريش" لدعوته للدخول في الدين الجديد، وبعد سنواتٍ من الدعوة إلى الإسلام مع ما رافقها من مشقّة وتعب وعناء استجاب أهل المدينة للدين الجديد، وهاجر الرسول (ص) إليهم، وأقام بينهم وشرع بإقامة النواة الأولى للدولة القائمة على أساس التشريع الإسلامي الإلهي.

وقد أغضبت الهجرة وما ترتّب عليها في المدينة قبيلة قريش وأهل مكّة عموماً، وكذلك اليهود الذين وجدوا في قيام دولة الإسلام خطراً عليهم وعلى مصالحهم، ممّا دفع بهؤلاء المتضرّرين جميعاً من الإتفاق على محاربة النبي (ص) والمجتمع الإسلامي الأوّل قبل أن تتوطّد أركانه وتشتدّ قوّته، وكان نتيجة تلك المحاربة حصول معارك كثيرة انتصر المسلمون في عددٍ منها، وخسروا في أخرى، إلّا أنّ كلّ ذلك أدّى إلى شعور المسلمين بالقوّة وأنّ مجتمعهم قويٌّ ومتينّ وقادرٌ على الصمود والتحدّي والمواجهة، وهذا ما أدّى إلى اقتناع النبي (ص) بأنّ مجتمع المسلمين في المدينة صار ناضجاً وبالغاً سنّ الرشد والوعي الكافي للإستمرار. هذا الاطمئنان من رسول الله (ص) دفعه إلى التفكير بزيارة مكة لحج بيت الله الحرام بعد سنواتٍ من الغربة والهجرة القسرية التي فرضتها عليه قريش بممانعتها ورفضها ومحاربتها إياه وتأليب الناس عليه، ويمكن القول بأنّ من أسباب الزيارة: اطمئنان النبي (ص) إلى أنّ المجتمع الإسلامي في المدينة قد صار أمراً واقعاً لا يمكن إزالته ومحوه من الوجود بسهولة خصوصاً بعد كلّ تلك الحروب التي خاضها المسلمون بدءاً من بدر إلى أُحد وغيرها ممّا أعطى المؤمنين قوّةً وبأساً وشجاعةً للدفاع عن دينهم ومعتقدهم. وأيضاً إظهار قوّة المسلمين لقريش ومَن يحالفها من الباقين على شركهم وكفرهم، وأنّ النبي (ص) ومَن معه سوف يدخلون مكة لأداء العمرة وهي فريضة إلهية من دون خوف على مجتمع المدينة المسلم الذي صار قادراً أن يدافع عن نفسه ولو لم يكن النبي (ص) حاضراً بينهم.

وهكذا خرج رسول الله (ص) من المدينة إلى مكة لأداء العمرة بمن معه من المسلمين وغيرهم قبل ذي القعدة بأيام ليصادف وصوله إلى مكّة وقد دخل الشهر الحرام، وهكذا كان، ووصل النبي (ص) إلى "الحديبية" ووقف هناك لأنّ قريشاً وحلفاءها وقفوا في مواجهة النبي (ص) ومن معه رافضين دخولهم مكّة ولو من أجل أداء العمرة، وكانوا قد جهّزوا أنفسهم للقتال فيما لو أصرّ النبي (ص) على الدخول إليها.

وممّا لا شكّ فيه أنّه لو استطاع النبي (ص) الدخول إلى مكّة بمن معه من المسلمين وهم بتلك الكثرة والمهابة لأثار ذلك الفعل الكثير من الأمور في نفوس أهل مكة الذين كانوا لا يزالون على كفرهم وشركهم، ولأثّر ذلك على مكانة النافذين أمثال أبي سفيان وغيره من زعماء قريش الذين رفضوا الإسلام وحاربوه بكلّ قوّة، ولكن بما أنّ رسول الله (ص) خرج مسالماً غير محارب فقد جرت مفاوضات طويلة بينه وبين زعماء مكّة حول الدخول ومنعه منه إلى أن تمّ الإتفاق أخيراً بعد محاولات عديدة على أن يرجع النبي (ص) إلى المدينة من غير دخول مكّة، على أن يعود في العام القادم ويدخل مكّة ومن معه من المسلمين لأداء العمرة وتكون مكّة خالية من أهل المشركين لمدة ثلاثة أيام ليتسنّى للمسلمين أداء المناسك بحرّية وراحة تامّتين، وأن لا يكون مع المسلمين سلاحٌ غير سيوفهم في أغمادها لا غير، وأنّ كلّ مَن أراد من أهل مكة الدخول في الإسلام كان له ذلك، ومَن أراد من المسلمين الرجوع إلى حالة الكفر فله ذلك أيضاً من دون تدخّل من زعماء وقيادات الطرفين.

إنّ خروج النبي (ص) كان نتيجة وحي إلهي من أجل تهيئة الظروف للفتح الكبير لمكة وإنهاء عبادة الأوثان كلياً. من هنا نقول أنّ صلح الحديبية كان محطّة مهمّة جداً ومفصلاً أساسياً في مسيرة المجتمع الإسلامي الذي قاده النبي (ص) وكان المقدّمة الأخيرة التي أدّت إلى فتح مكة بعده بقليلٍ ليبدأ الإسلام مسيرته المظفّرة.

لقد كان صلح الحديبية غنياً بالدروس والحِكَم، التي ينبغي الوقوف معها والاستفادة منها في واقعنا ومستقبلنا كأفراد ومجتمعات.

ارسال التعليق

Top