• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

ضعف التمثيل النسائي في المواقع القيادية

سهى هشام الصوفي

ضعف التمثيل النسائي في المواقع القيادية

 

إذا كان هناك ضعف في تمثيل المرأة داخل المراكز القيادية، فلابدّ أن تكون هناك جملة من المعوقات التي تضعف موقعها كفرد يُؤخَذ عليه هشاشة في الموقف، وعجز عن تولي مركز قيادي بكل مسؤولياته. فهل الأزمة أزمة ثقة، أم كفاءة؟ أم الاثنتان معاً؟ وكأنَّ المواقع القيادية مرتبطة في المفهوم التقليدي بالرجل لكونه القائد، أو صاحب السلطة والهيمنة الذكورية في المكان الذي يشغله. إلا أننا، وعلى الطرف الآخر، نجد نماذج مشرّفة من السيدات اللواتي وصلن إلى المواقع القيادية وحققن فيها النجاح المنشود، ولكن بعد تجاوز العديد من العراقيل، سواء أكانت إجتماعية، سياسية، مؤسساتية، أم حتى الشخصية. - عراقيل مجتمعية: "المرأة مؤهلة، مجتهدة، صبورة، ذات عزيمة عالية. ولكن هناك عراقيل تحول دون وصولها إلى المراكز القيادية التي تحلم بها". بهذه الكلمات، تبدأ الدكتورة مليكة مساعد هيلتون (مدير عام لشركة في لندن) حديثها، رامية التهمة على "العراقيل المجتمعية التي تحاول الحد من عزيمة المرأة وطموحها في مجتمع لا يزال يحمل طابع الذكورة وبقوة". وتؤكد الدكتورة مليكة "أنّ المرأة التي تفتقر إلى الإيمان بقدراتها، سوف تُسلّم أمام أول حجر يعترض طريقها. لهذا يُطلق لقب "المرأة الحديدية" على المرأة التي تصل إلى موقع قيادي، لما تبذله من تحدٍّ وعزيمة في طريقها". وتشبّه الدكتورة مليكة المرأة التي تتعرض للمعوقات الاجتماعية بـ"رجل الإطفاء الذي ينشغل بإطفاء النار ويبتعد عن التركيز في أمور أخرى". وهذا في اعتقادها "الهدف الضمني الذي يحمله المجتمع تجاه المرأة، التي تجرأت على التفكير في الخروج من بوتقتها إلى بَوْتَقة أخرى مصنوعة خصوصاً على مقاس الرجل الشرقي". ورداً على سؤال يتعلق بأسباب هذه المعتقدات التي تبوح بها، على الرغم من إقامتها في الخارج، تجيب: "علاقتي بالكثير من سيدات الأعمال العربيات وبصاحبات المواقع القيادية، كونت عندي تلك القناعات التي أجزم أنها ثابتة في أي مجتمع ومع أي امرأة. لهذا، فإن ضعف التمثيل النسائي في المراكز القيادية هو أزمة مجتمعية بنسبة 100 في المئة، لأنّ الكفاءة موجودة عند المرأة، عربية كانت أم غربية".   - رواسب: في المقابل، تقول مندوبة منظمة "الباوا" ("المنظمة الأفريقية للنساء لدى دول مجلس التعاون") سارة الخويلدي: "إنّ ضعف التمثيل النسائي في المراكز القيادية، يعود إلى أزمة ثقة المرأة بنفسها، وكذلك ثقة المرأة بالمرأة". فالمعوقات الاجتماعية حسب تعبيرها "هي مجرد رواسب من الماضي تعيش عليها بعض السيدات ليُبرّرن غيابهنّ اللافت عن المراكز القيادية"، لافتة إلى "أن تلك الصورة هي صورة مزيفة لواقع لم يعد يعترف بها، لأنّ المؤسسات في المجتمعات العربية باتت تؤمن بالدور الحيوي للمرأة، وبحاجة تلك المراكز إليها، ناهيك عن العمل المؤسساتي الهادف إلى تعزيز ما يسمّى التنمية البشرية، التي من شأنها أن تساعد المرأة على تطوير ذاتها واكتشاف مهاراتها، وتلمُّس الطريق إلى كفاءتها بشكل يؤهلها لبلوغ المراكز القيادية التي تفتح أبوابها للمرأة من دون شرط أو قيد". وتشير الخويلدي إلى "مؤتمر الأدوار القيادية للمرأة"، "الذي يعمل ومنذ العام 2006 على دفع المرأة الشابة نحو تلك المواقع، في محاولة لمساعدتها على بلوغ المناصب القيادية وأخذ دورها بالكامل". وهذا كما تقول سارة: "دليل على تبني مؤسسات الدولة قضية الدور القيادي للمرأة والتي تعمل جاهدة على مساعدتها والإيمان بمقولة: (Yes I can do it).   - أزمة ثقة: من جهتها، ترى أستاذة التاريخ المؤرِّخة والباحثة الدكتورة فاطمة الصايغ "أن ضعف التمثيل النسائي في المراكز القيادية، لا يرتبط بأزمة كفاءة، إنما هو أزمة ثقة بكل ما تحمله الكلمة من معنى". ولكنها تشير في المقابل إلى أن "ليس شرطاً أن تكون هذه الثقة نابعة من المرأة تجاه نفسها، بل من الآخرين، ومتمثلة في المجتمع، والمرأة الأخرى، وبأيّ أحد خارج نطاقها الشخصي"، مبرهنة، وعن تجربة وتعاطي يومي مع خريجات الجامعة، بأنّ "الكفاءة الشخصية والجامعية موجودة وبامتياز. ولكن ما يحدث هو أن يقابلها عدم ثقة حين تكون على مقربة من تبوؤ المركز القيادي، الأمر الذي يزعزع نظرتها إلى نفسها، وتقييمها الشخصي". تتابع د. الصايغ حديثها، وتقول مؤكدة: "بصفتي أكاديمية وأعمل مع طالبات الجامعة بشكل مستمر، أستطيع القول إنّ الفتاة المتخرجة بامتياز تصاب بحالة من الخوف، وهي تقترب من سوق العمل"، مشيرة إلى "افتقار الأنثى العربية بشكل خاص إلى مهارة تقديم نفسها، والثقة بما تمتلكه من أدوات معرفية وعلمية وحياتية". تضيف: "لهذا، من غير الممكن أن تجتاز اختبار القبول في مركز مهني عادي، وهي تفتقد تلك المهارات. فكيف إذا تحدثنا عن مراكز قيادية لهاملامحها ومعطياتها وحاجاتها؟". تتابع: "مع ذلك، اللوم لا يقع عليها، بل على المجتمع الذي يزعزع ثقتها بنفسها، على الرغم من المزايا التي تحملها والطاقات". تستطرد: "لعل ما يساعد على تأزم مسألة الضعف النسائي في المراكز القيادية، هو كمية السيناريوهات التي تصوغها المرأة وهي تتقدم من أجل اللحاق بتلك المراكز، فالخوف من التقييم، والخوف من المحاربة، وكذلك الخوف من التشكيك في الإمكانات يجعلها تتقدم خطوة، وتتراجع خطوتين، وهذا ما ينعكس على تمثيلها بشكل يُضعفه ويزعزع صورته".   - تفاؤل: مرة أُخرى، يُقال عن المعوقات التي تعرقل وصول المرأة إلى المراكز القيادية إنها مجرد حديث قديم في موضوع أكل الدهر عليه وشرب. هذه القناعة التي تبدو في مضمونها وشكلها رمزاً من رموز التفاؤل الذي ترفعه الدكتورة أمل الغافري (أستاذ مساعد في معهد "مصدر") عالياً، يؤكد أنّ الفرص متوافرة للمرأة في المراكز القيادية بالدرجة التي باتت حديثاً يدور بين السيدات الطموحات والساعيات إلى تلك المراكز، باعتبارها حقاً من حقوق الفرد رجلاً كان أم امرأة. لهذا، تنفي الغافري "وجود أية معوقات، سواء أكانت مجتمعية أم مؤسساتية أم حتى شخصية" وهي تتحدث عن التمثيل النسائي للمرأة في المراكز القيادية، باعتبار أنّ الواقع يقول عكس ما تردده القناعات الموروثة التي تحتاج إلى تغيير جذري وشامل. تضيف: "استطاعت المرأة العربية أن تحرز تقدماً ملحوظاً كمستثمرة وسيدة أعمال ناجحة ومؤثرة في المشهدين الاجتماعي والاقتصادي. لهذا، يتعيّن تحديد سبل ووسائل فاعلة لإلهام الجيل القادم من القيادات النسائية، إلى جانب تسليط الضوء على الإنجازات التي يقمن بها".   - تحدٍّ إيجابي: بعيداً عن الحديث عن وجود معوقات أو عدم وجودها، فالأهم كما تقول الأستاذ المساعد لهندسة البناء والإدارة الدكتورة نورا الكعبي: "هو وجود الإصرار النسائي على الوصول إلى المراكز القيادية"، لافتة إلى أن "ذلك الإصرار يبدأ من السفر إلى الخارج بهدف الدراسة، فهناك يبدأ التحدي، وهناك تدخل الفتاة في سباق مع نفسها لتعود ومعها مفاتيح الحلم، الذي تخطى مساحات الحلم إلى مساحات التنفيذ". ومن موقعها، تشير الدكتورة الكعبي إلى تجربتها التي خاضتها في جامعات الولايات المتحدة الأميركية، فتقول: "كنا ندرس بطريقة استثنائية لأننا لم نكن نريد لأنفسنا مستقبلاً غير استثنائي. لهذا، اجتهدنا ومارسنا على أنفسنا شتى أنواع التحديات حتى عدنا إلى الوطن بعد 7 سنوات لنخطو بخطوات مدروسة وواثقة تجاه الطريق الذي نريده". وعن ضعف التمثيل النسائي في المراكز القيادية في العالم العربي، تؤكد د. الكعبي "أن المسؤولية في هذا التمثيل، تعود في الدرجة الأولى إلى الأنظمة والقيادات نفسها. لهذا، فإن أي ضعف في التمثيل النسائي يعكس ضعفاً في ثقة القيادات بنسائها، وهنا مَرْبَط الفَرَس في القضية برمّتها". ومن هنا، تكرر د. الكعبي ما قالته د. الغافري، مشددة على "أنّ القيادة الحكيمة في الدولة، لا تتوانى عن منح المرأة فرصة الوصول إلى المراكز القيادية. والدليل على هذا، التمثيل النسائي الكبير في المشهد السياسي والاقتصادي والاجتماعي للدولة".   - حكراً على الرجال: بين أزمة الكفاءة، وأزمة الثقة، تميل كفة الميزان كما تقول مسؤولة برنامج إدارة الخدمات الاستشارية وبناء القُدرات، في الوكالة الدولية للطاقة المتجددة "إيرينا"، نور غزال أسود إلى "أزمة الثقة"، حيث تقول: "إنّ أكثر من 70 في المئة من طالبات المدارس، لا يخترن الدراسات والفروع العلمية مثل الهندسة أو العلوم أو الرياضيات، وهذا يعكس ضعف الثقة بالإمكانات التي لا يبذلن جهداً لاكتشافها". تضيف: "تعتقد الفتاة وهي على عتبات الجامعة أنّ الدراسات الأدبية سهلة، ولا تتطلب الوقت ولا حتى الجهد. لهذا، تعتاد على استسهال الخيارات والابتعاد عن المناطق التي تتركها طواعية للرجل، من باب أنها لم تُخلق لمثل هذه المهام الصعبة. وبعد ذلك تجد الفتاة نفسها شيئاً فشيئاً في مواقع مقبولة على حجمها الذي أسهمت في صنعه، وتعزيزه في المجتمع الذي تنتمي إليه". وهكذا، تعود غزال لتقول، ومن خلال الدراسات التي قامت بها في هذا الشأن: "كثيراً ما نجد عائلات لا تربّي بناتها على التفكير في الوصول إلى مراكز قيادية، فتشارك في خيار الفرع الجامعي، والمنحى الوظيفي، ومجال العمل في سوق الإنتاج، حرصاً منها على تهيئة الجو الوظيفي السهل والبسيط لابنتها"، مؤكدة "أنّ المجتمع بشكل عام والأسرة بشكل خاص لا يريدان الزج بالفتاة في مواقع قيادية باعتبارها حكراً على الرجل، لأنها يُنظر إليها وكأنها مراكز المتاعب والصعاب. لهذا، نجد أنّ الفتاة في صغرها تقول إذا سألها أحد عن المهنة التي تريدها مستقبلاً: "أريد أن أكون مدرّسة". وهذا الكلام لم يأتِ من فراغ، بل جاء معززاً ومشحوناً ومقوّى من قِبَل البابا والماما في الدرجة الأولى". وتختم قائلة: "من جديد، يعجز الأهل بجهل حيناً وبعفوية حيناً آخر عن اكتشاف مواهب الأبناء، التي من شأنها أن تساعدهم على تلمّس الطريق نحو المركز القيادي الذي نتحدث عنه".   - لا ترحيب: "ضعف التمثيل النسائي في المراكز القيادية ظاهرة عالمية قبل أن تكون عربية". بهذا، تقدم الكاتبة الصحافية الأستاذة عائشة سلطان، وجهة نظرها، فتقول: "إذا كان التمثيل النسائي في المراكز القيادية العربية ضعيفاً، فلِمَ لم نَرَ حتى اليوم امرأة رئيسة للولايات المتحدة الأميركية؟". مشيرة إلى "أن ظهور المرأة في مراكز قيادية في العالم الثالث، على سبيل المثال، لم يكن لكفاءة بحتة أو لثقة مجتمعية ومؤسساتية بحتة، بل جاء ضمن سياقات معينة مثل التوريث السياسي، كما حدث مع أنديرا غاندي وبي نظير بوتو. وفي المقابل، فإن وصول المرأة الغربية إلى مواقع قيادية، مثل رئيسة الوزراء البريطانية السابقة مارغريت تاتشر، لم يكن ليتحقق من دون الدعم الكبير الذي لاقته من المؤسسات والأحزاب والعمال، وغيرهما من الجهات التي ساعدت على وجودها في ذلك الموقع". وتتابع الحديث عن الوضع الاجتماعي للمرأة الذي يسبب ضعفاً في تمثيلها النسائي، فتقول: "لا تلقى المرأة أينما وجدت الترحيب والدعم المطلوبين لتوليها منصباً قيادياً، وهذا يعود إلى جملة من المعوقات التي تحد من مسيرتها أو أتجاهها، مثل علاقة الأنظمة السياسية بالديمقراطية أو تداول السلطة، وعدم ثقة المجتمع نفسه بالمرأة، الأمر الذي يحبط عزيمتها، ويجعلها كجندي أعزل في معركة غير متساوية على الإطلاق".   - هيكلة المؤسسات: القضية المهمة التي تطرحها سيدة الأعمال البحرينية، الدكتورة لولوة المطلق، في سياق الحديث عن ضعف التمثيل النسائي، تدور حول "الدعم الاجتماعي والمؤسساتي الذي تحظى به المرأة اليوم". فالمرأة ومن وجهة نظرها وصلت إلى مرحلة من التطور العلمي والوظيفي بشكل يفوق التوقعات، ولكنها لا تزال بعيدة على أن تكون شريكة في صنع القرار، أو شريكة محورية في إدارة المؤسسة التي تعمل فيها. وهذا لا يعني أن مؤسسات القطاعات العامة والخاصة لا تسعى إلى تطوير المرأة في المجالات، الصحية، المصرفية، الإدارية، وغيرها من القطاعات". إلا أنّ السؤال المهم في رأي المطلق يقول: "أين موقع المرأة في الهياكل التنظيمية لتلك المؤسسات؟"، حيث إنها تشير إلى أن "سعي المرأة، تقابله جملة من القيود التي تتكاتف لتحد من وصولها إلى مراكز صنع القرار، وهذا ما يجعل تمثيلها في سوق العمل بشكل عام، وفي المواقع القيادية بشكل خاص، ضعيفاً وهزيلاً بعض الشيء. وهنا، يصبح على المرأة أن تختار بين دورها الأسري والفطري تجاه أسرتها وبيتها، والتفرغ لمشروعها الذي سيمكنها من الوصول إلى المواقع التي تريد، الأمر الذي يفرض عليها الاختيار الصعب، أو بمعنى آخر التنازل عن حلم من أجل حلم آخر، أو التمسك بمشروع مقابل إلغاء مشروع". وتشرح الدكتورة المطلق محوراً أساسياً في القضية، فتقول: "تعتمد النظرة المؤسساتية إلى المرأة على قائد أو مدير تلك المؤسسة، فإذا كان إيمانه بأنّ المرأة بحق نصف المجتمع، وتتمتع بدور كدور الرجل، وبأن ضمها إلى هيكل المؤسسة سيضيف اختلافاً مثمراً وصحياً إلى آلية العمل، فعندها، ستبرع المرأة في تأدية دورها، لتكون بحق نصف المجتمع، فلا يقل تمثيلها عن تمثيل الرجل بشيء". تختم: "لكن، يبقى الجواب معلقاً بإدارة تلك المؤسسات التي بيدها أن تضعف من تمثيل المرأة في المواقع القيادية، وبيدها العكس تماماً كما أثبتت تجربة المرأة في القطاعات كافة التي تدخلها".   - أزمتان: "ضعف التمثيل النسائي في المواقع القيادية لا ينبع إلا من أزمة ثقة" كما تقول رولا حمدان (موظفة)، لافتة إلى "إن الثقة هنا، تكون مرة شخصية، ومرة مجتمعية". تضيف: "للأسف، لا وجود لواحدة من دون الأخرى، الأمر الذي يجعل الأزمة أزمتين، والمشكلة مشكلتين. فكيف ستحصل المرأة على ثقة بإمكاناتها وهي تعيش في مجتمع لا يثق بتلك الإمكانات؟". وتؤكد حمدان "أنّ الإمكانات تريد تربة لتظهر عضلاتها، ولكن في المقابل المجتمع لا يوفر تلك التربة، لا بل ويستكترها على المرأة".

ارسال التعليق

Top