• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

فضائل الصبر على المجتمع المسلم

السيد سابق

فضائل الصبر على المجتمع المسلم

◄قال رسول الله (ص): "ما يكن من خير فلن أدخره عنكم، ومَن يتعفف يعفه الله، ومَن يستغن يغنه الله، ومَن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء خيراً وأوسع من الصبر".

 

فضائل الصبر:

إذا أحصينا فضائل النفس الإنسانية برز لنا في طليعتها فضيلة الصبر والمصابرة، والثبات والمثابرة.

إذ أنّ هذه هي الفضائل التي تصنع الرجال وتنهض بالأمم، وتصل بها إلى أبعد الغايات من العلم والعمل، وترقى بها إلى الذروة في الصناعة والزراعة والتجارة، وسائر شؤون العمران.

وإذا لفتنا النظر إلى ما ينعم به البشر من النعم المادّية والروحية ظهر لنا أنّه ثمرة الصبر والكفاح ونتيجة الدأب والمثابرة.

ومن ثم جاء الدين الإسلامي يوصي بالصبر: ويذكره في أكثر من سبعين موضعاً في القرآن الكريم.

ففي بعض الآيات يأمر به سبحانه فيقول:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (آل عمران/ 200).

وفي بعضها يضيفه إلى الله تنويهاً به، ويخبر بأنّه مع الصابرين بتأييده وتوفيقه:

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (البقرة/ 153).

وهو السبيل إلى الرئاسة في الدنيا والإمامة في الدين:

(وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ) (السجدة/ 24).

ولن يفوز أحد بدرجات القرب عند الله إلّا عن طريق الصبر:

(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) (آل عمران/ 142).

وقد جعل الله لكلّ عمل صالح جزاء مقدراً إلّا الصبر، فإنّ الأجر فوق التقدير والحسبان:

(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) (الزُّمر/ 10).

والصبر هو الفضيلة التي كلّف الله بها أولي العزم من الرسل. فعن عائشة أنّ رسول الله (ص) قال: "إنّ الله تعالى لم يرضَ من أولي العزم من الرسل إلّا بالصبر، ولم يرضَ إلّا أن كلفني ما كلفهم فقال: فاصبِرْ كما صَبَرَ أولوا العَزْمِ من الرُّسُلِ والله لأصبرن كما صبروا".

وهو إحدى علامات الإيمان.

سأل رسول الله (ص) جماعة: "أمؤمنون أنتم؟

فقال عمر: نعم يا رسول الله.

فقال: فما علاقة إيمانكم؟

فقال: نشكر على الرخاء، ونصبر على البلاء، ونرضى بالقضاء.

فقال: مؤمنون ورب الكعبة".

وبهذه الصفة استحقت هذه الأُمّة التنويه بشأنها في الأوّلين.

قال أبو الدرداء: سمعت رسول الله (ص) يقول:

"إنّ الله عزّ وجلّ قال لعيسى بن مريم: يا عيسى، إني باعث بعدك أُمّة إن أتاهم ما يحبون حمدوا وشكروا، وإن أصابهم ما يكرهون احتسبوا وصبروا، أعطيهم من حلمي وعلمي".

 

مجالات الصبر:

وللصبر صور شتى، وشعب متعددة.

منها: الصبر في مواطن الحقّ، والثبات في وجوه خصومه حتى ينتصر، والجهاد من أجل استقرار المبادئ الكريمة، والعقائد الصحيحة، واحتمال الصعاب من أجل مطاردة الرذائل ومحاربة البدع والمنكرات حتى تختفي وتزول:

(يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (لقمان/ 17).

ومنها: احتمال أذى الغير ومقابلته بالعفو والمسامحة:

(وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ) (النحل/ 126).

(لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ) (آل عمران/ 186).

وقد وقف رجل على رسول الله (ص) وهو يقسّم الغنائم فقال: إنّ هذه قسمة ما عدل فيها وما أُريد فيها وجه الله.

فقال رسول الله (ص): "فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله – يرحم الله موسى، لقد أوذي بأكثر من هذا فصبر".

ومن شعبه الصبر عما يفوت من الحظوظ الدنيا، وعدم منازعة أهلها منازعة تفضي إلى الشقاق وحزازات الصدور.

والصبر عن معاصي الله بهجرها ومجاهدة النفس في تركها، مما يسمر بها ويقرّ بها إلى خالقها؛ ولهذا جاء الإسلام يمنعها من الاسترسال في الهوى والشهوة فيضع لكلّ حاسة أدباً، ويجعل الإنسان مسؤولاً عن كلّ تصرف يصدر عنه.

(وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولا) (الإسراء/ 36).

والإنسان لا يستغني عن الصبر في أداء العبادة والمواظبة على الطاعة، فقد ينتابه الفتور في العبادات البدنية، والبخل في العبادات المالية. فهو في حاجة إلى الصبر لينشط في الصلاة والحج والجهاد والسخاء بالإنفاق على المعوزين، ومواساة المحتاجين.

ومن أعلى مقامات الصبر: الصبر عند نزول النوائب، كموت أو ضياع مال، وضعف صحّة، وفساد عضو من أعضاء البدن.

وهذا يقتضي حبس النفس عن الجزع، واللسان عن التشكي، والجوارح عن فعل ما يذم ويقبح.

وأن لا يغير عادة من عاداته في هيئته، ولا في أكله، ولا في ملبسه ولا في مظهر بيته، بل يبقى على عاداته إظهاراً لرضاه بقضاء الله.

وفي الحديث عن رسول الله (ص): "ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في ولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة".

ويقول الرسول (ص): "ما يصيب المسلم من نَصَب (التعب) ولا وَصَب (المرض) ولا هم ولا حزن ولا غم حتى الشوكة يُشاكها إلّا كفر الله بها من خطاياه".

ولا يتنافى مع الصبر حزن القلب ولا دمع العين.

ففي الحديث: "إنّ الله لا يعذِّب بحزن القلب ولا بدمع العين. وإنما يعذِّب بهذا – وأشار إلى اللسان".

ولما قبض إبراهيم، ولد رسول الله (ص) قال:

"إنّ القلب ليحزن وإنّ العين لتدمع، ولا نقول ما يغضب الرب، وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".

وكذا لو ذهبنا نتتبع مجالات الصبر لألفينا أنّه لا يستغني عنه عالم يطلب الإمامة في العلم، ولا عامل يبتغي المهارة في العمل، ولا إنسان يريد أسمى الغايات ويصل إلى ذروة النجاح.►

 

المصدر: كتاب دعوة الإسلام

ارسال التعليق

Top