• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في أجواء ليلة القدر المباركة

الشيخ محمد علي الحاج العاملي

في أجواء ليلة القدر المباركة
هي أفضل ليلة على الإطلاق، فالآية الكريمة واضحة وصريحة في ذلك، حيث يقول تعالى: (لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِن ألفِ شهرٍ) (القدر/ 3)، فلم يرد تفضيلُ ليلة بهذا الشكل نهائياً. ثمّ إن شهر رمضان هو أفضل الشهور، وليلة القدر أفضل ليلة في شهر رمضان، ولذا قال الإمام جعفر الصادق (ع): "قلبُ شهرِ رمضان ليلةُ القدر". كما قال رسول الله (ص): "إنّ الله اختار من الأيام يوم الجمعة، ومن الشهور شهر رمضان، ومن الليالي ليلة القدر". وزيادة في تفضيل هذه الليلة المباركة فقد خصّها الله تعالى بسورة تُعرف بإسمها (سورة القدر). وخلفيّة أهمّية هذه الليلة تعود لكون القرآن الكريم نزل فيها. أضف إلى ذلك أنّ تقدير شؤون الخلق يحصل فيها (بكل ما يتعلّق بالولادات، والوفيات، والرزق، والسعادة، والشقاء...) وهذا ما جاء في قوله تعالى: (فِيها يُفْرَق كُلُّ أَمرٍ حَكِيمٍ) (الدخان/ 4). وقال أحد الأئمّة (ع) (الباقر أو الصادق (ع)): "تنزل الملائكة والكتَبة إلى السماء فيكتبون ما يكون في أمر السنة وما يُصيب العباد".

ومن هنا نعلم لماذا أراد الله، عزّوجلّ، أن تكون ليلة القدر هي ليلة عبادية، ليلة أريد لها أن تُحيا بطاعة الله، وبالتوجّه له بكل حاجاتنا ومطالبنا...، علّ الله يستجيب دعاءنا، ويغفر ذنوبنا، ويحقّق أمانينا...

·       تحديد ليلة القدر:

لحكمة إلهيّة مُعيّنة لم تُحدّد ليلة القدر؛ بل كلّ ما في الأمر أنّه وردت بعض الروايات التي استقربت كونها ضمن مجموعة ليالٍ... فمِمّا ورد في تحديدها أنّها الليلة الأولى من شهر رمضان، وقيل إنها ليلة النصف من شهر رمضان، وورد أنها في الليالي العشر الأخيرة، حتى أنّه روي عن الإمام جعفر الصادق (ع): "كان رسول الله (ص) إذا دخلت العشر الأواخر من شهر رمضان شدّ المِئزرَ واجتنبَ النساء، وأحيا الليل وتفرّغ للعبادة". وفي رواية عن الإمام علي (ع): "أنّ النبي (ص) كان يوقظ أهلَه في العشر الأواخر من شهر رمضان، وإذا دخلت تلك الليالي دأب في العبادة وأدب أهله فيها". وهناك آراء متعدّدة حول تحديدها، فبعضهم يقول بكونها الليلة السابعة والعشرين، وبعضهم يقول إنّها الليلة الأخيرة، وآخرون يقولون بأنّها ليلة من ليالي شهر رمضان. ولكنّ الرأي الغالب يحصرها في ثلاث ليال، وهي: الليلة التاسعة عشرة، والليلة الواحدة والعشرون، والليلة الثالثة والعشرون. وأنها في واحدة من هذه الليالي. ويؤيّد هذا الرأي قول الإمام جعفر الصادق (ع): "اطلبها في تسع عشرة، وإحدى وعشرين، وثلاث وعشرين".

أمّا الدليل القاطع على كون ليلة القدر في شهر رمضان، فهو ما ورد في الكتاب العزيز: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ...) (البقرة/ 185)، واعطف على هذه الآية قوله تعالى: (إِنّا أنْزَلْناهُ في ليلة القَدْرِ) (القدر/ 1)، فالآية الأولى تؤكّد نزول القرآن في شهر رمضان، والآية الثانية تؤكّد نزول القرآن في ليلة القدر؛ لذا فلابدّ أن تكون ليلة القدر في هذا الشهر الفضيل.

·       فضل ليلة القدر والحثّ على إحيائها:

بقدر ما لهذه الليلة من الخصائص والفضائل... شدّدت الشريعة على ضرورة إحيائها بالعبادة والإنقطاع على الله عزّوجلّ. ففي رواية عن رسول الله (ص) أنّه قال: "مَن أحيا ليلة القدر غفر الله له ذنوبه، ولو كانت عدد نجوم السماء، ومثاقيلَ الجبال، ومكاييل البحار" وفي مورد آخر قال (ص): مَن صلّى ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر الله له ما تقدم من ذنبه". وعلى الإمام موسى الكاظم (ع): "مَن اغتسل ليلة القدر، وأحياها إلى طلوع الفجر خرج من ذنوبه". وفي حديث عن الإمام محمد الباقر (ع): "من وافق ليلة القدر فقامها غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر". كما ورد عن النبي الأكرم (ص) أنّه قال: "مَن صلّى ركعتين في ليلة القدر لا يقوم من مقامه حتى يغفر الله له ولأبويه، وبعث الله له ملائكة يكتبون له الحسنات إلى سنة أخرى، وبعث الله له ملائكة إلى الجنان يغرسون له الأشجار، ويبنون له القصور، ويُجرون له الأنهار، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى ذلك كلّه".        المصدر: كتاب (مفاهيم رمضانية)

ارسال التعليق

Top