• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

في الذكر حياة القلوب

عمار كاظم

في الذكر حياة القلوب

إنّ ذِكر الله باب للوقاية من الذنوب، وهو دليل تعلّق قلب الإنسان الذاكِر بالله عزّوجلّ، والسعي إلى لقائه. ولذا، كان الذِّكر الصادق هو الذي يستتبع العمل على لقاء الله؛ بالنحو الذي يليق وينبغي؛ أي بأن يلقى الله عزّوجلّ نقي الثوب، طاهراً من الذنوب، وإلّا كان من الاستهزاء أن يطلب الإنسان لقاء الله ولا يستعدّ له. رُوِي عن الإمام الرِّضا (عليه السلام): «سبعة أشياء بغير سبعة أشياء من الاستهزاء: مَن استغفر بلسانه، ولم يندم بقلبه؛ فقد استهزأ بنفسه، ومَن سأل الله التوفيق، ولم يجتهد؛ فقد استهزأ بنفسه، ومن استحزم، ولم يحذر؛ فقد استهزأ بنفسه، ومَن سأل الله الجنّة، ولم يصبر على الشدائد؛ فقد استهزأ بنفسه، ومَن تعوّذ بالله من النار، ولم يترك شهوات الدُّنيا؛ فقد استهزأ بنفسه، ومَن ذكر الله، ولم يستبق إلى لقائه؛ فقد استهزأ بنفسه».

كما حذّر القرآن الكريم من بعض المُلهيات المُوجبة لإنصراف الإنسان عن ذِكر الله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (المنافقون/ 9). هل اختبر الإنسان الموحِّد قلبه؛ في أنّه يأنس بذِكر الله أكثر ممّا يأنس بأحاديث الناس؟ وهل يرى نفسه في أثناء العبادة والدُّعاء أشدّ أُنساً منه بأوقات مجالسة الأصدقاء والسهر؟ وفي هذا الصدد يعلِّمنا الإمام زين العابدين (علیه السلام) كيف يستغفر الموحِّد من تلك اللحظات التي يأنس فيها بغير ذكر الله؛ لأنّ مَن تعلّق قلبه بالله يرى ذلك ذنباً مُوجباً للعبد، فلابدّ وأن يعقبه الاستغفار. عن الإمام زين العابدين (علیه السلام) - في مناجاة الذاكرين- : «واستغفرك من كلِّ لذّة بغير ذِكرك، ومن كلّ راحة بغير أنسك، ومن كلّ سرور بغير قربك، ومن كلّ شغل بغير طاعتك». إنّ قيمة ذِكر الله وأهميّته كبيرة جدّاً، والله تبارك وتعالى قال في محكم كتابه العزيز: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ) (العنكبوت/ 45). قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا تختارن على ذكر الله شيئاً فإنّه يقول: (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ)». وعنه (صلى الله عليه وآله وسلم): «ليس عمل أحبّ إلى الله تعالى ولا أنجى لعبد من كلّ سيِّئة في الدُّنيا والآخرة من ذكر الله. قيل: ولا القتال في سبيل الله؟ قال (صلى الله عليه وآله وسلم): لولا ذِكر الله لم يُؤمر بالقتال».

لذا فإنّ ذِكر الله تعالى بلا شكّ خير عمل نقوم به في هذا الدُّنيا الفانية، وهو أفضل ما ندّخره لساعة السؤال، وأثقل ما نجده في الميزان يوم الحساب، فقد قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ألا أُخبركم بخير أعمالكم لكم، أرفعها في درجاتكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من الدينار والدرهم، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتقتلوهم ويقتلوكم؟ فقالوا: بلى، فقال: ذِكر الله عزّوجلّ كثيراً». أمّا حقيقة الذِّكر فقد عبّر عنها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بقوله: «مَن أطاع الله عزّوجلّ فقد ذكر الله وإن قلّت صلاته وصيامه وتلاوته للقرآن».

إنّ الذاكر بمنزلة المصلّي والقائم بين يدي الله تعالى: (إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلَهَ إِلّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي) (طه/ 14). يقول الإمام الباقر (علیه السلام): «لا يزال المؤمن في صلاة ما كان في ذكر الله، قائماً كان أو جالساً أو مضطجعاً، إنّ الله تعالى يقول: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَاماً)». و«اللّهُمّ.. أسألك بحقّك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك أن تجعل أوقاتي من الليل والنهار بذكرك معمورة، وبخدمتك موصولة، وأعمالي عندك مقبولة، حتى تكون أعمالي وأورادي كلُّها وِرداً واحداً، وحالي في خدمتك سرمداً». إنّ في ذِكر الله تعالى صلاح الروح والقلب وشفاءهما من مرض الذنوب والآثار، فضلاً عن تحسين السلوك والأفعال، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «ذِكر الله شفاء القلوب»، وقال الإمام عليّ (عليه السلام): «مَن عمّر قلبه بدوام الذِّكر حسنت أفعاله في السرّ والجهر». وعنه (عليه السلام): «أصل صلاح القلب اشتغاله بذِكر الله». وأيضاً عنه (عليه السلام): «مداومة الذِّكر قوت الأرواح ومفتاح الصلاح». بل من الآثار المباركة لذِكر الله تعالى حياة القلوب ونورها، فعن الإمام عليّ (عليه السلام): «في الذِّكر حياة القلوب»، وعنه (عليه السلام): «عليك بذِكر الله، فإنّه نور القلوب».

وأخيراً: يقول الإمام السجّاد (علیه السلام): «يا من ذِكره شرفٌ للذاكرين، ويا من شُكرُهُ فوزٌ للشاكرين، ويا من طاعته نجاةٌ للمطيعين، صلِّ على محمّدٍ وآله، واشغل قلوبنا بذِكرك عن كلّ ذكر، وألسنتنا بشكرك عن كلّ شُكر، وجوارحنا بطاعتك عن كلّ طاعة. فإن قدَّرتَ لنا فراغاً من شغل، فاجعله فراغ سلامةٍ لا تدركنا فيه تبعةٌ، ولا تلحقنا فيه سآمةٌ، حتى ينصرف عنّا كُتّاب السيِّئات بصحيفة خالية من ذِكر سيِّئاتنا، ويتولّى كُتّاب الحسنات عنّا مسرورين بما كتبوا من حسناتنا».

ارسال التعليق

Top