• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

قصص تربوية هادفة في القدوة والمثل الأعلى/ ج (1)

أسرة

قصص تربوية هادفة في القدوة والمثل الأعلى/ ج (1)
القصة الأولى "أنا واحدٌ منكُم!!" رُويَ في سيرة النبي محمد (ص)، أنّه كان ذاتَ مرّةٍ في سفرٍ، وفي بعض الطريق توقّفت القافلة لإعداد الطعام، وطلب إليهم النبي (ص) أن يُعدّوا شاةً لطعامهم. فانبرى أحدهُم بالقول: يا رسول الله! عَلَيَّ ذبحها! وأردفهُ آخرُ: يا رسول الله! وعَلَيَّ سلخها! واندفعَ ثالثٌ: يا رسول الله! وعليَّ طبخها! فقال (ص): وعليَّ جمع الحطب!! فقال رفاقُ سفره: يا رسول الله! نكفيكَ العملَ!! فقال (ص): علمتَ أنّكم تكفونني، ولكني أكرهُ أن أتميّزُ عليكم، واللهُ سبحانه يكرهُ من عبدِه أن يراهُ متميِّزاً بينَ أصحابه!   - الدروس المُستخلصة: 1- حينما يضعُ القائدُ نفسه في مصافِ أتباعه، فإنّ ذلك سيربِّيهم على التواضع فيما بينهم، فإذا كان حالُ قائدهم أنّه يرفض التمييز وهو النبي، فمن تُخامرهُ نفسه أن يتميّز على سواه؟ 2- أن يختار القائد مهمّةً بسيطةً غيرُ معهودٍ من قائدٍ أن يختارها، كجمع الحطب مثلاً، لا يعني أنّه اختار الأسهل، بل يعني أنّه لم يستنكف، وهو الرسول القائد أن يقوم بمهمّةٍ قد يستنكفها الكبار والقادة وعلية القوم. 3- وأن تجلسَ وتنظرَ إلى الآخرين يعملون، وكأنّك مراقبُ عمل، حتى ولو أعفوكَ من المشاركة معهم، يجعلك تعيش الحرج من نفسك إذا كنتَ تُريد أن تربِّيها وتربِّيهم، وإلّا فقد يشعرك ذلك بالتعالي والتكبر، بأنّك المخدوم وهم الخدم. 4- (أكرهُ أن...) أسلوبٌ تربوي يتردّد في ثنايا قصصنا، وهو من أساليب التربية الذاتية في عدم السماح لشعور التميّز أن ينفذ إلى داخل النفس فيُشعرها بالرِّفعة أو الترفّع. 5- النبي، الأسوة الحسنة (ص)، لم يدع الموقف يمرَّ دونَ تثبيت مفهوم التواضع للجماعة، فهو يذكر عن ربِّه كراهيّته لتميّز العبد على أصحابه، فهو يكره لنفسه ما يكره له ربّه. 6- ونحنُ نفترضُ لو أنّ شخصاً رابعاً، قال: عليَّ جمع الحطب، لوجد النبي (ص) لنفسه عملاً يخدم به الجماعة، كما وزّعت هي الخدمات فيما بينها، لئلا يتميّز عليهم.   القصة الثانية "ما أنتم بأقدر منِّي!!" ورُوي عن رسول الله (ص) أيضاً أنّه تناوبَ هو وعلي بن أبي طالب (ع) ورجلٌ آخر في سفرٍ من الأسفار على ركوب بعير أوحد (ليس لهم غيره)، فإذا ركبَ أحدهم مشى الآخرون، فكان إذا جاءت نوبته (ص) في المشي مشى، فيعزمان عليه (يلحّان ويصرّان) ألا يمشي، فيأبى ويقول: "ما أنتم بأقدر مني على المشي، وما أنا أغنى منكم عن أجر".   - الدروس المُستخلَصة: هذه القصّة في سياق تلك القصّة، والسبب لأنّ القدوة هنا هي القدوة هناك. 1- من الطبيعي، ومن المتوقّع أن يعزم أصحابُ النبي (ص) على إكرامه وإجلاله وتعظيمه وعدم تكبيده أي مشقّة، فذلك خلق الأبرار الأخيار المؤمنين الصالحين، والنبي (ص) يعرف ذلك ويشكرهم على عرفانهم الذي يُمثِّل دليل محبّة، وآية تعظيم وتكريم، لكنّه – مع ذلك – يأبى – كما في القصة السابقة – أن يتميّز على أصحابه. 2- المشاطرة جميلة ومحبّبة، وهي من القائد أبلغ في التأثير، فالنبي (ص) يتشاطر في الشيء كما يُشاطر في الركوب، فلا يرض الاكتفاء بالثانية دون الأولى، فهو يتناوب على المشقّة، كما يتناوب على الركوب. 3- جوابه (ص) للعازمين عليه بالركوب درسٌ بليغ: "ما أنتم بأقدر منِّي على المشي، وما أنا أغنى منكم عن أجر".. فرجلاي سالمتان وأنا أستطيع المشي، وإذا كنتم تريدون من ركوبي ومشيكم الأجر، فأنا الآخر أطلبه كما تطلبونه، فليس لي غنى عنه!

ارسال التعليق

Top