• ٢٠ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١١ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

لماذا نستعيد ذكرى الحسين (ع) في كلّ عام؟

العلّامة السيِّد محمّد حسين فضل الله

لماذا نستعيد ذكرى الحسين (ع) في كلّ عام؟

◄في أجواء (كربلاء)، لابدّ لنا من أن نقف، ولو وقفة قصيرة، أمام هذا الحدث المأساوي والتاريخي، لنجيب عن بعض الأسئلة التي يتداولها الكثيرون من الناس، سواء ممّن ينتمون إلى أهل البيت (ع)، أو ممّن لا ينتمون إليهم فكراً وخطّاً ومذهباً.

سبب إحياء الذكرى

هناك حديث يتكرّر في كلِّ سنة: لماذا تستعيدون هذه الذكرى التي مضى عليها مئات السنين؟ وهل إنّ الحياة، في كلِّ تطوّراتها المأساوية، وفي كلِّ حركاتها الإصلاحية، تخلو من مأساةٍ تستدرّ الدموع، أو من حركة توحي للناس ببعض ما تتضمّنه تلك الذكرى من خطوط فكرية أو إصلاحية؟ لماذا تستعيدون هذه الذكرى التي ربّما تثير بعض الحساسيات في الواقع الإسلامي، وقد تنتج أحقاداً جديدة على أنقاض الأحقاد القديمة، في وقتٍ نحن بحاجة إلى أن ننـزع تلك الأحقاد من قلوبنا، وخصوصاً أنّ التحدّيات الكبرى التي تواجه الإسلام والمسلمين من جنود الكفر أو الاستكبار، كبيرةٌ جدّاً، وهي تفرض علينا أن ننسى كلّ الماضي بكلِّ تعقيداته أمام تحدّيات الحاضر؟ هذه أسئلة تدور في مجتمعاتنا كلّ عام.

أمّا مسألة إثارة ذكرى مأساة كربلاء، فالذين عاشوا المأساة انتقلوا إلى رحمة الله، وكلّ الذين صنعوا المأساة صاروا في رحاب الآخرة، وليست إثارتها في الحاضر محاولةً للاقتصاص ممّن صنعوها، أو الانتصار لمن وقعت عليهم وحلّت بهم، ولكنّ لعاشوراء تميّزها، وهي الذكرى التي قد لا نجد مأساةً مماثلة لها في تنوّعاتها. تميّزت عاشوراء، لأنّها ضمّت كلَّ نماذج الإنسان، فهناك الطفل الرضيع، وهناك الأطفال الذين لم يبلغوا الحلم، وهناك الشباب في تنوّعات أعمارهم، وهناك الشيوخ في سنّ السبعين والثمانين والتسعين، وهناك النِّساء في مختلف مميّزاتهن، من حيث الوعي، ومن حيث الشجاعة، ومن حيث صلابة الموقف.

ولذلك، فإنّنا نستطيع أن نقدِّم ـ من خلال إثارة ذكراها ـ لكلِّ مرحلة تاريخية، شخصيةً من هذه الشخصيات، حيث يمكن أن تحدّث الأطفال عن أطفال (كربلاء)، وما تميّزوا به من وعيٍ يتجاوز مرحلة الطفولة، ويمكن أن تحدّث الشباب عن ثقافةٍ وصلابةٍ وحركية وإيمان يتجاوز العمر الذي كانوا فيه، ويمكن أن نقدّم ذلك للشيوخ الذين يشعرون بأنّهم وفّوا قسطهم للعلى، وأنّهم ليسوا مسؤولين عن الدخول في ساحات الصراع، ولاسيّما إذا كان الصراع صراعاً حادّاً في ساحة الحرب، ويمكن أن نقدّم النِّساء في تنوّعاتهن الفكرية والإيمانية والروحية، وفي شجاعة الموقف.

ولعلّ ما نشكو منه في هذا المجال، أنّ الذين كتبوا السيرة الحسينية، لم ينقلوا إلينا إلّا جانب المـأساة في مواقف النِّساء، وهنّ يبكين هنا، ويلطمن هناك، حتى إنّ إثارة المأساة أخذت الكثير من صورة السيِّدة زينب (ع)، مع أنّها كانت تمثّل الصلابة كلّها، وهي التي كانت إلى جانب الحسين (ع)؛ تدعمه، وتحاوره، وتعيش معه، وربّما كانت تتشاور معه في سير المعركة، ولكنّ الذين يتحدّثون عن السيرة، جعلوها مجرّد نائحة تبكي وتلطم، تماماً كما لو كانت امرأة قبلية، تبكي أهلها. ولعلّ أكثر ذلك يبرز في الشعر الشعبي، الذي ينطلق من ذهنية ناظميه، ما قد لا يعكس الروحية الرسالية التي كانت تمثّلها السيِّدة زينب (ع)، وغيرها من بطلات كربلاء.

شخصيتان فريدتان

ثمّ إنّنا نجد في عاشوراء شخصيتين في موقع العنفوان، والعظمة، والروحانية، والعلم، والحركة، والانفتاح على الواقع والعمق الإنساني الثوري، والانفتاح المطلق على الله تعالى، فهناك الحسين (ع)، الذي إذا حدّقت فيه، رأيت بعضاً من ملامح رسول الله (ص)، في ما عاشه في طفولته مع رسول الله (ص)، وتجد فيه بعضاً من ملامح فاطمة الزهراء (ع)، في ما عاشه في أحضانها من كلِّ انفتاحات القيم والروحانية والمسؤولية والشجاعة، وتجد فيه عليّاً (ع)، في كلِّ شموخ البطولة والشجاعة، وفي كلِّ ما يتمثّل فيه من هذه الرحابة الفكرية والثقافية، التي امتلأ بها فكر عليّ (ع)، وتجد فيه كلّ هذه الأخلاقية الرائعة في انفتاح الحلم والخلق العظيم، في ما عاشه مع الإمام الحسن (ع). وقد لا نجد شخصية في التاريخ، حملت كلّ هذه العناصر، وكلّ هذه الملامح؛ هناك ثوريّون قُتِلوا أو استشهدوا، وهناك شخصيات حركية تحرّكت، ولكنّنا لن نقرأ في التاريخ، بما في ذلك التاريخ الإسلامي بعد رسول الله (ص) وعليّ (ع)، شخصية في مستوى شخصية الإمام الحسين (ع). لذلك، فإنّنا عندما نقدِّم الإمام الحسين (ع) في (كربلاء)، بكلِّ هذه العناصر، فإنّنا نصنع مجداً للأُمّة في تاريخها الذي ينفتح على حاضرها، ويتحرّك في صناعة مستقبلها. تجد هناك الحسين كوناً هائلاً في العلم، وفي الروحانية، وفي الثورة، وفي الأخلاق.

لذلك ربّما نكون قد ظلمنا الحسين (ع)، لأنّنا أخذنا منه جانب المأساة، واستغرقنا في كلِّ جراحاته، وفي كلِّ آلامه، ونسينا الحسين (ع) الإمام، واقتصرنا على حسين الثورة. وشخصية الحسين الثائر، إنّما هي من عمق إمامته، فإمامته أعطت للثورة شرعيّتها، لأنّ الثورة تحتاج إلى شرعيةٍ في كلِّ انطلاقتها وخلفيّتها، وما إلى ذلك. إنّنا نريد أن نأخذ الحسين (ع) كلَّه، بمواعظه، وبوصاياه، وبأخلاقيته، وبفقهه.

ثمّ نلتفت لنجد شخصية السيِّدة زينب (ع)، التي امتلأت علماً، وارتفعت روحانيةً، وعاشت شجاعة الموقف في صبرها وصمودها، في تحدّيها لكلِّ هؤلاء الذين صنعوا المأساة؛ في الكوفة عندما خاطبت ابن زياد، وعندما خاطبت الجماهير، وفي الشام، عندما خاطبت الطاغية يزيد. إنّنا قد لا نجد امرأةً في التاريخ الإسلامي، بعد الزهراء (ع)، في مستوى شخصية زينب (ع) في كلّ هذه العناصر.

لذلك، فإنّ ذكرى عاشوراء تمثّل ذكرى تنفتح على كلِّ عناصر الشخصية المتنوّعة التي يمكن أن تقدّم مدرسةً لكلّ الأجيال في تنوّعاتها البشرية، ممّا قد لا تجده في أيّة معركة أُخرى. قد نجد هناك أُناساً يسقطون في مأساةٍ هنا وهناك، وقد واجهنا الكثير من المآسي التي حدثت وتحدث في بلاد مختلفة، ولكنّنا لا نجد مثل هذه العناصر المتنوّعة في مواقفها، وفي إيحاءاتها، وفي وعيها، وفي إسلاميّتها، كما نجده في (كربلاء). هذا من الناحية العامّة.

ولذلك، نحن بحاجة إلى كربلاء في كلّ جيل، لتصنع كربلاء جمهورها في كلِّ تنوّعاته، ولتقدّم النموذج الأمثل الذي يمكن أن يكون القدوة لكلّ الأجيال في المستقبل.

الاحتجاج الأبدي

أمّا إثارة المأساة؛ أن نبكي، وأن نحزن، فإنّ المسألة لا تتّصل بالبكاء على ما حدث في التاريخ، أو تتّصل بالدموع الثورية ضدّ الذين صنعوا المأساة، لتنطلق الدموع الحارة لتحرق هؤلاء، ولكن من أجل أن نتفاعل مع هذه المأساة، لنحتجّ عليها، حتى لو كانت في التاريخ ولا علاقة لها بالحاضر إلّا من خلال هذه العاطفة التي تنفتح بنا على الذين عاشوا هذه المأساة، ولأنّنا إذا كنّا من الذين يرفضون المأساة في التاريخ ضدّ دُعاة الحقّ، وضدّ الأبرياء، فإنّ ذلك يؤدّي إلى أن تكون عقيدة رفض المأساة متجذّرةً في وجداننا، وفي نظرتنا إلى كلِّ حركة الصراع، من أجل أن يتجدَّد رفض المأساة في نفوسنا في كلِّ مأساة الحاضر، وأن نمنع مأساة المستقبل. وعندما تقف موقف اللامبالاة أمام المأساة التاريخية، ولاسيّما إذا كانت شخصيات هذه المأساة تمثّل قيمة روحية إنسانية، فإنّك قد تواجه اللامبالاة أمام مأساة الإنسان في الحاضر، لأنّك عندما تجمّد قلبك عن الخفقات الروحية المتعاطفة مع الذين عاشوا المأساة، فإنّ ذلك يحجّر قلبك. ولكن إذا كان قلبك ينبض ويخفق بالعاطفة للمأساة في التاريخ، ولاسيّما إذا كان هؤلاء يعيشون معك في انفعالاتك الروحية، فإنّك بذلك تعيش الرفض لكلّ الذين يصنعون المأساة في الحاضر.

إنّ الله تعالى قدّم لنا فرعون في القرآن الكريم، لا لنستغرق في شخصية فرعون التاريخية، ولكن لنأخذ هذا النموذج نموذجاً لكلِّ الفراعنة، وقدّم لنا نبيّه موسى (ع)، لنأخذ منه نموذجاً لكلّ الذين يسيرون في حركة الرسالات وحركة النبوّات. قد يعيش إنسان كبير في التاريخ، وينطلق في غيابات الماضي، ولكنّه يبقى نموذجاً وقدوةً، ولذلك قدَّم لنا القرآن الكريم المنهج الذي من خلاله نتحرّك مع النبيّ محمّد (ص)، وهو منهج الاقتداء. قال تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا) (الأحزاب/ 21).

إنّ تذكّرنا لمأساة (كربلاء)، يجعلنا نرفض مأساة الإنسان في كلّ بلد يسقط أحراره وأبرياؤه تحت تأثير الاستكبار العالمي. إنّ شعارات (كربلاء)، كقول الحسين (ع): «إلا وإنّ الدعي ابن الدعي، قد ركز بين اثنتين، بين السلّة والذلّة، وهيهات منّا الذلّة!»، أو قوله: «لا والله، لا أُعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقرّ لكم إقرار العبيد»، ليست شعارات المرحلة، بل هي شعارات للزمن كلّه، وهي شعاراتٌ نعيش تجربتها أمام الاستكبار العالمي، الذي يعمل على أن يُسقط كلَّ عنفواننا، وكلَّ حرّيتنا، وكلَّ استقلالنا، وكلّ عزّتنا، وكلَّ كرامتنا.

إذاً، لنتذكّر في عاشوراء، في مدى الزمن، كلَّ مستكبرٍ يريد أن نعطيه بأيدينا إعطاء الذليل، ويريدنا أن نوقّع على شروطه، أو أن نتنازل عن كلّ ما يريده منّا تحت عناوين مختلفة، لكنّ المسألة هي أن نعرف كيف نحرّك كربلاء، ولا نجعل كربلاء مناسبةً يستغرق الإنسان فيها بالبكاء، وإن كان للبكاء دوره، على طريقة ذلك الشاعر الذي يقول:

تبكيك عيني لا لأجل مثوبة        لكنّما عيني لأجلك باكية

إنّ البكاء عاطفة إنسانية لا يملك الإنسان أن يمسكها عندما يواجه المأساة، ولكنّ دور كربلاء هو أن نصنع الوعي للأُمّة، وأن نعرف كيف نواجه مشاكلها. والتفاعل بالحزن والبكاء، إنّما هو وسيلة من وسائل تجذير ذلك الوعي وتلك القيم في نفوسنا.

هدف الثورة الإصلاح

إنّ الحسين (ع) عندما انطلق، درس كلَّ واقع الأُمّة، ودرس شخصية الحاكم، وذلك عندما تحدّث مع أمير المدينة، ليقول له: «إنّا أهل بيت النبوّة، ومعدن الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي والتنزيل، بنا فتح الله، وبنا ختم الله، ويزيد رجل فاسق، شارب الخمر، قاتل النفس المحترمة، معلن بالفسق، ومثلي لا يبايع مثله»، وقوله «مثلي»، لا ينطلق من خلال خصوصية الحسين (ع)، بل إنّه يريد أن يقول: مثلي، أنا الذي ألتزم خطَّ الله ورسوله، أنا الذي ألتزم الإسلام، وأحمل مسؤولية الأُمّة في استقامتها، وفي تحقيق كلّ أهدافها على أساس الرسالة. وكأنّ الحسين (ع) يقول للمسلمين: مثلكم في كلّ تاريخ، وفي كلّ حاضر، وفي كلّ مستقبل، لا يبايع حاكماً مثل يزيد، بل لابدّ من أن يبايع حاكماً يحمل رسالة الإسلام، كالحسين (ع). لم يكن الحسين (ع) يتحدّث شخصياً، بل كان يتحدّث على أساس الصورة الرسالية للحاكم.

ثمّ نقرأ في كلمات الإمام الحسين (ع) عن بني أُميّة آنذاك: «واتّخذوا مال الله دولاً»؛ إنّه يتحدّث عن الحاكم أو الحكّام الذين يتداولون بأيديهم أموال الأُمّة، التي هي أموال الله تعالى، التي جعل لها مصرفاً لكلِّ حاجات الأُمّة، ولم يرخّص لأحد أن يستغلّها، كما قال الإمام عليّ (ع): «لو كان المال لي لساويت بينهم، فكيف والمال مال الله؟!». ثمّ قال الحسين (ع): «وعباده خولاً»، أي أنّهم استعبدوا الناس في واقعة (الحرّة)، إذ كانت التعليمات لوالي المدينة أن يسترقَّ أهلها، وأن يستعبدهم.

تلك كانت العقلية والذهنية التي يعيشها أُولئك الطُّغاة والظالمون. ولذلك، فإنّ الواقع السياسي، والواقع الاجتماعي، والواقع الاقتصادي، وما إلى ذلك، ممّا كان في زمن الإمام الحسين (ع)، هو الذي دعاه (ع) إلى الثورة لأجل إصلاحه، ولابدّ لنا من أن ندرس كلّ ذلك، وأن نقارن بين ظروفنا في ما يشبه تلك الأوضاع وظروف تلك المرحلة.

نحن لا نستغرق في التاريخ لنغيب عن الواقع، ولكنّنا نأخذ من التاريخ الفكرة والعبرة والدرس، وخصوصاً أنّ هناك خصوصية في قيادة الحسين (ع)، التي تختلف عن أيّة قيادة إصلاحية في التاريخ، وهي أنّ الحسين (ع) إمام، والإمامة امتداد لحركة النبوّة، فهو يحمل الرسالة، ويتحرّك من أجل تأصيلها وتأكيدها، وتصحيح ما حاول الآخرون أن يغيّروه فيها، والإمامة عندما تتحدّث وتتحرّك، فإنّها لا تعيش في مرحلتها، وإنّما تتحدّث بالإسلام، وتطرح حركية الإسلام. ولذلك، فإنّ الإمامة تمتدُّ في امتداد الزمن، وهكذا، فنحن عندما نتذكّر الإمام الحسين (ع)، فإنّ الحسين (ع) ليس مجرّد شخصية تاريخية، ولكنّه إمامنا، نأخذ من أحاديثه، ومن سيرته، ومن حركته، نأخذ منها شرعية كلّ ما نتحرّك به بشكل مماثل.

كربلاء إسلامية

أمّا ما يقولونه، من أنّ إثارة كربلاء تثير الحساسيات بين المسلمين، وتخلق المشاكل بين السُّنّة والشيعة، ونحن في غنىً عن ذلك؛ لأنّنا في مرحلة تفرض على المسلمين أن يتّحدوا، وأن يتناسوا أحقاد التاريخ، فإنّنا نقول: إنّ كربلاء في مضمونها هي إسلامية، فالحسين (ع) هو الشخصية التي يلتقي عليها كلُّ المسلمين، فكلُّ المسلمين بكلِّ مذاهبهم، وكلّ تراثهم، وكلّ صحاحهم، يتحدّثون عن أنّ الحسن والحسين (ع) هما سيِّدا شباب أهل الجنّة، وعن محبّة الرسول (ص) للحسين (ع)، وعن عناصر الشخصية الحسينية في قيمتها الروحية والأخلاقية.

لذلك، فإنّ الحسين (ع) في الوجدان الإسلامي يمثِّل الشخصية التي تتركّز عندها الوحدة الإسلامية، لأنّ كلّ المسلمين من سُنّة وشيعة، ينفتحون على الحسين (ع) ويحبّونه. أمّا يزيد، فليس شخصية سُنيّة، فالسُّنّة لا يعظّمون يزيد، ولا يحترمونه، ربّما نجد بعضهم يحترم أباه، على أساس كونه صحابياً، أو خال المؤمنين ـ كما يقولون ـ أو من كتّاب الوحي، ممّا لا يُثبت له قيمة، ولكن يزيد ليس شخصية سُنيّة إسلامية يتعصَّب لها المسلمون السُّنّة. ولذلك، فإنّنا عندما نستحضر كلَّ ما يتميّز به هذا الشخص من حقارة ووضاعة وفجور وتمرد على الله تعالى، فإنّنا نرى أنّ ذكره بهذه الطريقة، لا يمثِّل مشكلة لدى المسلمين، سوى أنّ بعض الكتّاب بدأ يتحدّث أخيراً بشكل إيجابي عن يزيد، ولكنّه مجرّد حديث لا يملك امتداداً في الواقع الإسلامي. لذلك، فإنّ إثارة كربلاء في مضمونها الإسلامي، وفي مضمونها الروحي والحركي، من خلال شخصية الإمام الحسين (ع)، لا تمثِّل مشكلة في العلاقات بين السُّنّة والشيعة، ولا تمثِّل إساءة إلى الوحدة الإسلامية.

لنعش فكر زينب (ع)

وفي الختام، لابدّ من أن نستفيد في تربيتنا للمرأة المسلمة من موقف السيِّدة زينب (ع)؛ هذه الإنسانة المثقّفة، العالمة، والقوية، والشجاعة، والمتحدّية، التي عاشت العاطفة، ولكنّ العاطفة لم تغلبها، حتى في كربلاء، عن القيام بمسؤوليتها، لأنّ زينب (ع) عاشت كلّ ما عاشه الحسين (ع)؛ عاشت روحانية أُمّها، وعاشت عظمة أبيها وأخيها، ورافقت الإمام الحسين (ع). ولذلك، فإنّ علينا أن نفهم زينب (ع).. علينا أن نفهمها في فكرها، وفي ثقافتها، وفي حركتها، وأن ندرس خطبتها في مجلس يزيد، وكلماتها في مجلس ابن زياد، فلعلّنا نجد في زينب أُمّها فاطمة الزهراء (ع)، في دفاعها عن الحقّ في مسجد رسول الله (ص)، وفي وقوفها مع الشرعية، ومع الحسين (ع).

وبذلك، فإنّ (كربلاء) تمثِّل هذه الحركة المشرقة التي انطلقت من أجل تجديد الإسلام، من خلال هذا الدم الرسالي الحار. والسلام على الحسين (ع)، وعلى عليّ بن الحسين (ع)، وعلى أولاد الحسين، وعلى أصحاب الحسين، سلاماً أبداً ما بقيت وبقي الليل والنهار، ولا جعله الله آخر العهد منّا لزيارتكم.►

ارسال التعليق

Top