• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مجتمع المعلومات

د. عبد الأمير الفيصل

مجتمع المعلومات

◄تتعدد تعريفات مجتمع المعلومات، وهو المجتمع الذي نعيشه اليوم، فهناك مَن يعرفه نسبة إلى قطاع العمل الذي نشأ في ظل هذا المجتمع، وهو قطاع واسع يشمل إنتاج المعلومات وجمعها ومعالجتها وتوزيعها، وهناك مَن يعرفه نسبة إلى كون المعلومات صارت فيه مورده الأساس، بوصفها استثماراً وسلعة إستراتيجية ومصدراً للدخل، ويعرفه آخرون بناءاً على مرتكز التطور فيه ويحددونها بالمعلومات والحواسيب وشبكات المعلومات. والحقيقة أنّ مجتمع المعلومات هو كلّ ذلك، مضافاً إليه حقيقة كونه مجتمع وصلت إليه الإنسانية بعد تطور شامل في نواح الحياة كلّها، فمجتمع المعلومات إذن هو ذلك المجتمع الذي تسيطر المعلومات على مقدراته كلّها الاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية والسياسية والثقافية وغيرها، وهي التي توجهه وتقود تطوره الحاضر وترسم مستقبله.

وتؤدي المعلومات في مجتمعها الجديد، الدور نفسه الذي أدته الزراعة في المجتمع الزراعي، والصناعة في المجتمع الصناعي، وهما المجتمعان السابقان عليه في التقدم الزمني ولكنه تقدم عليها في سلم التطور الحضاري الإنساني. وقد حددت لهذا المجتمع المعلوماتي الجديد معايير استخلصت من دراسات عديدة تناولته بالبحث والتحليل، وهذه المعايير هي:

أ‌)       المعيار التكنولوجي: حيث تصبح تكنولوجيا المعلومات مصدر القوة الأساسية، ويحدث انتشار واسع لتطبيقات المعلومات في المكاتب والمصانع والتعليم والمنازل.

ب‌)  المعيار الاجتماعي: يتعزز دور المعلومات بوصفها وسيلة للارتقاء بمستوى المعيشة، وينتشر وعي الحاسوب والمعلومات، وتتاح للعامة والخاصة معلومات على مستوى عالٍ من الجودة.

ت‌)  المعيار الاقتصادي: وهنا تبرز المعلومات بوصفها عاملاً اقتصادياً، سواء من ناحية كونها مورداً أو خدمة أو سلعة، أو مصدراً للقيمة المضافة أو مصدر لتوليد فرص جديدة للعمالة.

ث‌)  المعيار السياسي: تؤدي حرّية المعلومات إلى تطوير وبلورة العملية السياسية، وذلك من خلال مشاركة جماهيرية أكبر وزيادة في معدل إجماع الرأي.

ج‌)   المعيار الثقافي: الاعتراف بالقيم الثقافية للمعلومات (كاحترام الملكية الفكرية والحرص على حرمة وخصوصية المعلومات الشخصية، والصدق الإعلامي والأمانة العلمية...) وذلك من خلال ترويج هذه القيم من أجل صالح الأفراد والمجتمع.

لذلك فإنّ مجتمع المعلومات الراهن يتميز عن المجتمعات السابقة عليه بمزايا وسمات خاصة أبرزها ما يأتي:

1- ظهور وانتشار الوعي المعلوماتي:

وهذه الظاهرة هي أهم صفات وخصائص مجتمع المعلومات الجديد، إذ لم تتوفر فيما سبقه مثل هذه الدرجة من الوعي بأهمية المعلومات وقيمتها وضرورتها في المجالات كلّها، والوعي بالمعلومات يتمثل بجوانب مهمة، مثل الإحساس بوجود المعلومات، والتمكن من التعامل معها والاستفادة منها، والاعتراف بأهميتها والقدرة على تحديد الحاجة إليها، ومعرفة مصادرها وكيفية الحصول عليها، والقدرة على تقييمها وانتقاء المناسب منها، وإمكانية إدامتها وتطورها والمحافظة عليها ويمكن تلمس مظاهر الوعي المعلوماتي في أمور كثيرة لعلّ أهمها ما يظهر في التناول الدراسي والبحثي لجوانب ومجالات المعلومات المتنوعة، وما أفرزته الدراسات والبحوث من نتائج فكرية كثيرة جدّاً غطت موضوعات ومصطلحات جديدة مثل: ثورة المعلومات، تكنولوجيا المعلومات، علم المعلومات، تسويق المعلومات، أخلاقيات المعلومات، الحقّ في المعلومات، احتكار المعلومات، أمية المعلومات، فجوة المعلومات، اقتصاد المعلومات، صناعة المعلومات، حرب المعلومات، وغيرها ومثلها كثير.

2- الانفجار المعلوماتي:

منذ أواسط القرن العشرين شهد العالم فيضاً هائلاً من المعلومات، المتدفقة بأشكال وأنواع متعددة وشديدة التنوع والتسارع والتراكم في شتى المجالات العلمية، من مطبوعات على شكل كتب أو دوريات أو منشورات ورقية أو فلمية أو إلكترونية، وبلغات العالم المختلفة وفي مختلف بقاع الأرض حتى عجزت مؤسسات المعلومات عن السيطرة والضبط لهذا الكم الهائل من النتاج الفكري العالمي.

وهذا الإنتاج الواسع من المعلومات كان بسبب التطور الكبير الذي حدث في مجالات البحث العلمي والتكنولوجي، وزيادة التخصص العلمي في مجالات علمية كثيرة لم تكن معروفة من قبل، مع ما وفرته تكنولوجيا المعلومات من إمكانيات كبيرة لطبع المعلومات ونشرها وبثها وتوزيعها في أرجاء العالم كلّها، فقد أضيفت إلى الوسائل الطباعية التقليدية وأساليب النشر القديمة، وسائل وأساليب جديدة مثل النشر الإلكتروني المعتمد على الحواسيب وعبر الشبكات، مما أوجد وضعاً جديداً وصوراً متوالية من الانفجارات المعرفية لم يشهد العالم مثيلاً لها في القرون السابقة، وجعلها في متناول فئات المجتمع كلّها.

3- تطور تكنولوجيا المعلومات:

لقد استخدم الإنسان منذ نشأته الأولى كلّ ما وفرته له لطبيعة من وسائل وأدوات التدوين وتسجيل معلوماته، صانعاً بذلك ذاكرة خارجية إضافية لذاكرته الداخلية ومحافظاً بها على تراثه الفكري للأجيال القادمة، ولكن في مجتمع المعلومات قامت الثورة العارمة في صناعة أدوات وأجهزة وأوعية متنوعة لمعالجة المعلومات وتداولها وحفظها وبثها تخطت حدود الزمان والمكان، وقد توجت هذه الثورة التكنولوجية لوسائل وأوعية المعلومات بالتزاوج الفعّال بين تكنولوجيا الحواسيب وتكنولوجيا الاتصالات في العقود الأخيرة من القرن العشرين، فكانت ولادة تكنولوجيا المعلومات التي أصبحت من أهم سمات ومقومات مجتمع المعلومات الراهن.

4- قيام مؤسسات المعلومات:

قامت في مجتمع المعلومات اليوم مؤسسات ذات وظائف مرتبطة بالمعلومات فقط، وتشمل هذه الوظائف إنتاج المعلومات أو تنظيمها أو تسويقها أو أيّة نشاطات آخر تكون المعلومات محوراً لها. فالمؤسسات الإعلامية ومراكز المعلومات ومؤسسات تقديم خدمات المعلومات.

ومؤسسات صناعية آخر ترتبط صناعاتها بالمعلومات فقط مثل شركات صناعة الحواسيب وأجهزة معالجة وتناقل المعلومات وشركات إنتاج البرامجيات وغيرها، هذه المؤسسات هي مؤسسات معلوماتية، وتشكل المعلومات عصب الحياة فيها، هذا فضلاً عن المؤسسات والمنظمات الكثيرة المعتمدة على المعلومات مثل المصارف وشركات النقل والتأمين والبورصات وغيرها.

5- نشوء اقتصاد المعلومات:

تعد المعلومات مورداً اقتصادياً متميزاً في مجتمع المعلومات، وأصبحت المعلومات أوّل الموارد الاقتصادية تتقدم على رأسمال والأرض والعمالة وغيرها من الموارد الاقتصادية التقليدية.

لقد كان الاقتصاديون التقليديون يركّزون على الموارد الاقتصادية الأخرى دون الانتباه إلى المعلومات، على اعتبار أنّها متوفرة وليست لها تكاليف مادية، أما اليوم فقد صارت المعلومات سلعة ولها ثمن، وإنّ أي مشروع اقتصادي لن ينجح إلّا بتوفرها، لذا فقد أخذوا يحسبون لها حساباتها، وإنّ قطاع المعلومات اليوم قطاع فعّال جدّاً في اقتصاديات الدول، وفي سياساتها الاقتصادية الداخلية والخارجية، وذلك انطلاقاً من مقولة أنّ مَن يمتلك المعلومات يمتلك القوّة.

6- ظهور أمية المعلومات:

وهي أمية جديدة خاصة بهذا المجتمع الجديد، ولم تكن موجودة في المجتمعات السابقة، وهي لا تقل خطراً عن أمية القراءة والكتابة، وتعني أمية المعلومات أو الأمية المعلوماتية "افتقار الفرد والمجتمع إلى الخبرات والمهارات اللازمة لتحقيق الاستثمار الأمثل لموارد المعلومات" وقد وجدت هذه الأمية بسبب التطور الكبير والمتسارع في تكنولوجيا المعلومات، الذي لم يعطِ الفرص الكافية لأفراد ومجتمعات كثيرة للتعرف على هذه التكنولوجيات وتعلم استخدامها والاستفادة منها، وأنّ أسباب ذلك كثيرة، لعلّ في مقدمتها التنافس القائم بين الدول والمجتمعات المتقدمة للسيطرة والتفوق على الدول والمجتمعات النامية، ومنعها من اللحاق بركب التطور الذي تسلموا قيادته.►

 

المصدر: كتاب كتاب دراسات في الإعلام الإلكتروني

ارسال التعليق

Top