• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

محمد (ص).. معجزة الإسلام

محمد (ص).. معجزة الإسلام

◄لقد بُعث عشرات الآلاف من الأنبياء الإلهيين، في مراحل تاريخية مختلفة، وفي نقاط شتى من العالم، وقاموا بمهامهم خير قيام في هداية البشر وتربيتهم، وخلفوا آثاراً ومعطيات مشرقة ومؤثرة في الشعوب. وقد قام كلٍّ منهم بتربية جماعة على أساس المعتقدات الصحيحة والقيم العليا، وكان لهم تأثيرهم غير المباشر في الآخرون، ووفِّق بعضهم إلى إقامة مجتمع توحيدي قائم على دعائم التوحيد والقسط والعدل، وتولّوا مهمة قيادته. وقد تميز من بين هؤلاء نوح وإبراهيم – عليهما السلام – وموسى وعيسى – عليهما السلام – بأنّ أنزل الله عليهم كتباً سماوية مشتملة على الأحكام والقوانين الفردية والاجتماعية، والتعاليم والوظائف الأخلاقية والقانونية، الملائمة لظروفها الزمانية والمكانية، فوضعوها في متناول أيدي البشر، من أجل هدايتهم لما فيه صلاحهم في الدنيا والآخرة.

ولكن هذه الكتب إما أنها اختفت تماماً على امتداد الزمان، أو تعرضت لتحريفات لفظية ومعنوية، ونتيجة لذلك كله شوهت الأديان والشرائع السماوية، كما تعرضت توراة موسى (ع) إلى تحريفات عديدة، ولم يبق من إنجيل عيسى (ع) شيء إلا ما كتبه بعض أتباعه من كتابات جمعت باسم (الكتاب المقدس).

ولو ألقى أي منصف نظرة على كتاب العهدين (التوراة والإنجيل) المتداول اليوم، فسوف يدرك بأنّه ليس هو الكتاب الذي أنزل على موسى وعيسى – عليهما السلام –. فالتوراة إضافة إلى أنها صورت الله تعالى بصورة بشرية بأنّه يجهل الكثير من الأمور والقضايا[1].

وأنّه يندم على ما عمله كثيراً[2].

وأنّه يصارع أحد عباده يعقوب (ع) ولا يتمكن من أن يصرعه، وأخيراً يتوسل إليه أن يكف عنه حتى لا يرى الناس إلههم في هذه الحالة المزرية[3].

كما أنها تنسب الكثير من الأعمال المنحرفة والبشعة لأنبياء الله، فتنسب الزنا بالمحصنة والعياذ بالله. لداوُد (ع)[4].

وشرب الخمر والزنا بالمحارم للوط (ع)[5] إضافة لذلك كله فإنّ التوراة تذكر بالتفصيل حكاية وفاة موسى (ع)، وكيفية وفاته ومكانها[6]، علماً أنّ التوراة نزلت على موسى نفسه!! ألا تكفي هذه النقطة وحدها لكي ندرك عدم صحة إنتساب هذا الكتاب لموسى (ع)؟! وأما الإنجيل فليس أفضل حالا من التوراة، إذ لا يوجد اليوم أي كتاب نزل على عيسى (ع)، وحتى المسيحيّون أنفسهم لا يدّعون بأنّ الإنجيل الموجود فعلاً هو الكتاب الذي أنزله الله على عيسى (ع)، بل إنّ هذا الكتاب المتداول اليوم يشتمل على بعض الكتابات المنسوبة إلى بعض أتباعه (ع)، وهو بالإضافة إلى تجويزه شرب الخمر، فإنّه يعتبر صنع الخمر من معاجز عيسى (ع)[7]!

وبإيجاز فإنّ ما نزل من وحي على موسى وعيسى – عليهما السلام – قد عُرِّضَ للتحريف، ولا يمكنه أن يقوم بدوره المنشود في هداية البشر. وأما لماذا وكيف تم هذا التحريف فله حكاية طويلة ليس هنا مجال البحث عنها[8].

أجل، في القرن السادس بعد ميلاد المسيح (ع)، وفي فترة طبق فيها العالم كلّه ظلام الجهل والظلم، وخدمت مشاعل الهداية الإلهية في كلِّ أنحاء العالم، بعث الله خاتم أنبيائه وأفضلهم في أكثر المناطق تخلفاً وإنحطاطاً وظلمة، ليضيء وإلى الأبد مشعل الوحي الساطع لكلِّ الناس، وليحمل للبشر الكتاب الإلهي الخالد المصون من التحريف والنسخ، وليعلم الناس المعارف الحقيقية والحكمة السماوية، الأحكام والقوانين الإلهية، وليقود البشرية جمعاء بإتجاه السعادة الدنيوية والأخروية[9].

يصف الإمام أمير المؤمنين (ع) في بعض خطبه الظروف والأوضاع التي كان يعيشها العالم خلال بعثة النبيّ (ص) فيقول: "أرسله على حين فترة من الرسل، وطول هجعة من الأُمم، وإعتزام من الفتن، وانتشار من الأمور، وتلظٍّ من الحروب، والدنيا كاسفة النور، ظاهرة الغرور، على حين اصفرار من ورقها، وإياس من ثمرها، وإغورار من مائها، قد درست منائر الهدى، وظهرت أعلام الردى، فهي متجهمة لأهلها، عابسة في وجه طالبها. ثمرها الفتنة، وطعامها الجيفة، وشعارها الخوف، ودثارها السيف"[10].

ومنذ ظهور نبي الإسلام، اعتبر البحث حول نبوة النبيّ (ص)، ورسالته وأنّ الدين الإسلامي المقدس على حقِّ، أهم موضوع لكلِّ إنسان باحث عن الحقيقة (بعد التوحيد). ومع إثبات هذا الموضوع، الذي يلازمه إثبات أنّ القرآن الكريم على حقّ، واعتباره الكتاب السماوي الوحيد بين أيدي البشر، والمصون عن التحريف والتغيير، سيهتدي البشر حتى نهاية العالم إلى الطريق الوحيد لإثبات سائر المعتقدات الصحية، وسيمسك بالمفتاح لعلاج كلّ مسائل الرؤية الكونية.

 

الدليل على رسالة نبي الإسلام:

يمكن أن نثبت نبوة الأنبياء من خلال ثلاث طرق:

الأولى: التعرّف على سيرتهم وسلوكهم، والاعتماد على القرائن والمؤشرات المؤدية للاطمئنان.

الثانية: إخبار الأنبياء السابقين وبشاراتهم.

الثالثة: المعجزة.

ولقد توفرت الطرق الثلاث لدى نبيّ الإسلام. فمن جانب، عاصر أهل مكة، النبيّ (ص) واطلعوا عن كثب على حياته خلال أربعين عاماً، فلم يجدوا نقطة ضعف في حياته المضيئة الحافلة بالنور والعطاء، وعرفوه بالصدق والأمانة، حيث لقبوه بـ(الأمين)، وبطبيعة الحال، فلا يحتمل الكذب في مثل هذا الشخص.

ومن جانب آخر وردت بشارات الأنبياء السابقين وإخبارهم ببعثته[11]. وقد كان ينتظر ظهوره جماعة من أهل الكتاب، وكانوا يعرفون بعض العلامات الواضحة والبينة عليه[12]، وكانوا يقولون للمشركين من العرب، بأنّه سيبعث بالرسالة أحد أبناء النبيّ إسماعيل (وهم من القبائل العربية)، يصدق الأنبياء السابقين والأديان التوحيدية[13]، وقد آمن بالنبيّ (ص) بعض علماء اليهود والنصارى، اعتماداً على مثل هذا البشائر والأخبار[14]، وإن أعرض بعضهم عن إعتناق الإسلام خضوعاً لدوافع نفسانية وشيطانية.

وقد أشار القرآن الكريم لهذا الطريق: (أَوَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ آيَةً أَنْ يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ) (الشعراء/ 197).

إنّ معرفة علماء بني إسرائيل بنبيّ الإسلام (ص) إستناداً لبشارات الأنبياء السابقين مثلما تعدُّ دليلاً واضحاً على صحة رسالته فهي حجّة على أهل الكتاب جميعاً، وكذلك تعتبر حجة مقنعة على أنّ الأنبياء المبشرين أنفسهم كانوا على حقِّ، وكذلك هي حجة للآخرين على انّ نبيّ الإسلام (ص) على حقِّ، وذلك لأنّهم يشاهدون بعيونهم ويميزون بعقولهم صدق البشارات والأخبار، والشواهد والعلامات التي أنبأ عنها الأنبياء السابقون عليهم السلام عن النبيّ (ص).

ومما يثير العجب والدهشة ويجدر الالتفات إليه هو أنّه حتى في هذا الإنجيل وفي التوراة المحرفة نفسها، وبالرغم من كلِّ الجهود التي بذلت من أجل إخفاء مثل هذه البشارات والأخبار، توجد بعض النقاط المضيئة التي تُتِمُّ الحُجَّةَ على الباحثين عن الحقيقة، كما اهتدى الكثير من علماء اليهود والمسيحيين الذين كانوا طلاباً للحقِّ والحقيقة إلى الدين الإسلامي المقدس، بتأثير هذه النقاط المضيئة، والبشائر المتبقية في كتابي التوراة والإنجيل[15].

وقد سجلت في كتب التاريخ والحديث الكثير من المعجزات البينة التي صدرت عن النبي (ص) وقد بلغ نقل الكثير منها حد التواتر[16]، ولكن العناية الإلهية اقتضت وجود معجزة أخرى تدل على النبيّ (ص) ودينه الخالد، بالإضافة لتلك المعجزات التي كانت حجة على الحاضرين والمشاهدين، ويتعرف عليها الآخرون على طريق نقلهم، وهذه المعجزة الأخرى، هي خالدة بنفسها تتم الحجة على البشر وإلى الأبد وهي القرآن الكريم.►

 

المصدر: كتاب دروس في العقيدة الإسلامية


[1]- التوراة، سفر التوين، الباب الثالث، الرقم 1208.

[2]- التوراة، سفر التكوين، الباب السادس، الرقم 6.

[3]- التوراة، سفر التكوين، الباب 32، الرقم 24-32.

[4]- العهد القديم، كتاب سموئيل الثاني، الباب 11.

[5]- التوراة، سفر التكوين، الباب 19، الرقم 30-38.

[6]- التوراة، سفر التثنية، الباب 34.

[7]- آنجيل يوحنا الباب الثاني.

[8]- إظهار الحقّ، تأليف رحمة الله الهندي، والهدي ألى دين المصطفى، للعلامة البلاغي، (راه سعادت بالفارسية) للعلامة الشعراني.

[9]- (هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ * وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الجمعة/ 2-3).

[10]- نهج البلاغة، الخطبة 187، وفي طبعة صبحي الصالح (منار) بلامن (منائر) الخطبة 89، ص121.

[11]- (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) (الصف/ 6).

[12]- (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف/ 157)، وانظر أيضاً: (البقرة/ 146) و(الأنعام/ 20).

[13]- (وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ) (البقرة/ 89).

[14]- (وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (المائدة/ 83)، وانظر أيضاً: (الأحقاف/ 10).

[15]- يمكن ان نعتبر من هؤلاء الميرزا محمد رضا (من علماء اليهود الكبار في طهران) مؤلف كتاب (إقامة الشهود في رد اليهود) والحاج بابا القزويني اليزدي (من علماء اليهود في يزد) مؤلف كتاب (محضر الشهود في رد اليهود) والبروفسور عبدالأحد داود الأسقف المسيحي السابق، ومؤلف كتاب (محمد في التوراة والإنجيل) الذي ترجم أخيراً من الإنجليزية للفارسية.

[16]- يلاحظ بحار الأنوار، ج17، ص225 إلى آخر الجزء 18، وسائر كتب الحديث والتاريخ المعتبرة.

ارسال التعليق

Top