• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

مشكلة الفجوة بين الآباء والأبناء

مشكلة الفجوة بين الآباء والأبناء

تختلف الطباع بين البشر وحتى العلاقات فيما بينهم فهناك من الأسر مَن تجد علاقة الترابط والتفاهم قوية جداً وهناك مَن تجد فجوة في تلك العلاقة بين الأبناء والوالدين، أنّ تلك الفجوة أن وجدت بين الأبناء والوالدين لها الكثير من الأسباب.

 

أسباب الفجوة:

أوّلاً: أسلوب التعامل من قبل الوالدين: فالكثير من الآباء والأُمّهات يعاملون أولادهم حتى في مراحل متقدمة معاملة يغشاها الكبت والقسوة واتخاذ القرارات بالنيابة عنهم حتى دون الرجوع إليهم ومهما يكون ذاك القرار صائباً ولكن كان الأولى بهم أن يأخذوا رأي هذا الابن أو البنت أوّلاً لأشعاره بأّنه أصبح إنساناً مكتمل العقل وعليه اتخاذ القرارات المناسبة وثانياً لزرع الثقة في نفسه لاتخاذ القرار السليم في قادم الأيام... وأنا أرى في هذا الجانب حتى أن يتركوا القرار للأولاد وإفهامهم أنّ عليهم تحمل تبعات ذاك القرار فبتلك الطريقة سيأخذ هذا الولد الأمر بمنتهى الجدية وسيعرف أنّ الأمر مصيري وسيتخذ القرار المناسب.

ثانياً: دور المجتمع والإعلام المرئي في خلخلة العلاقة المتينة بين الوالدين وأبناءهم لأنّ كثيراً من الصحبة السيئة والإعلام العربي وكلنا نعرف ما يقدمه لنا من فساد أخلاقي يكون له التأثير الأكبر على هؤلاء الأبناء وما يزرع فيهم من مبادئ خاطئة وأفكار هدامة إذا لم يكن الوالدين على وعي كامل ودراية بما يشاهد أبناءهم وما هو الضار والنافع لهم... ومهما يكن فعلى كلّ أب وأُم أن يحاولا قدر الإمكان زرع القدوة الصالحة فيهم ومحاولة أخذ رأيهم فيما يتعلق بشؤونهم.

http://www.forum.sh3bwah.maktoob.com

فيما تمر الأيام، وتتسابق السنوات في تغيير ملامح وأفكار الناس باستمرار، ينسى الآباء في كثير من الأحيان، أنّهم كانوا في يوم من الأيام أطفالاً وأبناء، يتذمرون من طلبات وأوامر الآباء، ويجدون – من وجهة نظرهم – إجحافاً من الآباء بحقّهم، وتقليلاً من شأنهم. فيما يغيب عن أذهان معظم الأبناء، أنّهم سيقفون يوماً أمام أولادهم، يفرضون عليهم ما يرونه – أنسب – لهم في كلّ شيء، ويحددون لهم الخطأ والصواب، ويقسون عليهم أحياناً. وبين نسيان الآباء محدودية فكر الأبناء، تتجدد مشكلة مستمرة، طالما بقيت الحياة تضج بالصخب والتجدد، وهي الفجوة بين الآباء والأبناء بكلّ أبعادها العمرية والفكرية والثقافية وما يتعلق بالعادات والتقاليد وما يرتبط بدخول تكنولوجيات جديدة وتطور على مختلف الأصعدة... وغيرها. ورغم أنّ لكلّ عصر خصائصه، وكلّ يرى أنّ عصره أكثر حساسية من غيره، فإنّنا نرى أنّ عصرنا كذلك، يتمتع بخصوصية فريدة، ساعدت في تباعد الفجوة بين الجيلين، بسبب ما دخل في عصرنا الحديث من تطور متسارع لم تشهد له الحقبات الماضية مثيلاً، وما شهده من تقارب في الزمان والمكان، وإلغاء لحواجز كثيرة ارتبط أساساً بالتكنولوجية التي حوّلت العالم إلى قرية.

 

مشكلات سببتها الفجوة:

إنّ الفجوات الموجودة بين جيل الآباء والأبناء تؤدي إلى جملة كبيرة من المشكلات نذكر بعضاً منها:

1-    جمود العواطف بين الآباء والأبناء.

2-    الانشغال عن الآخر (كلّ مشغول بنفسه، ويفكر بحياته ونجاحه).

3-    عدم المبالاة والاهتمام، وعدم وجود الثقة.

4-    التحطيم بالنقد، وعدم وجود المديح المنضبط.

5-    عدم وجود المزاح المنضبط.

6-    الشعور لدى الأبناء أنّ الأبوين فقدين لحسن التربية والفهم، وفاقد الشيء لا يعطيه.

7-    التفكك الأسري.

8-    عدم المشاركة في المناسبات.

9-    غياب الاحترام والتقدير.

10-                    واليأس من حالة الأبناء وتربيتهم.

11-                    انعدام وجود القدوة من الأبناء تجاه الآباء.

وغيرها من المشاكل الكثيرة...

http://www.portal.wahati.com

 

كيف تكون العلاقة بين الآباء والأبناء:

أنّ العلاقة بين العائلة والأسرة الواحدة ليست فقط علاقة أخ أو أخت أو أُم ولكن لابدّ أن تتكون صداقات بين أفراد العائلة فالأب يكون صديقاً مع أولاده والولد صديقاً إلى أُمّه وأبيه، فالعلاقات مع العائلة لابد أن تكون علاقات إنسانية ترفل في الحب والمودة والالتزام بكلّ متطلبات الصداقة مع الأغراب وقد جاء في الحديث "القرابة إلى المودة أحوج من المودة إلى القرابة".

وأما حقّ أُمك فإنّك تعلم أنّها حملتك حيث لا يحتمل أحد أحد وأعطتك من ثمرة قلبها ما لا يعطي أحد ولم تبالي أن تجوع وتطعمك وتعطش وتسقيك وتهجر النوم لأجلك أليس ذلك يستحق منك أن تقدم لها ولو معروفاً بسيطاً في حقها وهو شكرها واحترامها وتقديرها بل تستحق أكثر من ذلك.

وأما حقّ أبيك فتعلم أنّه أحبك وأنّه لولاه لم تكن ويجب أن تعلم أنّ أباك هو أصل النعمة عليك فاحمد الله وأشكره على قدر ذلك إلى أبيك كلّ ما يستحقه من حب واحترام وتقدير.

وأما حقّك أنت على أبيك فإنّه يكون في تربيتك تربية جيدة من قبل الوالدين فإن عمل الابن عمل سيء فيجب على الأب الاهتمام بكلّ ما يتعلق بأبنائه وتربيتهم تربية جيدة لأنّ الابن لو عمل أمراً حسناً فسوف يقولوا له رحم الله والديك وإن عمل سيء سوف يقولوا له لعن الله أباك فأيهما تفضل طبعاً رحم الله والديك فيجب على الأب أن يشكر ابنه على الإحسان وأن يعاقبه على الإساءة وعليك أن تدله على ربّه وأنّ قاعدة الإسلام اتجاه الأبوين هي قاعدة الإحسان لا قاعدة عدل فلا تقل إنّ أبي لا يعطيني فلا أعطيه أو أنّه لا يحترمني فلا احترمه قال الله تعالى: (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا) (الأحقاف/ 15).

نرى أغلب الأفراد تتقوى علاقتهم الروحية خارج الأسرة سواء أبناء أو آباء أيضاً، وذلك يرجع لتكوينهم التربوي طبعاً، فهناك نقص في ترسيخ العلاقة الروحية بينهم من البداية، فيصعب تصحيح هذه العلاقة فيما بعد، وهذا برأيي يرجع لثقافة الأبوين وتفهمهم لهذا الجانب، وبالتالي تربية الأبناء على فهم هذه العلاقة وأسسها، وبالتالي انصهار الأسرة فيما بينهم عاطفياً. وهناك الكثير من الأسس التربوية الإسلامية والاجتماعية النفسية التي يجب فهمها وتعلمها، حتى تكون العلاقات الأسرية في طريقها السوي وإن اعترضت بعض المشاكل... فمن السهل تخطيها لسبب بسيط ألا وهو البناء السليم والأساس المتين.

للعلاقات داخل الأسرة أهمية كبرى في حياة الأسرة وتكوين المجتمع، الكثير منا يطالب بكون العلاقة بين الآباء والأبناء علاقة مودة ومحبة وصداقة.

http://www.dewaniyat.com

مَن المسؤول عن هذه الفجوة بين الأب وأبناءه الأب أم الأُم أم كلاهما معاً؟

أظن أنّ الاثنان يتحملان المسؤولية في هذه الفجوة لأنّ الأُم لا تساعد أبناءها من التقرب من والدهم والعكس صحيح.

كيف نصغّر هذه الفجوة؟

حينما يبدأ الأبناء بفرض حنانهم لأبيها ومحاولة إيجاد أنفسهم داخل عينيه وذلك من خلال نقاش يغشاه علاقة إنسانية طيبة.

وإذا كانت علاقة الأُم وابنتها رائعة فهذا جيد وإذا كان العكس فإنّ هذا يكون له أضرار وخيمة – أنّ أعظم وأهم سبب في ضياع فتياتنا هي تلك العلاقة الجافة بين الأب وابنته مما ينتج عنه قصوراً في التربية وخللاً بكون هو المنفذ الكبير لـ"التلاعب" بأي فتاة ضياع الفتاة نفسياً وأخلاقياً – ضياع مستقبل ينتظر (أم تكون الجنة تحت أقدامها).

كثير من الفتيات يشتكين.. لكن لو أنّ كلّ واحدة استمعت لمن علاقة والدها بها أسوأ لكفت عن الشكوى.. منهن مَن تريده يضمها.. ومنهن مَن تريده يقبلها.. ومنهن مَن تريده يستمع لمواقفها وقصصها.. ومنهن مَن تريده يضحك ويمزح معها.. ومنهن مَن تريده يسمعها كلاماً رقيقاً.. ومنهن مَن تريده يحرص عليها ويسأل عن حالها.. منهن مَن تريده يتكلم معها..

ومنهن مَن تريده يجلس معها.. ومنهن مَن تتمنى أن تراه يوماً مبتسماً.. ومنهن مَن تتمنى أن يمر يوماً بل ربما ساعة لم يصرخ فيها عليها.. منهن مَن تتمنى أن ترى وجه أبيها بغير عبوس.. ومنهن مَن تدعو الله ليلاً ونهاراً أن يهدي والدها للصلاة فقط.. ومنهن.. ومنهن.. ومنهن...

وأخيراً، تلك الفتاة التي تتمنى أن يكون لها أب بأي صفة وبأي خلق.. المهم أن يكون لها أب مثل غيرها.. سواء كانت بنتاً أو زوجة.. حتى وأن كانت أماً عجوزاً.. فلديها إناء لابدّ من أن يمتلئ.. طلبي بأن لا ننتظر بل نبادر بالحب ومساعدة مَن نحب بالعطاء.. فالعطاء هو إناء العاطفة..

 

الكاتب: د. مجدي أحمد محمد

المصدر: كتاب أزمة الشباب ومشاكله بين الواقع والطموح (رؤية سيكولوجية معاصرة)

ارسال التعليق

Top