• ١٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

معجزات القرآن الكريم

د. إيمان إسماعيل عبدالله

معجزات القرآن الكريم

    (وَإنّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ العَالَمِينَ) (الشعراء/ 192). ورد في وصف القرآن الكريم أنّه حبل الله الممدود، وعهده المعهود، وظله العميم، وصراطه المستقيم، وحجته الكبرى، ومحجته الوسطى. وهو الواضح سبيله، الراشد دليله، مَن استضاء بمصابيحه أبصر ونجا، ومَن أعرض عنه ضل وهوى.

    القرآن الكريم هو كلام الله تعالى المُنزّل على عبده ورسوله محمد (ص)، وهو المعجزة الخالدة، وهو الشفيع لصاحبه وسبب لعلو قدره في الدنيا ورفعة درجته في الآخرة، قال رسول الله (ص): "اقرؤوا القرآن، فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه".

    وتستهل حديثها مبينة أنّ القرآن الكريم كتاب أنزله الله سبحانه وتعالى على رسوله الكريم (ص)، لا يأتيه الباطل بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد، فُصّلت فيه أحكام الإسلام وبُيّن الحلال والحرام، وذُكرت فيه قصص وأخبار ليعتبر بها ذوو العقول والأفكار، فيه الضياء والنور والشفاء لما في الصدور، مَن استضاء بمصابيحه أبصر ونجا، ومَن أعرض عنه ضل وهوى. فيه العلم لمن يبتغيه، والهداية لمن يريدها. هو نور الله المبين وصراطه المستقيم وحجته الكبرى وكتابه الخالد، أحاط بالقليل والكثير والصغير والكبير، لا آخر لعجائبه ولا نهاية لغرائبه ولا حد لفوائده، يحلو كما ردده العبد، ويعذب كلما تلاه، لا يمله من يسمعه ولا يسأم من يقرؤه أو يكتبه، ولا يمل من يردده مهما يُكثر من ترديده. سمعه الإنس فأعجبوا بعظمته، وسمعه الجن فولّوا إلى قومهم منذرين، قال تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) (الجن/ 1-2). فكلّ مَن آمن به قد وفق، ومن قال به صدق ومن عمل به فاز ومَن تمسك به هداه الله.

 

    - أعظم معجزة:

    إنّ القرآن الكريم هو أعظم معجزة للرسول (ص)، وقد كان أهل مكة يطلبون إلى محمّد (ص) أن يُجري ربه المعجزات على يديه حتى يصدقوه، فنزل القرآن يذكر ما طلبوه ويدفعه ببراهين متعددة. قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلا * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَرًا رَسُولا) (الإسراء/ 90-93).

    ولا ريب أنّ القرآن من عند الله وأنّ ما تضمنه حقّ لا شك فيه، ولا يجحد ذلك إلّا الجاحدون الظالمون. قال جلّ جلاله: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ * بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا الظَّالِمُونَ * وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (العنكبوت/ 48-51). والمعنى المراد لو كنت تعرف القراءة والكتابة لشك اليهود فيك، ولكن القرآن آيات واضحات في صدور المؤمنين ولا ينكر آياته إلّا اليهود الظالمون. وقال كفار مكة: هل أنزل على محمّد معجزات من ربه كمعجزات صالح وموسى وعيس (عليهم السلام)؟ قل لهم إنّ المعجزات عند الله ينزلها كيف يشاء، وإنما أنا منذر مبين، حتى تعرفوا طريق الخير وطريق الشر، أولم يكفهم في ما طلبوا أنا أنزلنا عليك القرآن يُقرأ عليهم، وهو معجزة خالدة باقية لا انقضاء لها بخلاف المعجزات الأخرى؟

    وإنّ في القرآن الكريم لرحمة وعظة للمؤمنين، قال الخبير العليم: (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ * نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) (الشعراء/ 192-195). والمعنى أنّ القرآن الكريم أنزله ربّ العالمين فهو كتاب الله نزل به جبريل على قلب محمّد (ص) بلغة عربية عذبة واضحة، ليكون محمّدٌ منذراً للعالم مبيناً لهم ما ينفعهم وما يضرهم. ويُلاحظ أنّ الآية الكريمة توضح أمرين مهمين، أحدهما هو المكان الذي نزل عليه القرآن وهو القلب، والأمر الثاني وهو اللسان الذي نزل به. أما الأوّل فلأنّ القلب هو المسيطر على الأعضاء، فإذا اعتقد بما أنزل عليه سخّر الأعضاء للعمل بما فيه، وأما الثاني فالمحافظة عليه كما أنزل، لأنّه من دعائم الإعجاز.

    وقال تعالى: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الآيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ * وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ) (الأنعام/ 109-111). ولم يرد في كتاب الله عزّ وجلّ معجزة أراد الله أن يؤمن جميع الناس بها إلّا القرآن الكريم. فالله سبحانه وتعالى جعل القرآن الكريم معجزة للرسول (ص) لأنّ الإيمان بالله وحده لا شريك له ليس في حاجة إلى معجزة، ولكنه في حاجة إلى تدبر هذا الكون الذي أبدعه الله تعالى، وأنّ الشهادة برسالة محمّد (ص) لا تحتاج إلى معجزة سوى القرآن الكريم، وتلاوة الكتاب الذي أوحاه الله تعالى إلى رسوله محمّد (ص)، وأنّ القرآن الكريم هو آخر كتاب سماوي أنزل من عند الله عزّ وجلّ على خاتم الأنبياء والمرسلين محمّد (ص).

 

    - كتاب خالد:

    القرآن الكريم هو كتاب ربّ العالمين للناس أجمعين لقوله عزّ وجلّ: (تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ * كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) (فصلت/ 2-3)، فالقرآن الكريم هو: (كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ) (هود/ 1)، والقرآن الكريم هو كتاب الله الخالد العزيز المنيع ومعجزته الكبرى: (لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت/ 42). وقد تكفل الله سبحانه وتعالى بحفظه لقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر/ 9). أي نحن نزلنا القرآن الكريم وإنا له لحافظون من التبديل والتحريف والزيادة والنقص، والقرآن الكريم هو: (كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ) (ص/ 29).

    والقرآن الكريم كتاب الله تعالى الذي أنزله على سيدنا محمّد (ص) فتحدّى به الإنس والجن، فعجزوا جميعاً كلّ العجز أن يأتوا بمثله، قال عزّ وجلّ: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) (الإسراء/ 88). وبعد أن تحقق من عجزهم مع ما عُرف عن العرب من الفصاحة والبلاغة، تحداهم الله تعالى أن يأتوا بعشر سور مثله بقوله جلّ شأنه: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (هود/ 13)، أي بل يقولون اختلق محمّد القرآن من تلقاء نفسه، فتحداهم الله تعالى. وبعد أن ثبت عجزهم مرة ثانية تحدّاهم الله عزّ وجلّ بأن يأتوا بسورة واحدة، قال تعالى: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) (يونس/ 38).

ارسال التعليق

Top