• ٢٩ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٩ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

معطيات شهر رمضان المبارك

معطيات شهر رمضان المبارك
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) (البقرة/ 183). (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ...) (الأنفال/ 24). إنّ دعوة الله ودعوة الرسل إنما هي دعوة للحياة بكل ما تعنيه وتشير إليه هذه الكلمة من المعاني الكبيرة. والمستجيب لله وللرسول في جميع شؤون الحياة هي التي تجعل الإنسان يحيا حياة طيبة.

والصوم هو جزء من تلك الدعوة الإلهية للحياة الطيبة لأنّ (الصوم) جزء من المنهج الرباني الذي يستهدف تعبيد الإنسان إلى ربه وتوليده من جديد ليكون الخليفة الحق لرب العالمين.

معطيات شهر رمضان المبارك:

1- شعور الصائم برقابة الله عليه: نحن في الصوم نمتنع طوعاً وإختياراً من مفرطات هي ضرورات قريبة منا ولصيقة بنا من أكل وشرب وجنس وهي محللة لنا وبالإمكان أن نتناولها بعيداً عن أعين الناس ولكن لم نفعل لأننا نشعر بالرقابة الإلهية، نمسك عنها تقرباً لله، هذا الشعور يولد (التقوى) التي فيها يستوي باطن الإنسان وظاهره في الإستجابة لمنهج الله والإلتزام الصادق المخلص لكل ما يدعونا إليه هذا المنهج فيصبح (الإنسان المتقي) موحد الشخصية لا تجد الإزدواجية إليه سبيلا. 2- يرتدي الصائم رداء الصبر عملياً: والصبر ضرورة لازمة لكل إنسان هادف جاد في الدنيا... (فالحياة صراع الإرادات) والمنتصر هو الأقوى إرادة والأكثر صبراً.. ففي أحاديث أهل البيت (ع) نجد "أنّ الصبر سلاح فعال لكل حالات الإنسان وأوضاعه". الإمام أميرالمؤمنين (ع): "الصبر صبران صبر على ما تحب وصبر على ما تكره" وحياتنا لا تخلو من هذين الأمرين ما نحب وما نكره وكلاهما يحتاج إلى الصبر، والصوم يساهم في صنع هذه الصفة والباسها للصائم عملياً ونظرياً وإذا تمكنا بالصبر من الإنتصار مقدمة للإنتصار على أعداء الإنسان في الخارج. 3- يتخلى الصائم عن الرذائل ويكتسب الفضائل: "صنع شخصية مؤمنة مثالية ملتزمة". في الصوم ينهانا المنهج الرباني عن أشياء ويأمرنا بأشياء أخرى. عن الإمام الصادق (ع): "إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك وبطنك وفرجك واحفظ يدك، وأكثر السكوت الاّ من خير". "فإذا صمتم فاحفظوا السنتكم عن الكذب وغضوا أبصاركم، ولا تنازعوا ولا تحاسدوا ولا تغتابوا ولا تماروا ولا تتنابزوا ولا تجادلوا ولا تظلموا ولا تسافهوا ولا تزاجروا ولا تغفلوا عن ذكر الله وعن الصلاة والزموا الصمت والسكوت والحلم والصبر والصدق ومجانبة أهل الشر واجتنبوا قول الزور..". أنّ شهر رمضان معهد نتربى فيه على الأخلاق الفاضلة وننتهي عن الرذائل، فمن خلال هذه المثل والقيم ان التزم بها الصائم يصبح شخصية مؤمنة مثالية ملتزمة وقائد منتصر وتصبح الأُمّة الإسلامية أُمّة ملتزمة وبالتالي تتوفق إلى رضى الله وعطفه عليها. 4- الصيام تأكيد لقيادة وسيطرة العقل على ضرورات الجسد: وبه يكون الإنسان أفضل من الملائكة، وأن الطواغيت لا يريدون ذلك لأنّ المجتمع الذي لا تقوده الشهوات ولا تسيطر عليه الغرائز لا يمكن لهم أن يجدوا به مكاناً لأنفسهم.. "فالصيام تغليب لإرادة الخالق على رغبات وأهواء المخلوق واعلاء لنفحة الروح على قنبضة الطين". 5- من معطيات الصوم.. الصحة النفسية والصحة البدنية: قال رسول الله (ص): "صوموا تصحوا". أي أنّ الصحة تشتمل الصحة في النفس والصحة في البدن ولا ريب أن صحة النفس هي الغاية القصوى التي يجب على الإنسان أن يسعى لتحقيقها ولا تصح هذه النفس إلاّ إذا سلمت من أسر الهوى والشهوات وانّ الصوم خير قامع للشهوات أي أنّ الصوم علاج خاص لمرض القلوب وكذلك تكون فائدة الصوم للبدن. 6- السيطرة على عدو الإنسان (الشيطان): يقول الرسول (ص): "أنّ الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم فضيقوا مجاريه بالجوع والعطش". فتتحقق سيطرة الإنسان على عدوه عندما يخفف من وطأة العادة في بدنه ومنه الصوم والصلاة وكل ما يؤدي إلى تخفيف الذنوب وتكفيرها ومحوها. لأنّ الشيطان موجود كوجود النفس والعقل وانّه يدخل في جوف الإنسان من طرق شتى ويقوم بمحاكمة مع العقل الإنساني وان إحدى مداخله عن طريق إشباع الإنسان حيث يكون أكبر همّه بطنه فيكون الصوم أحد الوسائل التي تقصم ظهر الشيطان والتي تمنع من دخوله في نفس ذلك الإنسان. 7- الصائم: قائم وشاهد: أنّ القدرة التغييرية المعبرة عن إرادة الرفض في بداية شهر شوال تكون قد تضاعفت في نفوس المؤمنين، لما يكون قد احدثه الصيام من رؤية بينة وتشخيص واضح للصالح والفاسد، من وقائع المجتمع وأمور المسلمين، لذا فإن ما أفرزته عملية المعاناة والتنمية الروحية طيلة الصيام، من تطلعات إرادية واعية، يجب أن تنصب على توجيه شراع المجتمع نحو شاطئ الإسلام. 8- شهر رمضان هو شهر الله تعالى وتصبح جميع الشهور هي شهور الإسلام: انّ حصاد شهر الصيام هو أن نقدم للناس نماذج حية من أنفسنا تدعو إلى الإسلام وتجسد الإيمان.. حيث يكون تعاملنا مع الواقع يتطابق مع منهج الإسلام، ويخدم مصالح الجماهير المقهورة. فمن حصاده أن نفكر بتناقضات المجتمع التي استمرت.. واستوطنت وشاعت حتى الفها الناس فصار المنكر معروفاً والمعروف منكرا!! فعندئذ نهتم بمآسي المحرومين الذين تواروا عن العيون خلف استار الشعور بالفردية والأنانية والإنغماس في الحياة المادية كما ونهتم بمصالح الأُمّة العليا: ثرواتها المنهوبة.. أراضيها السليبة كيانها الممزق.. قدراتها المشلولة، وان نبدأ التغيير من أنفسنا وأهلينا والآخرين. وبذلك نكون قد اطعنا الله واطعنا الرسول "ومَن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما".

ارسال التعليق

Top