• ٢٨ آذار/مارس ٢٠٢٤ | ١٨ رمضان ١٤٤٥ هـ
البلاغ

منهج القرآن الكريم.. إصلاح العلاقات الإنسانية

عمار كاظم

منهج القرآن الكريم.. إصلاح العلاقات الإنسانية

القرآن في دعوته ومنهجه يريد أن يبني الإنسان الصالح والمجتمع الصالح، وأن يصلح المجتمع الإنساني عندما يحدث فيه الفساد والانحراف، وتلك هي رسالة الأنبياء جميعاً؛ ولذا أرسل الله سبحانه الأنبياء والمرسلين، جيلاً بعد جيل؛ لإصلاح شعوبهم ومجتمعاتهم.. إصلاح العقيدة والفكر والتفكير، وإصلاح السلوك والعمل ونظام الحياة، وإصلاح العلاقات الإنسانية الفاسدة.

المجتمع البشري كالجسم البشري تحدث فيه الأمراض.. يحدث فيه الفساد الفكري والأخلاقي والسلوكي والمالي والسياسي؛ لذلك دعا القرآن - كما رأينا في مقدمة البحث - إلى الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومحاربة الفساد وجعل ذلك واجباً تعبدياً، ومسؤولية جماعية وسياسية. وبذا فإنّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الواجبات الكفائية ، التي يتوجه التكليف فيها للجميع، بل ويذهب بعض الفقهاء إلى وجوبهما العيني.

والقرآن شرَّع هذه الفريضة، وشدد على الأمر بها. قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 104). وبنصِّه الواضح: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (التوبة/ 71).

إنّ القرآن في هاتين الآيتين يأمر بالعمل الجماعي. أي العمل المؤسسي والتعاوني لمكافحة المنكر والفساد، ونشر الخير والمعروف والإحسان. يأمر بالعمل التعاوني والجماعي الذي يجب أن يكون في عالمنا المعاصر على شكل منظمات ومؤسّسات حكومية ومدنية منظمة، تعمل على النهوض بهذا الواجب الإصلاحي الخطير، وتتبع الوسائل العلمية والتقنية الحديثة. وذلك واضح في قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) (آل عمران/ 104)، فالآية تؤكّد على أن يكون من المسلمين: (أُمّة) أي جماعة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر.

وفي الآية الثانية وصفَ القرآن المؤمنين بأنّ بعضهم أولياء بعض.. يوالي ويناصر ويآزر بعضهم بعضاً، فيعملون على تكوين جماعة متعاونة لإصلاح المجتمع واستئصال جذور المنكر والفساد ونشر الخير والمعروف، ولا يمكن لأي عمل جماعي أو مؤسسي أن يُمارس مهامه إلّا بشكل منظم وتحت توجيه وإدارة ونظام عمل متكامل، وفي عالمنا المعاصر يحتاج إلى إمكانيات عديدة، ومنها استخدام التقنيات ووسائل الإعلام الحديثة والمشاريع الاجتماعية والخدمية والتربوية والتأهيلية والإمكانات المادّية.. إلخ.

وحين يُمارس أفراد المجتمع ومؤسساته الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سيحققون تطهير المجتمع من الجرائم والفساد والانحراف، كالقتل والسرقة والجريمة المنظمة والإرهاب والرشوة والخيانة والغيبة والربا والاحتكار والتلاعب بالأسعار والغش في الأسواق وظلم الآخرين من الرجال والنساء وتسلط الحكّام الطُّغاة والفساد المالي والإداري والقضائي، والكذب والزنا واللواط وشرب الخمر والمخدرات، وعقوق الوالدين وأذى الجار وشهادة الزور والفكر المنحرف المنحل والتحلل الأخلاقي.. إلخ، فكلّ تلك الأعمال هي منكرات يعمل المصلحون: الدولة والأفراد والمؤسسات على تخليص المجتمع منها.

وبذا سيعمل أفراد المجتمع إلى جانب القضاء وجهود الدولة في عملية الإصلاح ومحاربة الفساد والانحراف وإعادة بناء المجتمع وإصلاحه وتخليصه من الظواهر السلبية الهدامة، والدعوة مفتوحة في القرآن إلى ردع هؤلاء ومحاربتهم بأقسى العقوبات: ﴿إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (المائدة/ 33).

وفي موسوعات الفقه الإسلامي نجد منظومة متكاملة من الأحكام والقوانين الجنائية التي تحدّد وصف هؤلاء الجُناة، ونص العقوبات التي يستحقها هؤلاء المفسدين في الأرض والمحاربين لله، أي المحاربين للحقّ والعدل والأمن والسلام ومنهاج الهدى والإصلاح؛ ليستأصل الإرهاب والفساد، ويتحقّق الإصلاح والأمن والسلام في الأرض، وذلك ما يأمر به القرآن بنصِّه: ﴿إِنْ أُرِيدُ إِلّا الإصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ﴾ (هود/ 88).  وقال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ (هود/ 117).

ارسال التعليق

Top