• ٢٦ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٧ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

موجة أكتوبر العاصفة: جيل الشباب في مواجهة ساسة الفساد

د. أسعد كاظم شبيب

موجة أكتوبر العاصفة: جيل الشباب في مواجهة ساسة الفساد

كان الأوّل من أكتوبر من هذا العام بمثابة انطلاقة لموجة جديدة من الاحتجاجات ضد العجز السياسي، الفساد، المحاصصة، والركود في ملف الخدمات والإعمار والتوظيف لتكون بمثابة الموجة الخامسة من حركة الاحتجاجات التي شهدها العراق بعد سقوط النظام الاستبدادي السابق.

 وما يميّز هذه الموجة من الاحتجاجات بروز الشباب العراقي في مقدّمة التظاهرات، والذين تتراوح أعمارهم بين 16 إلى 26 عام، وهذا يعني أنّ هذه الموجة تسيطر عليها هذه الفئة من الشباب من طلبة الإعدادية والجامعات والخريجين وهم الذين لم يعيشوا مرحلة حكم البعث بالكامل وجلهم قد يكون من مواليد بداية الألفين من هذا القرن، وهم بقدر عدم انتماءهم سياسياً إلى حقبة البعث وسلوكه يتميّزون أيضاً بالسخط من حكم الأحزاب السياسية وساسة العراق الذين حكموا العراق بعد عام 2003 وأسرفوا في المال العام ولم يحقّقوا العدالة الاجتماعية بين أبناء الشعب العراقي، بل أنّهم زادوا من الشرخ الطبقي عبر الامتيازات التي شرعت لشرائح معيّنة على حساب فقر وانعدام شرائح أُخرى لاسيّما فئة الشباب.

وهنا نحن أمام جيلين مختلفين: جيل أصحاب السلطة وهم من الخط الأوّل والثاني وحتى الثالث الذين عاشوا سنوات معارضة النظام البعثي السابق في الخارج، وعندما مسكوا بمسند السلطة سعوا إلى توظيف مغانمهما إلى نفعهم الخاص فتحوّل نمط الحكم الذين كان من المفترض أن يكون ديمقراطياً تحوّل إلى نمط من الاولغارشية الفاحشة، وذلك عبر الامتيازات التي شرعت لهم وكذلك من خلال استغلال المنصب والموقع السياسي والإداري وابتعدوا عن النهج الفني الشفاف في إدارة الدولة.

 وكانوا طلاب سلطة إذ يعتقد هؤلاء أنّ السلطة تؤدِّي إلى الثروة في حين قلة منهم رجال دولة، إذ أنّ رجال الدولة بشكل خاص وفلسفة الديمقراطية بشكل عام تقوم على أنّ الثروة تؤدِّي إلى السلطة وبالتالي هؤلاء بجميع انتمائهم نظروا إلى الدولة كغنيمة يجب اكتنازهم وأنّ سنوات الحرمان لابدّ وأن تُعوض بمستويات مالية ووظيفية مضاعفة، وإلّا كيف نفسّر الجمع بين راتبين أو أكثر وتشريع امتيازات مالية ووظيفة ودراسية لم تشرع لكلِّ معارض في أي نظام سياسي قادته من المعارضين والمضطهدين، ومن مميزاتهم أنّهم يعدوا الناس بكلِّ شيء وأي شيء.

 ولكنّهم عندما يتسلمون الحكم تنتهي النشوة وتبدأ صحوة الأنا، ويسعون للمحافظة على ذلك أمّا بمواقع تنفيذية أو دبلوماسية.

وأمام هذه الفجوة بات المواطن العراقي بشكل عام والشاب بشكل خاص يعي حجم هذه الفجوة في حين أنّ الركود في مجالات الخدمة العامّة والصحّة والتربية والتعليم هو المسيطر، وتبدد حلم دولة الرفاهية والعدالة لدى المواطن بالكامل منذ التغيير وإلى الآن في دولة مثل العراق ذو الموازنات الانفجارية المعتمدة على الاقتصاد النفطي، وتغييب الاقتصاديات المحلية الأُخرى لحسابات تجارية وإقليمية، ساعد على هذا الوعي الجماهيري المتنامي ما يلي:

1- سقوط هياكل الاعتكاز على الطائفة وتخويف الطرف الآخر والعكس صحيح.

2- أفول خطر الاحتراب الطائفي.

3- هزيمة التنظيمات الإرهابية عسكرياً وجغرافياً وسقوط حلمهم بالخلافة كتنظيم داعش، وتنظيم القاعدة الإرهابيتين.

وبذلك انتهت حالة الترقب والصبر لدى هذه الفئات الشبابية أمام الفرصة التي منحت طوال السنوات الماضية، ومن خلال شكل التحدّي الذي ظهر مع احتجاجات الأوّل من أكتوبر يبدو أنّ هناك فئة لا تُخدع مرّة ثانية بالتسكينات والترقيعات وأنصاف الحلول، رغم أنّ العديد منهم يواجه صعوبة في فكّ تعقيدات شكل العملية السياسية التي هي انعكاس لخارطة المكونات الدينية والعرقية في العراق، فأزمة الإدارة والمحاصصة وانتشار الفساد ناجمة عن خلل بنيوي دستوري واضح لكلِّ ذو عين، وأي إصلاح تدريجي لابدّ أن يكون على النحو الآتي:

1- تعديل دستوري يبدأ من شكل نظام الحكم أمّا عن طريق إقرار خيار النظام الرئاسي المطمئن للمكونات الأُخرى حتى تترسخ قيم المواطنة، وتزول تخوفات المكونات من التهميش والإقصاء، أو بنظام شبه رئاسي، أو بترصين الحياة البرلمانية عبر تقليص الأحزاب السياسية وإنتاج برلمان فعّال وحكومة قويّة ومسيطرة عبر ائتلاف يحكم وهو الفائز في الانتخابات، وائتلاف في المعارضة.

2- إعادة النظر بالتشريعات البرلمانية ومنها قانون الأحزاب السياسية رقم (36) لعام 2015 بصورة تضبط التعدّدية الحزبية في إطارها العشوائي إلى نمط الثنائية الحزبية، وإيجاد قانون انتخاب عادل وواضح سواء في الانتخابات المحلية (انتخاب المحافظ فقط) (إلغاء مجالس المحافظات) والانتخابات العامّة (السلطة التشريعية) سواء كان النظام برلمانياً أو رئاسياً ولعلّ أفضل نظام بعد سيادة نظام التمثيل النسبي وفق طريقة سانت ليغو سيِّئة الصيت والمخرجات، تشريع قانون انتخاب قائم على أساس فردي ودوائر متعدّدة لكلِّ محافظة من محافظات العراق وهذا ما دعونا إليه منذ سنوات ونشرنا فيه دراسات بحثية تبيّن مزاياه وترد على بعض إشكالياته.

3- تعديل وإلغاء القوانين التي منحت امتيازات على أُسس سياسية وطبقية وحزبية انطلاقاً من تكافؤ الفرص والمساواة بين أبناء المجتمع العراقي بعيداً عن أي انتماء حزبي أو توافقي.

4- إلغاء الحلقات الزائدة، حيث أنّ وجودها يقابل مؤسّسات مشابهة كدائرة الإعلام والاتصالات وديوان الوقف السني والشيعي والمسيحي والصابئي ودمجها في مؤسّسة مستقلة وكذلك مؤسّسة السجناء ودمجها ببعض وزارات الدولة كوزارة العدل وما شابه وبذلك بعد تعديل يطال الجذر المتمثّل بالدستور العراقي.

5- الإسراع بتشريع قوانين هامّة، وتفعيل أُخرى مثل (قانون من أين لك هذا؟) من أجل محاسبة كلّ الفاسدين والذين اثروا على حساب المصلحة العامّة، وتشريع قانون الخدمة الاتحادية.

6- شيوع ثقافة سيادة القانون كركيزة أساسية للحكم الرشيد، وتطبيق القانون على الحكام والمحكومين، واستقلال القضاء، بالاستفادة من تجارب الدول الصاعدة عبر تطبيق سيادة القانون والوصول إلى الحكم الرشيد ودولة الرفاهية القائمة على الاقتصاد المتنوّع.

7- تفعيل دور المدعي العام في المحاكم ومؤسّسات الدولة في التحقيق وإدانة مرتكبي جرائم الإرهاب والفساد وفق عدالة قضائية مستقلة.

ارسال التعليق

Top