• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

هوايات الأطفال.. تصقل شخصياتهم وترسم مستقبلهم

هوايات الأطفال.. تصقل شخصياتهم وترسم مستقبلهم
يعتقد علماء الاجتماع أن هوايات الأطفال تعكس شخصياتهم المستقبلية، وترسم ملامحها بشكل واضح لا لبس فيه، ومن الممكن في رأي هؤلاء أن تصبح حياتهم أكثر سعادة إذا ما أتيح لهم ممارستها بحرية.. فما الهواية من وجهة نظر الصغار؟ وكيف يجب أن تتعامل الأسرة مع هذا النشاط؟ وهل يمكن أن تكون الهواية طريقاً نحو الإبداع؟   دعوهم يمارسوها بحرِّية: - القراءة والرسم! الطفلة ديمة داوود (11 سنة) تعتبر نفسها نموذجاً للتلميذة المجدة التي تعرف كيف تظم وقتها بين الدراسة وهواياتها في قراءة المجلات وكتابة القصص والكمبيوتر والمشاركة في المسابقات الأدبية. وتؤكد أنها تمارس هواياتها تلك بشكل "متوازن" وفي "الوقت المخصص" أي بعد أن تكون قد أنهت واجباتها المدرسية والمنزلية. بينما يهوى شقيقها الطفل حسام داوود (8 سنوات) الرسم وتركيب المكعبات البلاستيكية حيث يصنع منها أشكالاً متعددة فهو يحب – كما يقول – أن يجسد شكل مدرسته والبناية التي يسكن فيها، وباستطاعته استعمال المكعبات ذاتها في تركيب حديقة جميلة فيها "أشجار وأزهار ومراجيح" أو قلعة قديمة تضم عشرات الجنود المدججين بالسلاح.   - الخياط الصغير! من جانبه يولي الطفل حازم الشيخ (9 سنوات) اهتماماً لافتاً بتعلم اللغات الأجنبية، ونزولا على رغبته قامت والدته بإلحاقه بدورات لتعلم اللغتين الإنكليزية والفرنسية في وقت واحد، وقد أظهر حتى الآن – حسب معلمته – تميزاً واضحاً في استيعاب مفردات وقواعد كل لغة على حدة مما جعلها تصطحبه إلى رحلات ترفيهية بين الحين والآخر ليتحادث مباشرة مع السياح، وكانت خطوة مهمة جعلت الطفل يصر أكثر على استكمال طريقه في تعلم اللغات. لكن هوايات حازم لا تقف عند هذا الحد، فهو يميل بشكل غريب إلى استخدام أدوات الخياطة، وبإصرار بالغ يعتمد على نفسه في إصلاح ملابسه وحقائبه الممزقة بالإبرة والخيط والمقص وغالباً ما ينجح في أداء المهمة، كما تؤكد والدته التي لا تخفي اندهاشها من هواية طفلها الوحيد خصوصاً وأنّه "لا يوجد أحد في العائلة يعمل في الخياطة"!!. ولكن يتعلم "حرفة مفيدة في المستقبل إلى جانب التحصيل الدراسي، - على حد تعبيرها – قررت والدته أن تلحقه بورشة خياطة خلال العطلة الصيفية بعد أن فشلت في صرف انتباهه عن تلك الهواية لكونها مهنة "نسائية" كما تقول.   - ميول فنية واهتمامات بالرياضة والأدوات الكهربائية! وباستحياء تتحدث الطفلة ياسمين بسام (6 سنوات) على هواياتها المفضلة وتقول: "أحب أن أرقص وأغني وأعرض أزياء". وحين طلبنا منها أن تغني جلست على مقعد مرتفع وغنت كل الأناشيد التي حفظتها في الروضة مع بعض الأغاني التي تبثها الفضائيات، لكن ياسمين من أسرة محافظة ترفض تنمية هوايتها الفنية وتفكر في توجيهها نحو هوايات أخرى تتماشى مع "المعتقدات الدينية والعادات والتقاليد" كما يؤكد والدها الذي يقرّ بصعوبة هذا الأمر. وبدورها لم تستطع أسرة الطفل إبراهيم حامد (4 سنوات) تجاهل هوايته في لعبة كرة القدم بعد أن أظهر مهارات لافتة في ركل الكرة سواء بقدمه اليمنى أو اليسرى، هو يتابع باهتمام مباريات كرة القدم التي يعرضها التلفزيون من أوّلها إلى آخرها، بل إن والده يضطر إلى اصطحابه إلى مباريات الدوري بين الحين والآخر نزولا على رغبته، لكن الطفل – كما تؤكد والدته – لا يكتفي بمتابعة المباريات على الشاشة بل يمارس هوايته المفضلة في الحديقة العامة قبالة منزله لمدة لا تقل عن ساعة بشكل يومي تقريباً! ولعل هواية تفكيك الأدوات الكهربائية والأجهزة الإلكترونية لدى الطفلة آية حمادة تبدو شيئاً عادياً في ظل ما نشهده من تقدم تكنولوجي فرض أشكالاً متعددة من تلك الأدوات في كل البيوت، فرغم عشرات الألعاب التي يشتريها لها والداها إلا أنها سرعان ما ترميها لتلتقط التلفون والموبايل والراديو والمروحة وتقضي وقتاً طويلاً في تفحصها وفك أجزائها ثمّ محاولة تركيبها مرّة أخرى بشكل لافت للنظر. لم تجد والدتها وسيلة لإبعادها عن تلك الأجهزة مع أنها عاقبتها بالضرب الكثير عشرات المرات حتى تكف عن هذا الأمر، لكن الطفل سرعان ما تعاود سلوكها بالانجذاب نحو كل ما يقع تحت يدها من أجهزة كهربائية والكترونية!   - هواياتهم تساعدهم على التفكير المنطقي!

هوايات الأطفال في الواقع كثيرة ومتعددة وما تم استعراضه آنفاً هو غيض من فيض، لكن تلك الهوايات ربّما تثير أحياناً غضب الوالدين وضجرهم، وقد تتحول إلى مشكلة يعاقب عليها الأطفال بالضرب حين يعبثون بالأثاث أو يرسمون على الجدران فيتحول البيت إلى فوضى عارمة.

لذلك ينصح الأخصائي الاجتماعي حسن عاجي الأسر بالانتباه جيِّداً ومنذ وقت مبكر إلى هوايات أطفالهم؛ لأنّها "ستساعدهم على اكتشاف ميولهم ومهاراتهم وتنمية ذكائهم وتجعلهم أكثر تفاعلاً من الناحية الاجتماعية، حتى إن كانت من وجهة نظر الأهل تعتبر أنشطة عبثية وفوضوية. ويرى "عاجي" أنّ الهواية تجعل الطفل أكثر إصراراً ومثابرة وإبداع وحماسة واستقلالية وثقة بالنفس وتمنحه قدرة على حبّ التميز والتفكير المنطقي المقترن بحبّ الاطلاع والدافع القوي لكسب المعارف.   - لا تكونوا حاجزاً أمام إبداعاتهم! وفي هذا الإطار ينصح "عاجي" بضرورة إتاحة الفرصة أمام الأطفال ليمارسوا هواياتهم بحرِّية وانطلاق؛ لأنها تؤدي إلى تنمية تفكيره وإدراكه وتصقل شخصيته على كافة المستويات.. مشيراً إلى أهمية تعويد الأطفال على الاستفادة من إخفاقاتهم المتكررة أثناء ممارسة الهواية أي مساعدتهم على التعلم من أخطائهم. ويرى أنّ الألعاب تمكّن الصغار من الانخراط في أساليب المشاركة الفعالة والإحجام عن أسلوب المشاهدة والمراقبة السلبية وتمنحهم القدرة على التعامل مع المفاهيم المجردة التي يستقبلونها. في كلمة أخيرة يتوجه "عاجي" إلى الآباء والأُمّهات قائلاً: "لا تعارضوا هوايات أطفالكم؛ حتى لا تكونوا حاجزاً أمام إبداعاتهم".   - اكتشفوا ميولهم واستثمروها!

 

كيف نستثمر هواياتهم ونوجهها بشكل ملائم لتصبح ذات فائدة ومغزى في المستقبل؟

للإجابة عن هذا السؤال أشار عاجي" إلى مراعاة الاختلاف الفردية بين الأطفال والأخذ بعين الاعتبار تطلعاتهم واهتماماتهم وعدم فرض نوعية معينة من الهوايات عليهم، فعلى سبيل المثال إذا كان الطفل يظهر مهارات معينة باستعمال أصابعه ويديه في النجارة والحفر والخياطة أو يميل إلى ممارسة هواية الرسم أو الزخرفة أو النحت، فإنّه يجب على الوالدين – في رأيه – تشجيعه من خلال إمداده بالمواد والألوان اللازمة التي تتوافق مع سنه، وحثه على إدخال التعديلات المطلوبة على اللوحة أو القطعة التي يصنعها، كما يجب عليهم تقصي أدق التفاصيل التي يصنعها وتتبعه بالملاحظات الهادفة بغية تنمية الحس الإبداعي والابتكاري عنده. أما إذا كان الطفل يظهر ميولا أدبية أو تكنولوجية، فعلى الأسرة توجيه اهتماماته في خانة تصب ضمن هذا الإطار. ومن المفيد جدّاً في رأيه تعويد الطفل الذي يظهر تميزاً في التعامل مع الكمبيوتر اطلاعه على الكتب والدوريات والبرامج التلفزيونية التي تصقل هذه الهواية وتنميها حتى لا يتحول تعلقه بالجهاز إلى عبث ولهو وتسلية لا فائدة منها. ويجب إلحاقه بدورات تدريبية تفتح أمامه آفاقاً جديدة.. لافتاً إلى أهمية أن تتماشى تلك الدورات وما يتعلمه مع سنه. وبحسب "عاجي".. يجب مساعدة الطفل صاحب الميول الأدبية على التعبير عن نفسه من خلال تشجيعه على الكتابة والتنسيق مع المدرسة لحثه على إلقاء ونشر ما يكتب في المجلات المتخصصة ليعتاد المثابرة والمواظبة في هذا المجال.

ارسال التعليق

Top