• ١٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

وباقي من رمضان بضعة أيام

تيسير الزايد*

وباقي من رمضان بضعة أيام

    هل شاهدت مباراة أو مسابقة من أي نوع بين فريقين قريباً؟ هل لاحظت ماذا يحدث لأفراد الفريقين في اللحظات الأخيرة؟ كلا الفريقين يبذل كلّ ما في وسعه لتكون النتيجة لصالحه، فالفريق الفائز يحاول المحافظة على فوزه واستمراره، والفريق الآخر يحاول أن يحوّل خسارته إلى فوز فيبذل كلّ ما في وسعه من أجل هذا.

    لتحقيق الهدفين قد يغير كلّ فريق خطته ويتبع خطة جديدة، أو قد يبدل بعضاً من لاعبيه، وقد يبدع لاعب فيخترع حركة جديدة، أو قد يستخدم العنف المادي أو اللفظي من أجل الفوز أو الحفاظ عليه.

    ونحن الآن في الأيام الأخيرة من رمضان كلّ ما نفكر فيه هو الثبات على ما رزقنا الله من طاعة وهداية، أو طلباً للمزيد منها، ومن أجل هذا سنغير الخطط، أو نبدل اللاعبين، أو نخترع وسائل جديدة، وأخيراً قد نستخدم العنف.

    ولكن قبل هذا يجب أن نقيس كيف هو إقبالنا على الطاعات في رمضان؟ وهل كان تقربنا إلى الله شبراً أو ذراعاً، لنحقق قول الله تعالى في الحديث القدسي: "إذا تقرب العبد إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً، وإذا تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعاً، وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة".

    

    - تغيير الخطط:

    الخطة الجديدة والأولى التي سنحاول أن نلعب بها هي توفير مزيد من الوقت في اليوم ليتسنى لنا القيام بالمزيد من الطاعات والعبادات والنوافل، فقد تجد أشخاصاً آخرين يقومون بنفس واجباتك وأعمالك، ولكنهم ينجزون أكثر من ناحية العطاء الخيري أو الزيادة في الطاعات، وحتى نتبنى هذه الخطة لابدّ من اتخاذ بعض الخطوات:

    - أن نتعلم من الآخرين ليس بعيب فإذا وجدت أشخاصاً استطاعوا أن يكون في يومهم وقت إضافي ليقوموا بالمزيد من الطاعات حاول أن تسألهم وتتعلم منهم، فربما تكون لهم طريقة معينة في توفير الوقت، أو لديهم نظام يومي يتبعونه، أو لهم أولويات خاصة يمكنك أن تقيسها على أولوياتك، وعندما تجمع المعلومات اللازمة حاول أن تطبقها وتنظم وقتك.

    - ركّز على مهمة واحدة ولا تشتت تفكيرك بعدد كبير من الإنجازات التي تحاول جاهداً القيام بها في وقت واحد، ركّز مجهودك على عمل وأنجزه بسرعة، ثمّ انتقل إلى عمل آخر تحب القيام به.

    - لا تؤجل أعمالك، بل ضع جدولاً منظماً لما تخطط له، ولك مهمة جديدة تطرأ على حياتك، لا تكتب أوراقاً مبعثرة لما تحب القيام به، بل هي خطة واحدة وجدول واضح، وتخلص من الأوراق الكثيرة التي لديك.

    - هناك الكثير من الأشياء التي قد تسرق وقتك دون أن تشعر، كقراءة البريد الإلكتروني، أو مشاهدة برامج معينة، أو البحث عن أوراق معينة، أو كتب خاصة بك، أو المكالمات الهاتفية غير الضرورية، وإدخال بعض النظام على هذه الأشياء قد يوفر الكثير من الوقت، فمثلاً لا تقرأ البريد الخاص بك كل يوم، بل عين وقتاً محدداً لقراءته والبحث عبر الإنترنت، اكتب جدولاً خاصاً بك بالبرامج التي تريد متابعتها، ورتب أوراقك وكتبك بشكل منظم، عند انشغالك بعمل مهم لا تجب على هاتفك النقال، ومع الوقت سيعرف المتصلون الوقت المناسب للإتصال بك، كما أنّ الرسائل الهاتفية تعتبر بديلاً جيِّداً وتوفيراً للوقت.

    - لا تجعل إنجاز الأمور المهمة يقع تحت رحمة الأمور الأقل أهمية، فأنت في وقت قد لا يعود مرّة أخرى، حاول أن تحذف من جدولك ما تشعر أنك تستطيع تأجيله لما بعد رمضان، أو أنّ القيام به أمر غير مهم، وحاول أن تركز على الأهداف التي وضعتها لنفسك في هذا الشهر، وبادر إلى تحقيقها.

    

    - الخطة الثانية:

    أما الخطة الثانية التي يمكن أن نقوم بها، فهي إدارة الوقت بشكل أكثر حكمة ومن أجل هذا إليك بعض الخطوات:

    -               راقب حياتك، وتعرف على الكيفية التي تصرف بها وقتك، تعامل مع الوقت بحرص، واعلم أن وقتك في هذا الشهر ما هو إلا تجارة مع الكريم الوهاب، قال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُورٌ) (فاطر/ 29-30).

    -               تمتع بكل عمل تقوم به، وهذا يكون عندما تتضح عندك أهمية العمل لحياتك في الدنيا والآخرة، ويكون هذا العمل سبيلاً لتحقيق أهدافك التي خططت لها بالشكل الصحيح.

    -               انظر إلى أعمالك بتفاؤل وبنظرة مشرقة، واحتفل بكل نجاح تحققه، فمثلاً إذا بدأت بأداء الصلاة النافلة كافئ نفسك على هذا، وإذا بدأت بختم المصحف في وقت أقل كافئ نفسك، وإذا أقبلت على الناس وبدأت تتعامل معهم بشكل أكثر وداً كافئ نفسك، والمكافأة قد تأخذ أشكالاً عدة حسب ما تحب كزيارة صديق تعزه أو شراء كتاب ينمي هواياتك أو أداة مكتبية لمكتبك غيرها الكثير.

    -               لا تضيع وقتاً كبيراً في التأسف على أخطائك واستفد من تلك الأخطاء وتب إلى الله، وتابع حياتك الجديدة بسرعة، فمثلاً إذا كنت قد أضعت عشرين يوماً من رمضان، فمازال لديك عشرة باقية.

    -               اكتب كلّ ما تود فعله حتى البسيط منه، وابدأ في استخدام نظام الجداول في حياتك، وضع وقتاً محدداً لكل عمل تريد إنجازه.

    -               ابدأ بتنفيذ الجزء الصعب من المهمة التي خططت لها، فمثلاً إذا نويت صدقة فأعدّ المبلغ الذي تريد إخراجه وضعه في مظروف، وستأتي مصارف إخراجه لاحقاً وبسهولة.

    -               راقب نفسك جيِّداً ولا تدعها تضيع عليك الوقت في هذه الفترة، وإذا انخرطت في عمل تشعر أنّه يضيع وقتك اخرج منه بسرعة وانظر إلى أهدافك وجداولك وتقدم إلى الأمام.

    

    - تبديل اللاعبين:

    أما الخطوة الأخرى التي تستطيع القيام بها هي تبديل اللاعبين.. أخرج التسويف والتأجيل من ملعب حياتك، وأنزل بدلاً منها الهمة العالية، وهذا يمكن أدائه عن طريق:

    - تعرف على السبب الذي من أجله تقوم بتأجيل عمل معين، كأن تقول: لن أصلي القيام اليوم ربما في الغد؛ لأن لدي عملاً صباحاً، تحقق من صدق السبب الذي وضعته لك نفسك، فربما تقضي هذا الوقت في المنزل أمام التلفاز بدلاً من صلاة القيام دون أن تشعر.

    - تذكر شعورك الجيد عندما قمت بعمل ما في السابق دون أن تؤجله، وانقل هذا الشعور لكل عمل تحب أن تقوم به، فهذا من شأنه أن يحفزك للمضي قدماً.

    - إذا كان سبب تأجيلك للقيام بعمل ما هو أنك تبحث عن من يقوم به عنك، فاعلم أن هناك اعمالاً لا يستطيع أحد غيرك أن يقوم بها؛ لأن نتيجة هذه الأعمال تخصك أنت.

    - ضع وقتاً للبداية ووقتاً للنهاية لكل عمل تحب أن تنجزه، فهذا من شأنه أن يلزمك بأدائه.

    - اعلم أن أعمارنا محدودة وكل يوم تغيب شمسه لن يعود ولن يعوض فقوِّ عزيمتك، وحاول أن تستفيد من وقتك لأقصى حد.

    هناك الكثير من اللاعبين الذين يجب عليك استبدالهم قبل فوات الأوان، فأخرج الكسل والغفلة والجهل إلى خارج الملعب واستبدلهم بالمعرفة والنشاط واليقظة وتعلم ما هو مفيد لك.

    

    - استخدام العنف:

    كم مرّة استخدمت اللين مع نفسك وخفت أن ترهقها، وأضعت على نفسك الكثير من الأعمال التي تدر عليك الربح والثواب الكثير؟

    لا تستعجل بالإجابة وتنفي الحدث، بل فكر به بشكل مفصل دون التحيز لتلك النفس.

    وبعد التفكير تأكد أنك ستحتاج إلى نفسك اللوامة في الكثير من الأمور، تلك النفس التي ستحقق معك بعد كل عمل خير قمت به ولماذا قمت به؟ هل تقصد منه وجه الله تعالى أم تقصد به سبباً آخر دنيوياً؟

    تلك النفس التي ستسألك وتعنفك عندما تخطئ وتطلب منك التوبة السريعة وتصحيح الخطأ وتقديم عمل الخير وهي التي تلتزم بأمر رسول الله، حيث قال (ص): "اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" (رواه الترمذي).

    ومن عظم تلك النفس قال الله تعالى: (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ * وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) (القيامة/ 1-2).

    

    - التفكير الإبداعي:

    وهذا مجاله واسع جدا فأنت تستطيع التفكير بعدد لا محدود من الأعمال التي تستطيع أن تلزم نفسك بها القيام بالطاعات أو تستخدمها للدعوة إلى الله، سواء كانت أفكاراً بسيطة أو أكثر تعقيداً، تستخدم ما وهبك الله من علم وآله للقيام بها ولكن كن دائماً في دائرة الشرع والدين، وترفق بنفسك وبالآخرين، وكن أنت في ذاتك رمزاً للدعوة إلى الله بأخلاقك وهيئتك وتصرفاتك وبشاشتك.

 

    *كاتبة كويتية

ارسال التعليق

Top