• ١٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

وحدتنا من قرآننا

إيمان شمس الدين*

وحدتنا من قرآننا

إنّ القرآن الكريم هو كتاب هداية للناس ليخرجهم من الظلمات إلى النور ولقد حثنا الله تعالى على أن نتدبّر في سنن الماضين ونتفكر في أحوالهم لنستلهم العبر والسنن الإلهية على مرّ التاريخ.

والبحث في سنن التاريخ كما يقول الشهيد الصدر (قده) مرتبطاً ارتباطاً عضوياً شديداً بكتاب الله بوصفه كتاب هدى، لأنّه الجانب العملي لهذه العملية أي الجانب البشري والتطبيقي. إذ ان من مارس الشريعة وطبقها وجرت عليه السنن التاريخية هم الأنبياء والناس، هو جانب يخضع لهذه السنن فلابدّ أن نستلهم ولابدّ أن يكون للقرآن في هذا الصدد تورات وعطاءات لتكّون إطار عام للنظرة القرآنية عن سنن التاريخ الإلهية إذ ان السنن التاريخية لن تخرج في ارتباطها عن قانون الطبيعة والنواميس التكوينية التي وضعها الله تعالى وهي سنن باقية إلى يوم القيامة.

ومن هذه التصورات والعطاءات لهذا الكتاب العظيم هو قانون الوحدة، إذ بيّن لنا قرآننا سنن الله في هذا الموضوع وكيف جرت هذه السنن على الماضين فنستطيع استقراء تاريخهم للإستفادة من تجاربهم فنختصر بذلك الزمان والمكان في تجربتنا القديمة المتجددة عبر التاريخ وهي الوحدة بين المسلمين.

فالوحدة من العوامل الأساسية الضرورية في عزة الأُمّة ومنعتها وثباتها أمام أعدائها، فهي شعار من شعارات القرآن الكريم التي يسعى في كثير من آياته للتشديد عليها والدعوة إليها لتكون للمسلمين الغلبة حينما يلتحمون مع عدوهم في صراع.

إذ انّ قيام الدولة الإلهية لا يتم بالفرقة والتنابذ والتشتت ولكن تقوم الدولة بقيام الأُمّة على كلمة سواء فقد قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ) (الصف/ 4)، والمرصوص بمعنى عدم وجود ثغرة ولو صغيرة ينفذ منها أعداء الأُمّة ليتوغلوا في ضميرها ويفسدوا المشروع الإلهي المنشود.

والوحدة التي دعا لها الإسلام تختلف عن الوحدة في المجتمعات الغربية والرأسمالية التي يتغنى بها البعض ويحط آماله في رحالهم، فوحدة الغرب هي وحدة ظاهرية قائمة على أساس وحدة المصالح الشخصية والحزبية أو حتى الطبقية فإذا ما اختل قانوناً من قانون المصالح بين أفراد هذا المجتمع أدى ذلك إلى الإنشقاق والتصدع السريع إذ قال تعالى في محكم كتابه العزيز (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ) (التوبة/ 109).

فوحدة القرآن هي وحدة قائمة على المحبة والمودة والأخلاق والعدالة ولا يمكن لرابط كالدين أن يبعث على وحدة من هذا القبيل فالوحدة القائمة على الدين هي وحدة نابعة من القلب وهي ليست وحدة مصالح ووحدة إرغام بل هي وحدة نابعة من قلوب واعية مدركة داعية لله تعالى تبتغي رضاه.

والإسلام حينما يدعو الناس إلى الوحدة فيما بينهم يراعي في ذلك الواقع الإنساني فيوفر له المساحة التي يتحرك بها بطاقاته وإبداعاته المتوازنة فهو بذلك يضمن عدم حدوث خلل في صميم الكيان الاجتماعي.

في الحروب العالمية الماضية كان الغرب غارقاً في خلافاته وحروبه مما اثر على تواجده ومنعته ومصالحه في وقت كان المسلمين مازالوا يمثلون حصناً منيعاً ويتمتعون بالثروات بغض النظر عن الإشكاليات الأخرى وعندما أدرك الغرب خطورة وضعه واختلافه عمل على توحيد صفوفه ورصها لمواجهة المد الإسلامي والعمل على رأب الصدع بين صفوفه ليبني له قاعدة جديدة تمتد إلى قلب الإسلام ووجد أن أحد الوسائل التي من خلالها يستطيع تحقيق هذا الهدف هو بث الفرقة وتشتيت صفوف المسلمين وإحياء التطرف المذهبي الطائفي الذي يؤدي إلى الحروب التي تضعف من وجود الأُمّة الإسلامية وتؤدي إلى اضعاف الفكر الإسلامي خاصة في العقول الشابة ليحل محلها الفكر الغربي فيسيطرون على الطاقات البشرية والثروات المادية وهذا ما حققه الغرب في تاريخنا المعاصر.

وقد تحدث القرآن الكريم عن هذه السنة الإلهية التي تتحدث عن الفرقة وآثارها إذ قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) (الأنفال/ 46).

وهي دعوة صريحة من الله إلى عباده بالوحدة على أساس التوحيد والنبوة وعدم التنازع على أمور فرعية أخرى تؤدي في نتيجتها على أنّ التوحد على التوحيد والنبوة والسير على هذا الطريق سيواجه بكثير من المصاعب والعقبات لأنّه طريق حق وطريق الحق دائماً ما يواجهه طريق الباطل بأنصاره وبالتالي يحتاج أهل طريق الحق إلى الصبر في تحقيق هذه الوحدة التي تقوم على أساس التوحيد والنبوة لا الإختلاف في الآراء بمعنى الخلاف يخل بالوحدة لأنّ الخلاف يؤدي إلى التنازع الذي يوهن الإرادة ويذهب المنعة ويدمر القوة ويضعف الأُمّة فيسيطر عليها أعداءها.

فوجودنا الإسلامي يواجه في هذا العصر واقعاً كالحاً، هو واقع المستكبرين وواقع النزعات المادية التي تريد أن تسيطر على منابعنا وثرواتنا بل على أنفسنا، فقد أفلح المستكبر في أن يقيم الحياة المعاصرة في كثير من المجتمعات الإسلامية على أصول فكرية وعاطفية ترجع بهم إلى ما قبل الإسلام إذ أحيا فيهم الشخصية الوثنية والجاهلية القديمة فحال بين المجتمعات وبين أن تلتقي على الإسلام لاختلاف فهم الأُمّة للإسلام والذي أوجده المستكبرون ليتمكنوا من إحداث الفرقة وتحقيق أهدافهم.

وأخيراً، فلنسعى لتوحيد الصفوف ورصها ولنصبر على المكاره التي ستواجهنا من أجل تحقيق الهدف المنشود.

 

*كاتبة من الكويت

ارسال التعليق

Top