• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

أبعاد الكلمة.. والبناء الإعلامي في سورة الشعراء

أ. د. محمّد أديب الصّالح

أبعاد الكلمة.. والبناء الإعلامي في سورة الشعراء

تطور الوسائل التي تستخدم بها الكلمة وتنوُّع ميادين هذه الكلمة، نثراً كانت أو شعراً، أو غير ذلك مرئية أو مسموعة بكلِّ ما وصل إليه العلم من صنوف وأساليب.. كلِّ ذلك يدعونا إلى الإفادة من مراحل التقدم والتطوير على ساحة التعليم والإعلام، دونما عدوان على الأصالة، أو الغفلة عن مرتكزات الأمة في كتاب ربها، وسنة نبيها عليه الصلاة والسلام. وفي ذلك إغناء لطريق الفرد والمجتمع، فكراً ووعياً لما يدور في دنيا الواقع وقدرة على استخدام الكلمة بفاعلية في مواجهة التحديات.

والآيات التي ختمت بها سورة الشعراء أشارت إلى حقيقة واقعة في العصر الجاهلي هي وضع الشعر في خدمة الكفر وأهله على ساحة الصراع بين الحقِّ والباطل، وذلك ما صنعه شعراء الكفر والضلالة، وفي المقابل، وضعُه في عصر النبوة في خدمة الإيمان وأهله والذود عن رسول الله (ص)، وذلك ما صنعه أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الشعراء، وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا.

والفئة الأولى هي الظالمة، ظالمة لنفسها، وللآخرين، بل ظالمة للحقِّ تُظاهر الباطل وأهله عليه، وعاقبة ذلك واضحة فيما حمل قوله تعالى في ختام السورة: (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء/ 227)، من التهديد والوعيد بسوء المصير في الدنيا والآخرة.

والحقّ أنّ النظرة المتأملة التي لا تهمل الواقع، ولا الحجم الذي تأخذه الكلمة على صعيد الإقناع والمواجهة والتعرف على حقيقة الأحداث ودلالاتها القريبة والبعيدة.. الحقّ أنّ هذه النظرة المتدبرة تقودنا مرة أخرى إلى التبصُّر في تلكم الآيات التي كانت خواتم سورة الشعراء وهي قول الله تعالى بدءاً من الآية الرابعة والعشرين بعد المئتين: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء/ 224-227).

لقد تنزلت هذه الآيات المكية ورحى الصراع بين الوثنية والتوحيد دائرة، وشعراء الكفر يهجون النبيّ محمداً (ص) ويعملون على صدِّ الناس عن دعوته؛ لذا قال كثير من علماء التفسير: أريد بالذمِّ والوعيد في الآيات، هؤلاء الشعراء، الذين كانوا يؤذون رسول الله بالمهاجاة والسيء من القول في شأن القرآن ومنهم: عبدالله بن الزبعرى السهمي، وهبيرة بن أبي وهب المخزومي، وسافع بن عياض الجُمحي، وأمية بن أبي الصَّلت الثقفي، قبل أن يُسلم من أسلم منهم، إذ تكلّموا بالكذب، وتسافهوا بالباطل في حقِّ النبيّ (ص) ودعوته، وقالوا: نحن نقول مثل ما قال محمد، ويجتمع إليهم غواة قومهم يسمعون أشعارهم حين يهجونه (ص) وأصحابه، ويرون ذلك عنهم، يحدثون بذلك ضجة إعلامية فكرية على زعمهم؛ فذلك قوله جلّ وعزّ: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُون) وقيل: الغاوون هم السفهاء والضالون عموماً، وفيهم مردة الشياطين وعصاة الجن.

وبالنسبة لمن استثوا بقوله تعالى: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)، الآية: يدخل فيهم شعراء الأنصار وغيرهم. حتى يدخل فيهم من كان متلبِّساً من شعراء الجاهلية بذم الإسلام وأهله ثم تاب وأناب ورجع وأقلع – كما يقول ابن كثير – وعمل صالحاً وذكر الله كثيراً في مقابلة ما تقدم من الكلام السيء؛ فإنّ الحسنات يذهبن السيئات وامتدح الإسلام وأهله في مقابلة ما  كان يذمه كما قال عبدالله بن الزبعرى حين أسلم.

ومهما يكن من أمر: فإنّ عناية القرآن بهذا الجانب من الصراع بين الكفر والإيمان على الصعيد الإعلامي: يدعو إلى مزيد من العناية ببناء الإنسان المسلم – ذكراً كان أو أنثى – على دعوة الحقِّ فكراً وعملاً وقدرة على تبين السلاح الذي يستخدمه العدو ومنه سلاح الكلمة في نطاق الإعلام، ليكون قادراً بموضوعية ومعرفة على مواجهة التحدي والله في عون العالمين الصادقين.

 

أبعاد الكلمة البناءة سورة الشعراء.. وأسلحة المواجهة الإعلامية:

أهمية الكلمة وأبعادِها في ميدان الاتصال والإعلام عموماً، وما يجب من إدراك للواقع الذي يحمل ما يجري على ساحة الأحداث ذات العلاقة بالأمة المسلمة على وجه العموم، أو بفريق من أبنائها، أو قطر من أقطارها على هذه المعمورة.. كلّ ذلك يعطي مزيداً من الأهمية لما كشفت عنه خواتم سورة الشعراء حين عرضت للشعراء عموماً، وكشفت الزيف واستخدام الكلمة لنصرة الباطل، وخطر ذلك المجتمع، ثمّ استثنت أولئك الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيراً وانتصروا من بعد ما ظلموا، وتوعدت الظالمين بسوء المنقلب في الدنيا والآخرة وذلك في قول الله تعالى: (والشُّعَراء يَتَّبعُهُمُ الغاوُونَ* أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) (الشعراء/ 224-227).

لقد كانت الخطوة الأولى على الطريق الإعلامي – والفئة القليلة المؤمنة تصارع الوثنية بجبروت أهلها وطغيانهم – الكشفَ عن حقيقة أولئك الشعراء وغوايتهم، وبيان أنّ من يتبعونهم هم الغاوون، فهم يستخدمون شعرهم – وللشعر ما له من تأثير، وله ما له من وزن عند العرب يومذاك – يستخدمونه في الظلال والإضلال، وحماية العبث والباطل، وأذية أهل الإيمان، وعلى رأسهم نبيهم محمد (ص). وأولئك الأتباع الأغمار في كثير من الأحيان يصفقون لهم، ويروِّجون ما أرادوه من محاربة الحقّ وعقيدة التوحيد من طريق الهجاء والافتراء، وتزيين الجهالة والجاهلية: فشعراء الضلال يتبعهم الغاوون من الإنس والجن، ويرون شعرهم المناوئ للحقِّ، بين الجهالة والجاهلية؛ فيشيعون ما يريده أهل الشرك من الباطل وإضعاف شوكة المسلمين، لأنّ الغاوي لا يتبع إلا غاوياً مثله.

ومما يجب التنبه إليه هذا التوجيه الرائع في تحري الحقّ، وإقامة الدليل على ما يُدَّعى عند طرح الفكرة أو تقديم الخبر وتحليله للناس؛ فبعد قوله سبحانه: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) جاء الاستدلال لهذه الدعوى وبيان أنّها هي الحقيقة بقوله: (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)، إنّ شعراء المشركين ومن على شاكلتهم يهيمون في كلِّ واد، فليس هنالك ضوابط إيمانية ولا منهج أخلاقي؛ يذمّون اليوم من امتدحوه بالأمس، ويعرفون الحقَّ ويحيدون عنه.. ناهيك عن الكذب والتزييف مظاهرةً للشرك والمشركين على الإيمان والمؤمنين. وفي الوقت نفسه تجدهم يقولون ما لا يفعلون، فقد يدعون إلى خصلة مستحبة ولكنهم لا يفعلونها، بل ترى الفعل يناقض القول.

ثمّ إن هاتين الآيتين (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ) كما تقيمان الدليل على مضمون (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ) تعطيان درساً في أمانة الكلمة وما يدعيه صاحبها، وعدم إلقاء الكلام جزافاً دونما حجة تصدِّق الدعوى. ومن هنا كان لابدّ من اليقظة لتصرف الإعلام المعادي وتبيُّن جوانبه، وإدراك مسالكه ومرتكزاته، مصحوباً ذلك بأن يكون المجتمع الإسلامي على منهج الصدق وتحري الحقيقة، بحيث تكون الكلمة الموزونة سلاحاً ماضياً في نصرة الحقّ،وقوة لا يستهان بها في مواجهة التحديات.

على أنّ في تنمية هذه المقومات عند العاملين: تكريماً للإنسان، وبعداً عن الاستهانة بعقله ومشاعره، وارتقاءً بالكلمة إلى مستوى الثقة والطمأنينة؛ فالآيات الكريمات كشفت بوضوح عن طبيعة السلاح المعادي في ميدان الإعلام، وقدمت الدليل الناصع البيِّن على الحقيقة التي طرقها. وذلكم قبس من هداية الكتاب العزيز في معالمه الخيِّرة، والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

 

البناء الإعلامي ومواجهة التحديات في سورة الشعراء:

ترى هل كان الأمر في خواتم سورة الشعراء مقصوراً على ذم أولئك الشعراء الذين وضعوا الكلمة في غير موضعها، فظاهروا أهل الشرك على أهل الإيمان، واستهتروا بالأخلاق والقيم، فهم في كلِّ واد يهيمون ويقولون ما لا يفعلون، وعلى ذم من يتبعونهم في صنيعهم ويتمرغون في أوحال الغواية، لأنّ الغاوي لا يتبع إلا غاوياً مثله (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ).

هل كلّ الأمر مقصوراً على ذلك؟ إنّ الجواب على هذا السؤال يحمله الاستثناء الصريح في قول الله تباركت أسماؤه: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ).

وإذن فالقضية ليست على إطلاقها، والشعراء الذين ذمهم القرآن وذم أتباعهم ومن يوالونهم، لم يقف الكتاب العزيز هذا الموقف منهم لأنّهم شعراء وكفى، ولكن لأنّهم ظلموا باستخدام شعرهم في مظاهرة الشرك على الإيمان وهجاء رسول الله والمؤمنين، وكانوا مستهترين بالقيم، غير عابئين بالأخلاق، وذلك ما يدل عليه مضمون الاستثناء المشار إليه (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا).

إنّ الشاعر المؤمن، الذي ينطلق فيما يقول من شعر: من أبعاد العقيدة الصحيحة ومنهجها، وديدنُه عمل الصالحات – ومنها استخدام شعره سلاحاً في معركة الصراع بين الحقّ والباطل، وذكر الله كثيراً، والانتصار من بعد الظلم – إنّ هذا الشاعر مستثنى من أولئك الذين قال الله فيهم: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ * أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ)

فالشعراء المؤمنون يحملون لواء الحقِّ، فيتبعهم أنصار الحقّ، وينشرون شعرهم ويروِّجون أفكارهم التي وضعوها في خدمة الأُمّة وقضاياها، شأن أهل الاستقامة والهداية. أما أولئك فيتبعهم الغاوون.. وهم بوصفهم مؤمنين صادقين يعملون الصالحات، ومن عيون هذه الأعمال أن يكونوا جنوداً للحقِّ. يضعون الكلمة في الموضع الذي تمليه العقيدة، بعد أن يتحروا صدقها والأمانة فيها، فلا يخوضون مع الخائضين، ولا يلغون مع اللاغين، فهم دائماً على بصيرة وذكرٍ لله عزّ وجلّ، لا تنسيهم الكلمة من أعطاهم القدرة على الكلمة، ولا تجنح بهم لذائذ الدنيا وشهواتها ومراتبها عن اليقظة الإيمانية مراقبة لله عزّ وجلّ في تساوق بين السلوك المستقيم والغاية العظيمة. فهم حين يقولون ما يقولون، ينتصرون للعقيدة التي آمنوا بها وأوذوا في سبيلها. إنّهم على الحقِّ والهدى في مواجهة الباطل والظلم (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا).

وفي تنبيه على الآثار السيئة التي يخلِّفها الظلم في وضع الكلمة موضعاً لا يرضاه الله ورسوله والمؤمنون: جاء الوعيد على هذا الظلم الذي هو تجاوز الحقّ إلى الباطل تعالى: (إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا).

إنّ الكلمة المؤمنة – وهي ذوب القلب المؤمن، ولهفة المشاعر الصادقة: إنما تأخذ حياتها ووجودها العملي من الأمانة فيها، والإخلاص في أن تأخذ طريقها لنصرة الحق وأهله مهما غلا الثمن. وذلكم ما وجه الله المعلم القرآني وذلَّلت طريقه إلى القلوب والعقول تلكم التبصرة القرآنية في هذه السورة المباركة سورة الشعراء.

 

البناء والوعي.. والكلمة المسؤولة في الإعلام:

بناء الإنسان المسلم على العقيدة ووعي ما حوله، والإدراك التام لطبيعة الصراع بين الوثنية وعقابيلها الجاهلية وبين التوحيد.. هذا البناء كان مبكراً آذنت به الكلمات الأولى فيما أوحي به إلى محمد (ص) من قول الله تعالى: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الإنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) (العلق/ 1-5).

ونقول: كان مبكراً، لأنّ الإنسان هو الطاقة القادرة بإذن الله على البناء والإنماء. ومن أجل هذا الإنسان تبذل المساعي والجهود لبناء مجتمع سليم تتوافر له عناصر النماء في المرافق والميادين جميعها، كما يتوافر له ما يحقق العبودية الخالصة لله عزّ وجلّ.. وإهمال الإنسان عدوان على الغاية التي من أجلها يكون الكد والسعي واستكمال جوان العمل والإنجاز.

ولا تعجب بعد هذا إذا رأيت القرآن الكريم – وهو يبني الإنسان المسلم – ينبه الفئة المؤمنة منذ العهد المكي على واحد من أسلحة المشركين، وهو الشعر الذي استخدمه شعراؤهم في معركة الصراع مع دعوة الحقِّ، ويكشف النقاب عن سقوط هؤلاء الشعراء وغوايتهم، وعن أنّ الغاوين هم الذين يتَّبعونهم ويروون شعرهم، ويروجونه سلاحاً يُهجى به رسول الله وترى التابعين والمتبوعين يحاولون قلب الحقائق والافتراء والتهزين من شأن القرآن الكريم لأنّ الغاوي لا يتبع إلا غاوياً مثله، ولم لا يُحكم على هؤلاء المتبعين بذلك؟! وهم يُدعون إلى الإسلام الذي فيه خيرهم وسعادتهم وإنقاذهم من الهلكة، كلّ ذلك بالحجة القاطعة والبرهان الساطع.

والذي يدعوهم إلى ذلك هو الصادق الأمين الذي ما عرفوا عنه إلّا استقامة الخلق وكمال الأمانة والوفاء، وإذن فهم مسؤولون أيضاً، يتحملون تبعة انقيادهم الأعمى، وترويجهم ما يطرحه شعراء الشرك محاربة لله ولرسوله وللمؤمنين. والكلمة القرآنية وهي تبني الإنسان المؤهل لحمل الرسالة ومواجهة التحديات لم تدع أن تقيم الدليل على القضية المطروحة وهي سقوط شعراء الشرك وتهافتهم؛ فلم يقتصر الأمر في سورة الشعراء على قوله تعالى: (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ)، بل تلا ذلك الدليل الواضح على هذه الدعوى فقال سبحانه: (أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ * وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لا يَفْعَلُونَ) وإنها للمحة من لمحات الإعجاز، قضية تطرح عن شعراء المشركين، مصحوبة بالدليل على ما ينطق به واقع هؤلاء الشعراء.

وفي الوقت نفسه يُبصَّر التابعون ورواة هذا الشعر الظالم المشرك: أنّ صنيعهم هذا من الغواية، بل هو الغواية عينها والعاقل من يتبصر ويعي.. وإذا كنا في دنيا الواقع اليوم نشكو من الكلمة التي تضلل الرأي العام في كثير من بقاع العالم ويصيب المسلمين من ذلك ما يصيبهم، فما أشد الحاجة إلى قراءة جديدة لهذا الجانب الإعلامي في منهج القرآن الكريم، حيث الكشف عن سلاح الكلمة عند العدو، والعمل على فلِّه وتعطيله باللغة المناسبة، بالكلمة الصادقة، والدليل الناصع، بتبصير الإنسان – من حيث هو إنسان – بحقيقة ما عليه دعاة الغواية والشر.. على أنّ المعلم القرآني يقفنا على الوجه الآخر للموضوع حيث يستخدم الشعر سلاحاً بيد المؤمنين.


المصدر: كتاب الإنسان والحياة في وقفات مع آيات

ارسال التعليق

Top