• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

استحكام ظاهرة الاستقطاب والصراع في قضية المرأة

د. منى أبوالفصل

استحكام ظاهرة الاستقطاب والصراع في قضية المرأة

رغم تنوع الإسهامات في قضية المرأة حيث شاركت كافة الاتجاهات في الخطاب حولها فقد كان ذلك الخطاب محوراً لاستقطاب حاد.
لقد حوصر خطاب المرأة بين قطبين الأول يمثل قمة اليمين الإسلامي وهو القطب السلفي والآخر تيار علماني تغريبي مدعوم بخطاب عالمي نافذ. انعكس هذا الاستقطاب على لغة الخطاب ومحاور الاهتمام، حيث اكتسبت اللغة الطابع الصراعي الصدامي، وطرح الجانبان أقصى مواقفهما تشدداً، لقد أعاد التيار السلفي ـ كما يتضح من متابعة فئة الكتابات الإسلامية على سبيل المثال ـ أعاد طرح وإنتاج فقه المرأة في أقصى مدارسه تشدداً، ناهيك عن غياب أي اتجاه للتجديد أو الفقه المعاصر الاجتهادي للدين، وجه هذا الاتجاه جل تركيزه على الدعوة إلى عودة المرأة إلى المنزل، وإدانة كل أشكال الاختلاط حتى في مجال العمل، وأعاد تأكيد مفهوم متشدد للأسرة يقوم على الطاعة المطلقة للزوج، والحرية غير المقيدة للرجل في إنشاء أو إنهاء أو تحديد شكل الأسرة، والنسق التراتبي القائم على التمييز في علاقة المرأة بالرجل في الأسرة والمجتمع، كذلك رفض هذا التيار مشاركة المرأة العامة معيداً إنتاج الآراء الفقهية التي تحد من الولاية العامة للمرأة، وخاض معارك شرسة تتعلق بمظهر المرأة وقضايا الحجاب والنقاب، حيث تحدثت العديد من الكتابات ليس فقط على شرعية الحجاب بل عن فرضية النقاب.
في المقابل اكتسب التيار العلماني في هذه الفترة قوة غير مسبوقة دفعته إلى اتخاذ مواقف سافرة إزاء القضايا الخلافية خاصة ما يتعلق بدور الدين في تحديد السياسات والتشريعات وأوضاع المرأة. اكتسب هذا التيار قوته من الدعم الخارجي للقوة العولمية التي لم تنته عن فرض ضغوطها المستمرة على السياسات المحلية للإسراع في إعادة تشكيل الواقع الاجتماعي والاقتصادي في تلك البلدان، خاصة خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات. إلى جانب ذلك فقد استمد هذا التيار قوة إضافية من انضمام أعداد متزايدة من النخب النسائية إلى صفوفه تحت وطأة الإحساس بمخاطر المد الأصولي من جانب، وطموحاً في ولوج آفاق التطور والطموح الفردي غير المحدود التي تفتحها أبواب العولمة. هكذا تراجع اتجاه الصفوة النسائية الناشطة عن تبني موقف إصلاحي وفاقي بين الدين والحداثة على النحو الذي طرحته تجربة النهضة، وأشارت العديد من كتابات الرموز النسائية بأصابع الاتهام إلى الدين بوصفه مسؤولاً عن الوضع المتردي للمرأة في العالم العربي الإسلامي.. لقد عبرت عن هذا الاتجاه كتابات العديد من النسويات العربيات، ففاطمة المرنيسي على سبيل المثال قدمت الإسلام كأحد عوامل تخلف المرأة وعدم إسهامها في التنمية بما يفرضه على المرأة من عزلة وحجاب يجعل من المرأة ـ على قولها ـ معزولة في جيتو داخل العائلة، ويقر تمييزاً جنسياً ضدها خارج المنزل. وترى ثريا التركي أنّ دور المرأة في التنمية متدن عن دور الرجل، وأنّ النظام الأبوي والعادات والتقاليد المجتمعية ـ ويقع الدين كجزء منها ـ هي أسباب رئيسية تؤدي لقهر المرأة وتقلص مشاركتها في التنمية ولم يقتصر ذلك التشدد على نماذج فردية من النخبة بل ارتفع إلى مصاف الدعوة العامة والمشروع السياسي، كما حدث في نهاية الفترة (عام 1999م) في المغرب بمناسبة خطة (إدماج المرأة في التنمية) حيث نشب صراع حاد بين التيار الداعي إلى المرجعية الدينية في شأن المرأة خاصة في صياغة قوانين الأسرة من ناحية، والتيار القائم في الحكم الداعي إلى المرجعية الدولية من ناحية أخرى.
في التحليل الأخير يمكن القول على سبيل التعميم دون الحسن، أنّ خطاب المرأة قد بدا وكأنه قد حوصر خلال هذه الفترة بين مطرقة العلمانية وسندان الأصولية، ذلك بالرغم ما شهدته هذه الفترة ذاتها من نمو تيارات إسلامية معتدلة تبنت قضية المرأة من منطلقات تجديدية في أكثر من مجال، منها ما جاء من مبادرات اجتهادية فقهية وبحثية ودعوية على أيدي رموز الفكر الإسلامي المعاصر وعلى امتداد ساحاته (ومن الأمثلة التي نسوقها على ذلك كتابات الشيخ محمد الغزالي، والشيخ يوسف القرضاوي، والأستاذ عبدالحليم أبو شقا، ومن خارج مصر الشيخ رائد الغنوشي، والدكتور حسن الترابي، وفي دائرة الفكر الشيعي نجد العلامة مهدي شمس الدين والعلامة الراحل السيد حسين فضل الله)، هذا إضافة إلى مبادرات فكرية وأكاديمية وحركية عامة قدمتها المرأة المسلمة بصفتها باحثة متخصصة أو ناشطة في مجالات قلما ارتادتها المرأة في الفترة الحديثة، وعليه فمن شأن مثل هذه الإسهامات على تواضعها أن تحمل من المؤشرات والدلالات التي تكسب الفترة موضع النظر أبعاداً نوعية لا يمكن أن تأخذ مداها إلا في غضون مراجعات تقويمية لاحقة، لتكييف مسار خطاب المرأة ضمن الخطاب العربي العام. ومن جانب آخر فإنّ هذه الفترة التي بدا وكأن هذا الخطاب حوصر فيها، قد شهدت احتداداً للصراع الحضاري على نحو غير مسبوق في المنطقة العربية الإسلامية، وقد التحفتها رياح العولمة، الأمر الذي تمخض عنه استقطابات سياسية واجتماعية داخل النظم القائمة كان من شأنها أن تنعكس على الأطروحات والمواقف المعنية بقضية المرأة، لما لهذه القضية من خصائص وخصوصية تكسبها قابليات الاستشفاف الحضاري.

المصدر: المرأة العربية والمجتمع في قرن

ارسال التعليق

Top