• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الأنترنت وسؤال الديمقراطية

عبدالعالي معزوز

الأنترنت وسؤال الديمقراطية
◄لا توجد بين الحاجة إلى الاتصال من جهة، وإرساء فضاء عمومي لتداول الرأي وتشكيل إرادة عامة من جهة أخرى – وهي تمثل ركائزَ الديمقراطية – سوى مسافة قصيرة. وبناء عليه لا يمكن نُكران حقيقة مؤدّاها أنّ الإنترنت خصوصاً، وآلات الاتصال عموماً ساهمت في بلورة نزعة المساواة في المجتمعات المعاصرة، وفي بروز ما يمكن تسميته "الديمقراطية التفاعلية" (Democratie interactive)، وهي خلاصة نظرية توفلر (Toffler) التي يؤكد فيها بعض مظاهرها وتجلياتها مثل الاعتماد على الطرق السيارة للمعلومات من أجل إشاعة الحِسِّ السياسي بين جماهير ورواد الإنترنت. ويتيح الإنترنت بالفعل إرساء دعائم ديمقراطية من نوع جديد، هي الديمقراطية التشاركية (Democratie participative) التي لا يُستثنى منها أحد مَهمَا ابتعد. رغم أن دومينيك وولتن متشكك في الإدعاء القائل بأنّ الإنترنت أداة لتعزيز الديمقراطية، لا يمكن مجاراة آرائه من طرف دعاة الديمقراطية الإلكترونية التي يتيحها "النت" Net أو الشبكة. ويمكن عرض بعض ملامح هذا الشكل الجديد من الديمقراطية الذي يبشِّر به أنصار الإنترنت: - ساهم الإنترنت في رسم ملامح ديمقراطية جديدة ترتكز على المشالكة الفعَّالة لكل روّاده في الحياة السياسية، ولهذا السبب سُمِّي هذا النوع من الديمقراطية بديمقراطية المُشارَكَةِ تمييزاً لها من الديمقراطية التمثيلية (Democratie representative). إنّ الفرق بينهما هو أنّ الأولى مباشِرَة، والثانية تفويضية يُفوِّضُ بمقتضاها المنتخِبُون أمرهم إلى من يمثِّلُهم وينوب عنهم. - فضلاً عن ذلك، ساهم الإنترنت في تقريب الهوّة بين الحاكمين والمحكومين، بين الناخِبين والمنتخَبين، بين الطبقات السياسية وعموم الجمهور السياسي من خلال إحداث مواقع لتبادل الرأي ولإرساء المناقشة السياسية العمومية. أخرج الإنترنت السياسة من الكواليس ومن دائرة الظلمة إلى دائرة النور، وحوَّل الشأن السياسي من الضبابية إلى الشفافية. لم يعد ممكناً، مع ظهور المواقع الإلكترونية والشبكات الافتراضية والمنتجيات العامة، الاستمرار في احتكار السلطة وفي تمركُزِها في يد الأنظمة السياسية الاستبدادية. أظهر "النت" حاجة السلطة السياسية إلى الشفافية وكرَّس حق كل مواطن في معرفة كل ما يدور في الدهاليز المعتمة للسياسة. - إنّ الإنترنت يضمن أكبر قدر من المشاركة بفضل إتاحة الانتخاب على الشبكة. - إنّه يرسي ما أصبح يُصطَلَح عليه بديمقراطية المعلومة، ويسمح بالتزوُّد بالمعلومات من مصادرها. - إنّه يرسي دعائم ما يمكن أن نسميه بالديمقراطية الافتراضية المُتداوَلة في العالم الرقمي، التي تُعَدُّ صياغة جديدة للديمقراطية، تجعلها هذه الأخيرة غير مرتبطة بمواعيد انتخابية وإنما دائمة ومستمرة، تساهم في بناء مواطنة مسؤولة ومتنوِّرة ومشارِكَة، لا يقف دورها في مجرّد تنظيم الحملات الانتخابية. - بالتوازي مع الزخم الديمقراطي الذي يساهم الإنترنت في إنشائه، يعطي للسياسة أشكالاً نضالية جديدة، فالمدونات والشبكات السياسية على "النت" توفِّر أشكالاً سياسية نضالية جديدة تتعدّى المؤسسات الحزبية التقليدية وتتجاوزها، مثلما هو حادث في كثير من المجتمعات العربية اليوم حيث أتبث "الفيس بوك" جدارته في تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات مما اعتُبِرَ تحدِّياً للأجهزة الأمنية القمعية. ولكن من المشروع أن نتساءل عن مصير الديمقراطية بما هي وعي سياسي وإرادة سياسية في ظل وسائل الاتصال وأهمها الإنترنت. ومهما يكن من أمر تقريظ الديمقراطية الإلكترونية التي يتيحها الإنترنت لا ينبغي أن يحجب عنا مسألة كَون الديمقراطية في الفضاء الافتراضي هي مسألة إشكالية، فلننظر إلى مثالب هذا النوع من الديمقراطية، الذي يمكن تسميته بالديمقراطية الرقمية. إنّ المتشككين في التقنية عموماً، وفي آلات الاتصال المعاصرة لا ينظرون بعين الرضا إلى الانعكاسات السلبية للإنترنت على الديمقراطية بحجة أنّه يحوِّل الديمقراطية إلى شَعبَويّة سياسية جديدة (Un nouveau populisme) وإلى خطاب سياسي تبسيطي يتودّد إلى الغرائز وإلى الأهواء، ولا يُخاطِبُ العقل. يتخوَّف المُرتابون في الإنترنت من نشر ثقافة سياسية تبسيطية من شأنها أن تفضي بالديمقراطية إلى شكل من أشكال الغوغائية التي، بَدَلَ التَّدرُّج في تكوين ثقافة سياسية لمواطنة جديدة ملائمة للعالم الافتراضي الجديد، تفضي إلى رَمي الناس في أحضان الأحكام المسبَّقة والشعارات الفضفاضة التي ليس بمقدورها إحداث تغيير عميق في العقليات.   المصدر: كتاب (الانترنت والاستلاب التقاني)

ارسال التعليق

Top