• ٥ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٦ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الإسلام.. يربي الأجسام رياضياً

د. عزّالدين فرّاج

الإسلام.. يربي الأجسام رياضياً

◄دعا الإسلام إلى التربية البدنية، فجاء في الحديث الشريف: "حقّ الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي" وفي حديث ثان: "انّ لبدنك عليك حقا" إشارة إلى وجوب راحة البدن من عناء العمل. وفي حديث ثالث: "خذ من شبابك لهرمك" إشارة إلى وجوب المحافظة على الصحة، وعدم الإفراط والتفريط في جميع مراحل الحياة. وهذا عمر بن الخطاب، ينصح المسلمين وولاتهم فيقول:

"علموا أولادكم الفروسية ومروهم أن يثبوا على الخيل وثبا".

ولما جاء علي بن أبي طالب (ع) قال:

"أريحو قلوبكم من الجد فإنّ القلوب إذا ملت عميت، وإذا عميت لم تفقه شيئاً".

كما وردت المبارزة بالحراب في الإسلام وهي تشبه الآن المبارزة بالشيش، فكان رسول الله (ص) يسمح للأحباش بمزاولة اللعب بالحراب في مسجده الشريف وهو ينظر إليهم ويشجعهم، وكان الرسول (ص) يرمي من وراء ذلك إلى تدريب المسلمين وإعدادهم للجهاد، وهذا هو ما نفعله الآن من تدريب الشبان على وسائل الجهاد بالتمرينات العسكرية.

وجاء من بعد الرسول (ص) الخلفاء والولاة فوجهوا اهتمامهم لكثير من أنواع الرياضة البدنية كعامل من عوامل تقوية الجسم، وفي طليعتها المشي والجري.. وفيما يلي ما يؤكده العلم الحديث.

ومعروف أنّ المشي والجري من أهم أنواع الرياضة، وقد قرر الطب الحديث أنّ المشي من أهم وسائل علاج مرض السكر والروماتيزم والإمساك المستعصي، والجري من أهم عوامل تنشيط الدورة الدموية.

كما شجع الإسلام على سباق الخيل والجمال فقد كان رسول الله (ص) يتسابق على ناقته "العضباء" وورد انّه كان لا يسابق بها أحدا إلا سبقه.

ولم ينس الإسلام المصارعة فقد روي انّ النبي (ص) صارع رجلاً معروفاً بالشدة في الجاهلية فصرعه الرسول (ص) فقال الأعرابي عاودني في أخرى فصرعه النبي في الثانية، فقال الأعرابي عاودني فصرعه (ص) في الثالثة.

 

امشوا تصحوا:

كثيراً ما يحس المشتغلون بالأعمال الفكرية – عقب جلوسهم الطويل إلى مكاتبهم – وكأن عقولهم قد طمست وأذهانهم قد عجزت عن التفكير، فإذا نهضوا من أماكنهم وتمشوا في الغرفة ذهاباً وجيئة، رجعوا إلى حالتهم الطبيعية واستعادت أذهانهم صفاءها ونشاطها. ولا عجب في ذلك، فقد ثبت أنّ المشي لا ينشط الذهن فحسب، بل لا غنى عنه للنشاط الذهني ولصحة الجسم عامة.

وقد أحدث اكتشاف أثر المشي في تعجيل التئام الجروح ثورة في عالم الجراحة، حتى انّ كثيرين يعدونه من أهم الاكتشافات الطبية. فلم يعد الجراحون يشيرون بملازمة المريض فراشه أسبوعين أو ثلاثة بعد الجراحة، بل ينصحونه بالمشي بعد ثلاثة أيام من اجرائها وأحياناً بعد بضع ساعات، حالما يزول خطر احتمال تعرضه للعدوى. ذلك لأنّ المشي يعمل على سرعة إعادة تنظيم حركة التنفس وينشط الدورة الدموية. ومن هنا فهو يعمل على سرعة التئام الجروح.

ويرى كثير من الأطباء انّ ما نشاهده في أبناء هذا الجيل من ضعف في الشهية وعجز عن هضم الأطعمة الدسمة، إنما يرجع إلى إهمال المشي. فقد كان أجدادنا أكولين مكثرين من الأطعمة الدسمة، دون أن يضطرب هضمهم أو تتأثر معداتهم. وذلك لأنّهم كانوا يمشون كثيراً، والمشي من أهم الرياضات المقوية للجهاز الهضمي.

وتدل الأبحاث الطبية على أنّ أبناء المهن التي تتطلب من محترفيها المشي الكثير، يكونون عادة أصح من أبناء المهن الأخرى، فقد أعد "الموتور" البشري بحيث يمشي المرء على قدميه ما يتراوح بين 12 و18 ميلا في اليوم (إذا لم يكن يفعل شيئاً آخر بالطبع).

ومع أنّ طبيعة العمل في المصانع والمكاتب بل والمنازل فيها من الرياضة ما يعوض الجسم عن المشي بعض الشيء، إلا أنّها لا يمكن أن تغني عنه إطلاقاً. فالمشي كما يقوي الشهية ويساعد على الهضم: يهدئ الجهاز العصبي أيضاً. والمرأة التي تحرص على المشي بانتظام، تضع أطفالها في الغالب بسهولة.

والميزة الكبرى للمشي، هي انّك تستطيع ممارسته خلال جميع مراحل العمر، فهو لا يجهد الجسم ولا القلب حتى في سنين العمر المتقدمة.

رأى الرسول رجلاً قوياً يتخشع ويتأنق في مشيته زعماً منه انّ هذا من مظاهر الصلاح، فناداه وقال له "يا هذا ارفع رأسك فإنّ الإسلام ليس بمريض".

كما اهتم الإسلام بالسباحة وورد ذلك عن كثير من الصحابة.

أما اهتمام الإسلام بركوب الخيل، فظاهر من حث المسلمين على التدريب عليه إذ قال تعالى:

(وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) (الأنفال/ 60).

وقال تعالى يقسم بالخيل:

(وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا * فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا * فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا * فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا * فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا) (العاديات/ 1-5).

ويقول الرسول في مدح الخيل:

"الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة".

ويهدف من وراء ذلك تقوية أجسام الشباب والرجال وليكونوا رجال جهاد في سبيل عزة الإسلام وقوة أهله.

ولهذا جاء على لسان نبينا الكريم:

"المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف".

وفي الصلاة ذاتها رياضة للجسم تعود عليه بالقوة والنشاط، ففي الركوع والاعتدال والسجود والقيام ما يقوي العضلات وينظم الدورة الدموية.

وتساعد الصلاة على هضم الطعام وفي هذا الصدد يقول الطبراني:

·      "اذيبوا طعامكم بالذكر والصلاة، ولا تناموا عليه فتقسوا قلوبكم" أي يشير إلى ضرر النوم بعد الأكل مباشرة. وهذا ما يؤكده علماء الطب الآن.

لقد سجل الكاتب الفرنسي "ناصرالدين رينيه" الذي أعلن إسلامه في الجزائر عام 1927 في كتابة عن الإسلام الفقرة التالية:

"حركات الصلاة الإسلامية فضلاً عن أنّها تعبير عن الخشوع لله، تقدم للجسم أعظم مزايا الحركات الرياضية، فهي مفروضة الأداء خمس مرات في اليوم الواحد. وكم من رجل بدين أو رجل مسن استطاع الوقوف والسجود والركوع دون كبير عناء، مما لا يستطيع غيرهم في الغرب وفي هذه السن، ما لم يكن يروض نفسه على هذه الصلاة من قبل".

وعادة الانتظام في مواعيد الصلاة تربي في النفس عادة انتظام المواعيد في كلِّ شيء، في تناول الطعام وفي الذهاب إلى المدرسة أو الديوان أو العمل وفي أوقات النوم واليقظة، وفي أوقات الذهاب إلى السوق والمذاكرة واللعب ومقابلة الناس وهكذا. وبهذا يستطيع الإنسان أن يواجه متاعب الحياة ومشكلاتها.

 

المصدر: كتاب الإسلام وقاية من الأمراض

ارسال التعليق

Top