• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التربية.. معانٍ ومفاهيم

أحمد حسن الخميسي

التربية.. معانٍ ومفاهيم

 التربية بناء وتكوين:

التربية: تعني بناء الإنسان وتكوينه نفسياً وعقلياً وجسمياً، ولعملية البناء ثلاثة أركان تقوم عليها: التعليم والتهذيب والتنمية، فالتعليم يغذي العقل، ويدرّب على المهارات، والتهذيب يصقل النفس، ويعزز الفضائل، والتنمية تعمل على إظهار القدرات والإمكانات النفسية والعقلية والجسمية الكامنة في الإنسان وتحسينها والرقي بها.

وثمة كلمات أخرى لها صلات وشيجة بالتربية مثل: التنشئة والتزكية والتوعية والتوجيه والتأديب والرعاية... إلخ.

وتربية الإنسان تبدأ من المهد في كنف والديه، وتنتقل فيما بعد إلى أيدي المعلمين في المدارس، وقد يتلقاها المرء في ساحات المجتمع الواسعة ويتعاون البيت مع المدرسة ليتعلم الأطفال ما يناسبهم من علوم ومعارف في هذه المرحلة العمرية، وتنشئتهم على الأخلاق الكريمة، وتفجير الطاقات التي تسكن في ذواتهم.

والتربية لا تقتصر على الإنسان بل تشمل الحيوانات والنباتات، فنحن نرى صنفاً من الناس يربون الحيوانات، فيقدمون لها الغذاء والشراب المناسبين ويوفرون لها البيئة الصحية صيفاً وشتاء، ويسارعون إلى علاجها إن اعتراها المرض.

كذلك المزارعون يشرفون على مزروعاتهم، فيقومون بريِّها والعناية بها، وإجراء التحسينات والتعديلات في أصنافها وأنواعها والعمل على زيادة إنتاجها وكلنا يعلم مقدار الاهتمام بالمحاصيل الزراعية في زماننا وتحديثها.

وبما أنّ أطفالنا هم ربيع حياتنا وأزاهير أعمارنا، وثمرات فؤادنا، فتربيتهم تربية صالحة هي من الواجبات المؤكدة، ومما يسهل علينا القيام بالعملية التربوية استعداد الأطفال الفطري لغرس القيم فيهم، فنفوسهم صفحة بيضاء، تقبل ما ينقش فيها من جمال وخير، وبداخلهم بذور خير قابلة للنمو والعطاء، وهم يستجيبون لكثير من الأمور التي ندعوهم للقيام بها والتعوُّد عليها.

ولكي نقوم بدورنا فما علينا إلا أن نفهم معنى التربية وأهدافها وأسسها وأساليبها، ولا يعني ذلك التعمق في دراسة التربية وعلم النفس وأصول التربية، بل يتطلب الأمر منا أن نضع نصب أعيننا تربية أبنائنا، ونجعلها من أولى المهمات في حياتنا، وأن لا يشغلنا عنها شاغل، فصناعة الإنسان وتكوينه أهم من صناعة الأشياء وابتكارها.

فلنبادر في أُسرنا ومدارسنا ومجتمعاتنا إلى تربية أبنائنا، فهم المستقبل المنشود الذي تعقد عليه الآمال.

وفي أثناء قيامنا في العملية التربوية علينا أن نحافظ على التوازن بين الروح والجسم ونعطيهما الأهمية المتساوية من السمو والرقي، ونلمس هذا المعنى في قول أفلاطون: "التربية إعطاء الجسم والروح كلّ ما يمكن من الجمال والكمال".

وبذلك ينشأ أطفالنا أصحاء الجسم يتمتعون بالقوة والحيوية، وتدل تصرفاتهم وتعاملهم مع الآخرين على علم وأخلاق فاضلة.

إنّ التربية غير محدودة بزمان ولا مكان، بل هي مستمرة طوال الحياة، ولا تقتصر على مرحلة عمرية بعينها.

 

التربية التزام ومسؤولية:

إذا رُزق الإنسان بمولود، فإنّه يشعر بأنّ تربيته وحمايته وتوفير الأمن والأمان له من أولى الالتزامات يلزم بها الإنسان نفسه، وهذا الشعور غريزي فطري في الإنسان والحيوان، لذا نرى أن كلّاً منهما يسارع إلى العناية بصغيره منذ أن تتفتح عيناه على الحياة، بل إنّ الإنسان يهتم بشأن ابنه حتى وهو جنين في بطن أمه، بحيث يخضع الرجل زوجته للفحص الطبي الدوري للاطمئنان على صحة ولده ونموه، ويطلب من زوجته الالتزام بإرشادات الطبيب الصحية والغذائية، ويحذرها من كلِّ جهد جسمي أو انفعال نفسي يضر بالجنين.

إنّ الالتزام بالتربية عمل طوعي يمليه على الإنسان الواجب، فهو اختياري غير قسري، يقوم الوالدان به بدافع العاطفة العارمة والحب الكبير لولدهما.

ومما يقوي هذا الالتزام بتربية الأبناء، معرفة الإنسان بأنّه مسؤول أمام الله تعالى والمجتمع إن هو قصر في ذلك.

فالله سبحانه وتعالى سيسأل كل راع عما استرعاه. قال رسول الله (ص) "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" متفق عليه.

وقال في حديث آخر: "إنّ الله سائل كل راع عما استرعاه، أحفظ أم ضيع؟ حتى يسأل الرجل عن أهل بيته" رواه النسائي وابن حِبَّان.

وَسَيُسأل الأب والأُم عن تقصيرهما من قبل القانون، فأكثر القوانين في دول العالم تحاسب الآباء إن هم قصروا في تربية أبنائهم، ولم يرسلوهم إلى المدارس لاستكمال تربيتهم.

كما أنّ المتهاون في تربية أولاده يشعر بالحرج أمام أبناء مجتمعه، لاسيما إذا أساء أولاده للمجتمع وأفراده، ولم يقوموا بواجباتهم.

إنّ اقتناع الآباء بأنهم مسؤولون، يجعلهم يتفانون في تعليم أبنائهم ورعايتهم وتنشئتهم تنشئة فاضلة.

ولقد أمرنا الخالق – عزّ وجلّ – بأن نقي أهلينا وأنفسنا النار، وذلك بتربيتهم على تلك المعاصي والقيام بالواجبات فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم/ 6).

فلابدّ من بذل الجهد والعمل الدؤوب في إصلاح الأطفال وتهذيبهم، وتصحيح أخطائهم وتعويدهم الخير والصلاح، وجعلهم مؤمنين مخلصين، وهذا منهج الأنبياء والمرسلين والمربين من العلماء والمرشدين.

ويحصد المربي ثمرات تربيته في الدنيا بعد أن تتحقق أهدافها، وينال الثواب عند ربه، فقد بيّن ذلك رسول الله (ص) بقوله: "لأن يؤدب الرجل ولده خير له من أن يتصدق بصاع" رواه الترمذي.

وثواب الله تعالى يتضاعف كما هو معلوم، ويؤدي إلى دخول الجنة التي تجري من تحتها الأنهار، ولا سيما في تربية البنات: "من عال ثلاث بنات، أو ثلاث أخوات، أو أختين، أو بنتين، فأدبهن، وأحسن إليهن، وزوجهن، فله الجنة" حديث شريف رواه أبو داود.

وللعلماء والفلاسفة آراء في التربية تشجع الوالدين على المضي فيها على أكمل وجه فهم أكثر دراية بعلم نفس الطفل وما ينمِّيه ويزكِّيه ويرقِّيه.

وما على المربي إلا أن يقرأ هذه الآراء ويطلع عليها ليقتبس منها ما يفيده، ولتصبح تربيته لأبنائه أكثر نجاحاً وتوفيقاً.

 

ما هي الأهداف التربوية؟

عندما يقوم الإنسان بعمل من الأعمال، يضع نصب عينيه هدفاً واضحاً يسعى لتحقيقه من عمله هذا، ويقطف ثمار جهده إما أثناء عمله على دفعات، أو في آخره عند الانتهاء منه.

وأعتقد أنّ الذين يتصدون للعملية التربوية التي تربي الإنسان وتنشئه تنشئة قويمة، يهتمون بالأهداف التي يبغون تحقيقها من وراء أعمالهم في حقول التربية سواء في البيت أو في المدرسة أو في المجتمع، ويجددون هذه الأهداف بوضوح، ويهيئون كلَّ الأسباب للوصول إليها في بداية عملهم. وللتربية أهداف عامة وأهداف خاصة.

·      ماذا يعني الهدف؟

الهدف: هو الثمرة المرجوة من عمل من الأعمال، فالطالب يدخل كلية الطب ويدرس مناهجها وهدفه من ذلك أن يصبح طبيباً، والمزارع الذي يغرس الأشجار، ويبذل الجهد في سقايتها والعناية بها هدفه أن تنمو وتثمر وتعطي محصولاً شهياً.

إنّ الهدف – ببساطة – هو غرض ينشده الإنسان ويعمل على الوصول إليه.

أمّا الهدف في مجال التربية: فهو ما نريد تحقيقه في العملية التربوية من تنمية وترقية للشخصية الإنسانية.

·      أهداف التربية:

ولكي نكون على بيِّنة من أمرنا في تربية أبنائنا، نحدد الأهداف التربوية العامة التي يجب أن نعمل على تحقيقها بحيث نراها متجلية محققة واضحة في سلوك أبنائنا وسيرتهم في الحياة وهذه الأهداف هي:

1-  تكوين الإنسان المؤمن بربه الذي يؤدي ما عليه:

فالإنسان الذي يؤمن بالله تعالى، ويعمق الصلة به عن طريق العبادة والمعاملة، يندفع بكليته لتأدية ما عليه من واجبات تجاه ربه وتجاه دينه، وتجاه أسرته ومجتمعه، وبالتالي يكون هناك انسجام بينه وبين الكون والأحياء.

وإذا استطاعت تربيتنا أن تصنع جيلاً مؤمناً يعرف ما له وما عليه، نكون قد قطعنا شوطاً كبيراً في سلم الرقي والتقدم.

2-  تكوين الإنسان الصالح:

إنّ الإنسان الصالح هو الذي يصلح ولا يفسد، ويبني ولا يهدم، ويتصف بالأخلاق الكريمة الشمائل الحميدة، وإنّ مجتمعاً يكون أفراده صالحين يعد مجتمعاً فاضلاً، وإنّ السعي إلى الفضيلة ديدن كلّ الشعوب، لذا تحرص الأمم على تربية أبنائها تربية سامية، تجعلهم نماذج طيبة للصلاح والاستقامة.

وهذا يقوي الأُمة ويعينها على البقاء والاستمرار يقول الشاعر أحمد شوقي:

وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت *** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

والإنسان المؤمن الصالح الخلوق يكون قوة إيجابية بناءة يعمل على إسعاد أهله، ونهضة أمته، ويدافع عن دينه وشرفه وكرامته ووطنه إن تعرضت لهجوم من عدو من الأعداء، هو إنسان مقدم غير محجم، وهو إنسان صوّال وجوّال في ميادين الحياة، غير خمول ولا كسول.

3-  تكوين الإنسان المتعلم المثقف:

إنّ الإنسان المتعلم إنسان واعٍ منتج، يتقن عمله، ويسير وفق مخطط منتظم، ويعرف أين يضع أقدامه أثناء سيره، ويعلم أنّه خلق في هذه الحياة لإعمارها وتشييدها والانتفاع بها.

والمتعلم ينتج أكثر إذا تخصص في مجال من المجالات، وتتسع دائرة اختصاصه وإبداعه فيه إذا رفده بثقافة عامة، فيعرف كلّ شيء عن تخصصه، ويعرف شيئاً عن كلِّ شيء.

وقد أشاد العلماء في كتبهم بالعالم المثقف، وإنّ مجتمعاً يتألف من متعلمين يحظى بالتقدير من كلِّ دول العالم، ويعد مجتمعاً مستنيراً، وتتسابق الأمم في هذا المضمار، وتعلن عن تضاؤل نسبة الأمية أو انعدامها في صفوف أبنائها، وتفتخر بالعلم، فالعلم يبني الأُمم والجهل يهدمها:

العلم يرفع بيتاً لا عماد له *** والجهل يهدم بيت العز والكرم

4-  تكوين الإنسان المحترف الذي يمتلك مهنة:

إنّ الإنسان المحترف صاحب المهنة محبوب من جميع فئات المجتمع، فالأسرة تحب أن يكون لأبنائها عمل يكتسبون منه عيشهم، والدولة تحب أن يكون أفرادها علماء نشيطين لهم أعمالهم في مناحي الحياة، وتتعاون الأسرة مع الدولة وما فيها من هيئات ومؤسسات على محاربة البطالة والجهل الحرفي، فالمجتمع الذي يتقن أفراده حرفاً وينتجون فيها، هو مجتمع قوي يسير إلى الأمام والتطور، وهذا الأمر يدفع الدولة إلى تنمية المواهب والقدرات المهنية عند أبنائها، وتوفر لهم فرص العمل.

إنّ تحقيق هذه الأهداف التربوية في أمة من الأمم سيجعلها تسمو وتسبق الأمم الأخرى في كثير من الميادين.

 

المصدر: كتاب تربية الأطفال بين البيت والمدرسة

ارسال التعليق

Top