• ٣ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٤ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

التوحيد في القرآن الكريم

السيد حسن بحر العلوم

التوحيد في القرآن الكريم
◄البحث حول التوحيد من الأبحاث المحورية في القرآن الكريم، فقد نزلت في هذا المجال عشرات من الآيات تعرضت للبحث عنه من جهات مختلفة. ويحكي لنا القرآن أنّ الدعوة إلى التوحيد ومكافحة الشرك من الأهداف الأصولية لبعث الأنبياء والرسل، يقول سبحانه وتعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل/ 36). ويقول تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 25). وقد كانت سيرة الأنبياء في هداية الناس إلى السعادة والفلاح أن يبدأوا قبل كل شيء بالدعوة إلى التوحيد ورفض الشرك، فيحكي لنا القرآن سيرة نوح، وهود، وصالح، وشعيب – عليهم السلام – بأنّ أول كلمة وجهوها إلى أقوامهم هي أنّه لا إله غير الله سبحانه، فعليهم أن يوحدوه في العبادة، قال سبحانه وتعالى: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) (المؤمنون/ 23). إنّ مسألة التوحيد من المسائل العقائدية التي نشأ الجدال فيها بين المسلمين في أواسط القرن الأول الهجري واستمرت إلى يومنا هذا، فما وقع النزاع فيه آنذاك هو أنّ ارتكاب الذنب "خصوصاً الكبيرة منه" هل يؤدي إلى الشرك أو لا؟ فمن قائل بأنّ ارتكاب الذنب شرك صريح كالخوارج، ومن قائل بأنّ الذنب يُخرج فاعله من الإيمان ولكن لا يدخل في الشرك بل هو فسق وهو منزلة بين الإيمان والشرك كالمعتزلة. وما زالت الفرق تتشاجر في المسألة، وكل منها ترمي أختها بالشرك والكفر فيما يتعلق بأوصافه تعالى وأفعاله، كالبحث عن صفات الله الأزلية، هل هي زائدة عن الذات أو لا؟ فطائفة قالت بالعينية، ورمت القائل بالزيادة إلى الشرك، وطائفة قالت بالزيادة ونسبت القائل بالنفي إلى الشرك محتجة بأن لازمه تعطيل الذات عن الصفات وهو إنكار لما ثبت بالضرورة من الدين إلى غير ذلك من المسائل، كمسألة خلق الأفعال، والجبر والتفويض والرؤية ونحوها. وعلى هذا فالبحث حول التوحيد من الأبحاث الهامة في مجال العقيدة الإسلامية، وإذا كان القرآن الكريم في مجال العقيدة الإسلامية، وإذا كان القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين أيديه ولا من خلفه هو المصدر الأوّل للمسلمين في معارف دينهم وأحكام شريعتهم، فإننا يجب أن نعرض عقائدنا عليه لتميز الخبيث من الطيب والصحيح من المزيف، وهنا ما نتبناه في دراستنا هذه باحثين الموضوع ضمن العناوين التالية: أسس التوحيد ومراحله أ‌-      التوحيد في الألوهية. ب‌- التوحيد في الربوبية. ت‌- التوحيد في العبادة. ث‌- آثار التوحيد وثمراته. التوحيد في الألوهية: هذا هو الأساس الأول لمسألة التوحيد، وقد ركز القرآن الكريم عليه بكلمات وأساليب مختلفة، تارة: في قالب الإثبات مشفوعاً بأدوات التأكيد، وأخرى: في قالب النفي (نفي إله غير الله)، وثالثة: بالنهي عن اتخاذ إله غير الله، ورابعة: بقصر الألوهية في الله تعالى بأدوات الحصر والقصر، وإليك فيما يلي نماذج من الآيات في ذلك: (وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (البقرة/ 163). (إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ) (الصافات/ 4). (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) (الإخلاص/ 1). (مَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) (المؤمنون/ 91). (إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (النساء/ 171). (إنما إله واحد) (الأنعام/ 91، وإبراهيم/ 52، والنحل/ 51). (أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) (الأنبياء/ 108، وفصلت/ 6). (لا إِلَهَ إِلا هُوَ) (البقرة/ 163 و255، والنساء/ 287). وهذا الأسلوب أكثر الأساليب في التعبير عن توحيد الألوهية. (مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ) (القصص/ 71)، (استفهام إنكاري). (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) (النمل/ 60-62)، (استفهام إنكاري). وهناك آيات تنهى عن إتخاذ إله غير سبحانه، قال تعالى: (لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) (الإسراء/ 22-39). وقال تعالى: (وَلا تَجْعَلُوا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) (الذاريات/51). وقال تعالى: (لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ) (النحل/ 51).   - حقيقة الألوهية ومميزاتها: للألوهية المختصة بالله تعالى سمات تميزها، وهي مجموعة من الصفات الكمالية التي تتصف بها ذاته، فقد نصّ القرآن على أنّ الأسماء الحسنى مختصة بالله تعالى، حيث قال: (وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) (الأعراف/ 180). وقد قدّم الخبر في قوله: (وَلِلَّهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى) وجيء بالأسماء محلى بالألف واللام، والجمع المحلى بالألف واللاام يفيد العموم، ومقتضى ذلك أنّ كل اسم أحسن في الوجود فهو لله سبحانه لا يشاركه فيه أحد، وإذا كان الله سبحانه ينسب بعض هذه المعاني إلى غيره ويسميه بها كالعلم والحياة والخلق والرحمة فالمراد بكونها الله، كون حقيقتها له وحده لا شريك له. إنّ ظاهر الآيات يؤيد هذا المعنى كقوله تعالى: (أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (البقرة/ 165). وقوله تعالى: (فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا) (النساء/ 139). وقوله تعالى: (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ) (البقرة/ 255). وقوله تعالى: (هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلا هُوَ) (غافر/ 65). يقول السيد الطباطبائي (ره) (فله سبحانه حقيقة كل اسم أحسن لا يشاركه غيره إلا بما ملّكهم منه كيفما أراد وشاء) "الميزان: 8، 334-344. ثمّ أنّ المبدأ لجميع تلك النعوت الجميلة كونه سبحانه وتعالى هو الحق المطلق، حقاً، في ذاته، حقاً في صفاته، وحقاً في أفعاله، تنص على ذلك جملة من آيات الذكر الحكيم نأتي بنماذج منها: يقول سبحانه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى) (الحج/ 6). وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) (الحج/ 62). وقوله: (يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) (النور/ 25). وقوله: (فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلا الضَّلالُ) (يونس/ 32). إلى غير ذلك من الآيات في هذا المجال، والجميع كما نرى تصف الله سبحانه بأنّه مطلق الحق، والحق المطلق. إنّ المقصود من كونه تعالى حقاً: أنّه سبحانه موجود قائم بذاته، غني في وجوده وصفاته، جميل في أسمائه وأفعاله، ثابت، باقٍ، لا يشوبه بطلان لا في مرتبة ذاته ولا في صفاته وأفعاله، وهذا هو (وجوب الوجود) في مصطلح الفلاسفة الإلهيين. وإلى هذا أشار لبيد بقوله: ألّا كل شيء ما خلا الله باطل *** وكل نعيم لا محالة زائل ومن الآيات الجامعة لنعوت الألوهية، الآيات الثلاث من آخر سورة الحشر، وهي قوله سبحانه وتعالى: (هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (الحشر/ 22-24).   - التوحيد في الربوبية: نصّ القرآن الكريم على أنّ الله سبحانه هو ربٌّ كلّ شيء ومدبره، خلق الأشياء ثمّ هداها إلى غاياتها وجهزها بالأدوات اللازمة لحياتها، قال سبحانه وتعالى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الفاتحة/ 2). وقال تعالى: (قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ) (الأنعام/ 164). وقال تعالى: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) (الأعراف/ 54). وقال تعالى: (اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ) (الصافات/ 126). وقال تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) (مريم/ 65). وقال تعالى: (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا) (الشعراء/ 28). وقال تعالى: (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى) (الأعلى/2-3) إنّ هذه الربوبية العامة تتجلى في الأشياء بصور مختلفة حسب ما تقتضيه استعداداتها وغاياتها، وعلى هذا فإرسال الرسل وإنزال الكتب السماوية ووضع القوانين وغفران الذنوب ونحو ذلك يعتبر من مظاهر الربوبية كما أنّ له ربوبية وتدبير كوني كغيره من الظواهر، هذا بطل التوحيد، خليل الرحمن (ع) يقول في احتجاجه على الوثنيين: (فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ) (الشعراء/ 77-81). وقال سبحانه: (قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ) (يونس/ 35). وبهذا يتضح المراد من اختصاص الربوبية والتدبير بالله تعالى، فليس المراد في التأثير عن الأسباب والعلل مطلقاً، وإبطال قانون السببية، بل المقصود نفي الاستقلال في التأثير، فالأشياء كما هي متعلقة الوجود وقائمة الذات بوجوده ومشيئته سبحانه، فإنها كذلك ليس لها أي استقلال فيما يترتب عليها من الآثار، كما لم يفوض أمر التدبير كلاً أو جزءاً إلى شيءٍ من الأشياء سواء في ذلك الجن والملك والموجود السماوي والأرضي. غير أنّه تعالى ربما ينسب الحكم "وخاصة التشريعي منه" في كلامه إلى غيره، كقوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ) (المائدة/ 95). وقوله تعالى: (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ) (المائدة/ 44). إلى غير ذلك من الآيات، وعند ضمها إلى الطائفة الأولى من الآيات نستفيد أنّ الحكم الحق لله سبحانه لا يستقل به أحد غيره ويوجد لغيره بإذنه، لذلك عدّ تعالى نفسه أحكم الحاكمين فقال: (أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين/ 8). وقال: (وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ) (الأعراف/ 87).   - التوحيد في العبادة: هذا القسم من التوحيد هو العمدة في رسالة الأنبياء وأساس دعوتهم، يقول سبحانه: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) (النحل/ 36). ولا خلاف بين الأمة الإسلامية في اختصاص العبادة بالله سبحانه فهذه قاعدة دينية لا ينكرها أحد منهم، ومع ذلك فربما ينسب بعضهم بعضاً إلى الشرك في العبادة فيما يفعلونه من تعظيم قبور الأولياء والصالحين والتوسل بهم ونحو ذلك، بتوهم أنّ هذه الأفعال عبادة وعبادة غيره سبحانه وتعالى شرك. وقبل الإجابة عن هذه الشبهة يحسن بنا أن نحدد حقيقة العبادة. المشهور في تحديد العبادة: أنها مطلق الخضوع والتذلل مقابل الغير. ويرد عليه: أوّلاً: لو كانت العبادة مرادفة في المعنى للخضوع والتذلل، لما أمكننا اعتبار أي إنسان موحد لله تعالى، لأنّ البشر بفطرته يخضع لمن يرى له تفوقاً عليه، كالتلميذ يخضع لأستاذه والولد لوالديه، والمحب لحبيبته. ثانياً: إنّ القرآن الكريم يأمر الإنسان بالتذلل لوالديه إذ يقول تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ) (الإسراء/ 24). ثالثاً: إنّ الله تعالى أمر الملائكة بالسجود لآدم، وهو يُعَدُّ غاية الخضوع. رابعاً: إنّ يعقوب (ع) مع زوجته وولده سجدوا ليوسف (ع) (وَخَرُّوا لَهُ سُجَّدًا) (يوسف/ 100). وعلى هذا فالعبادة المختصة بالله تعالى ليست بمعنى الخضوع والتذلل قولاً وفعلاً فقط، بل لها ركن آخر وهو الخضوع لمن يعتقد بألوهيته فهذه هي العبادة التي تنحصر في الله سبحانه والإتيان بها لغيره شرك فلنأت بنماذج من الآيات الدالة على ما ذكرنا: 1-    (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة/ 5). 2-    (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ) (البقرة/ 21). 3-    (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدُونِ) (الأنبياء/ 25). 4-    (ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ) (الأنعام/ 102). 5-    (وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ) (هود/ 123). هذا في جانب الإثبات، أعني الدعوة إلى عبادته سبحانه، وهي معللة بالألوهية. أما في جانب الإنكار، أعني رفض عبادة غير الله تعالى، فإليك نماذج من الآيات الدالة على ما ذكرنا: 1-               (أَتَدْعُونَ بَعْلا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخَالِقِينَ * اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبَائِكُمُ الأوَّلِينَ) (الصافات/ 125-126). 2-               (قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعًا) (المائدة/ 76). 3-               (قَالَ أَتَعْبُدُونَ مَا تَنْحِتُونَ * اللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات/ 95-96). 4-               (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ) (النحل/ 20). إلى غير ذلك من الآيات، والجميع كما ترى تذم المشركين وتوبخهم على أنهم كانوا يعبدون ما ليس له شأن من شؤون الألوهية. وتدل على هذا أيضاً الآيات الحاكية لدعوة الأنبياء أقوامهم إلى عبادة الله تعالى، إذ كانوا يعللون ذلك، بأنّ لا إله إلا هو، فهم يستدلون على توحيد العبادة بتوحيد الألوهية. وقد أجاب العلامة الطباطبائي عن دعوى الوهابيين من أنّ الحلف بغير الله شرك بقوله: "إن أراد أن في اليمين بغير الله إعظاماً للمقسم به وإجلالاً لأمره وفيه خضوع وعبادة له وهو الشرك، فما كل إعظام شركاً إلا إعطاء عظمة الربوبية المستقلة التي يستغني بها عن غيره، وإن أراد أن مطلق الأعظام كيفما كان لا يجوز في غير الله فهو ممّا لا دليل عليه، بل القاطع من الدليل خلافه" (الميزان: 6، 211-213).   - ثمرات التوحيد: الإيمان بالله تعالى وحده بجميع مراتب التوحيد هو الأساس لسعادة الإنسان في الدارين، فما من خير وبركة وأمن وسلامة، وكمال وسعادة، إلا وهو نابع عن التوحيد الكامل، يقول سبحانه: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) (الأنعام/ 82). (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ) (البقرة/ 257). (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ) (فصلت/ 30). (الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) (النساء/76) (الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) (الرعد/ 28). (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا) (الحج/ 38). (وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ) (الشورى/ 36). إلى غير ذلك من الآيات المبينة لثمرات الإيمان وآثاره المباركة في حياة الإنسان الفردية والاجتماعية والدنيوية والأخروية. روى الصدوق بإسناده عن معاذ بن جبل، قال: "كنت رديف النبي (ص) فقال: يا معاذ هل تدري ما حق الله – عزّ وجلّ – على العباد؟ يقولها ثلاثاً قلت: الله ورسوله أعلم، فقال (ص): حق الله – عزّ وجلّ – على العباد أن لا يشركوا به شيئاً، ثمّ قال (ص): هل تدري ما حق العباد على الله – عزّ وجلّ – إذا فعلوا ذلك؟ قلت الله ورسوله أعلم، قال: إنّ الله لا يعذبهم أو قال لا يدخلهم النار" (الصدوق – التوحيد/ الباب1، ح28). وروى بإسناده عن علي (ع) في قوله الله عزّ وجلّ: (هَلْ جَزَاءُ الإحْسَانِ إِلا الإحْسَانُ) (الرحمن/ 60)، قال علي (ع): سمعت رسول الله (ص) يقول: إنّ الله عزّ وجلّ قال: ما جزاء من أنعمت عليه بالتوحيد إلا الجنة. المصدر المتقدم. وروى بإسناده عن زيد أرقم عن النبي (ص) قال: "من قال لا إله إلا الله مخلصاً دخل الجنة، وإخلاصه أن تحجزه لا إله إلا الله عما حرم الله عزّ وجلّ". المصدر المتقدم.   المصدر: مجلة الغدير/ العدد 46 لسنة 2002م

ارسال التعليق

Top