• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

الرسول (ص) المهندس المعماري الأوّل في الإسلام

المهندس رؤوف محمَّد عليّ الأنصاري

الرسول (ص) المهندس المعماري الأوّل في الإسلام

عهد الرسول (ص) (1هـ - 11هـ)

كان المسجد أوّل عمل هندسي أبدعه الإسلام وتميز به عن بقية الأُمم. فهو نواة تشكيل المدينة الإسلامية. وكان أوّل عمل يقوم به المسلمون بعد فتح بلد ما، هو إنشاء المسجد الجامع. ولم تعمر المساجد لإقامة فريضة الصلاة فحسب وإنما أنشأت لأغراض الدين والدنيا.

إنّ الهدف الرئيسي من عمارة المسجد كما أراده الله سبحانه وتعالى ورسوله الكريم (ص) غايته هو عمارة الإنسان إنطلاقاً من المسجد. وكان النبي محمد (ص) يقول: "وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً" وبهذا يستطيع المسلم أن يصلي في أي مكان من الأرض.

وتعد المساجد من أهم المعالم الحضارية الإسلامية فالمسجد هو أوّل مؤسسة تعليمية لمختلف أنواع العلوم، وهو المكان المناسب لتجمع المسلمين، حيث تمارس فيه الوظائف الدينية والسياسية والعسكرية والاجتماعية، وكان النبيّ (ص) وأصحابه وأهل بيته – عليهم السلام – يجتمعون بالمسلمين في المسجد فكان في حينها داراً للحكومة، كما كان بيتاً للمال تحفظ فيه أموال المسلمين.

والرسول الكريم (ص) خطّط وأنشأ أوّل مسجد في الإسلام بعد وصوله مهاجراً من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة عام 622م.

وبتشييد المسجد في المدينة المنورة، يعتبر الرسول (ص) المهندس الأوّل في الإسلام حيث أعطى صورة موضحة لتخطيط وتكوين المسجد، وبعد ذلك خطّطت جميع المساجد على هذا المنوال، وكان اسم المسجد الذي خطّطه الرسول الكريم (ص) هو قباء.

وجعل لهذا المسجد قبلة يتوجه المصلون نحوها وهي الكعبة المشرفة بعد أن نزل قوله تعالى: (فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) (البقرة/ 144)، صدق الله العليّ العظيم. بعد إن كانت القبلة الأولى بيت المقدس.

إنّ مسجد قباء لم يكن المسجد الأوّل والوحيد الذي شيد في زمن الرسول الكريم (ص)، فقد شرَّع الرسول (ص) في إنشاء مسجده الثاني في المدينة المنورة لبضعة شهور من هجرته إليها ولم يستغرق إنشاؤه وقتاً طويلاً فقد انتهى العمل منه في العام الأوّل للهجرة (622م).

لقد استوحى الرسول الكريم (ص) فكرة تخطيط وتصميم المسجد من روح الإسلام السمحة.

لقد شيد المسجد على أرض مساحتها  70 ذرعاً لـ63 ذراعاً (الذراع = 85 سنتيمتراً).

ويحيط بالمسجد سور وله ثلاثة أبواب. وقد جعل الرسول الكريم (ص) في ناحية القبلة سقيفة على جذوع النخيل، وهذه الجذوع تقوم بوظيفة الأعمدة ثمّ سقف بعوارض (جسور) من خشب جذوع النخيل أيضاً ثمّ وضع عليها سعف النخيل والطين.

وفي صدر المسجد حدد موضع إمام الصلاة (مكان المحراب) ليتوسط المصلين، وأشير إليه بعلامة مميزة، كما أقيمت للرسول (ص) ثلاث درجات مرتفعات ليقف عليها أثناء الخطبة وكانت هذه هي بداية المنبر.

وكان مسجد الرسول (ص) في المدينة المنورة يضم في صورته الأولى العناصر التالية:

1-   ساحة مكشوفة: وهي التي تعرف بالصحن في مصطلح المساجد، وجزء من تلك الساحة مغطى بسعف النخيل والطين، يقع في ناحية القبلة وهذا الجزء يسمى المصلى أو (الحرم).

2-   قبلة محددة يقف المصلون اتجاهها صفوفاً جنباً إلى جنب بحيث يؤلفون جبهة عريضة ووجوههم تتجه جهتها، وهي البيت الحرام في مكة المكرمة.

3-   موضع محدد في جدار القبلة يقف اتجاهه الإمام، وهو المحراب.

4-   دكة إلى يمين المحراب يقف عليها الخطيب، وهو بمثابة المنبر، وهذه العناصر الرئيسية: الصحن والمصلى (الحرم)، والقبلة، والمحراب، والمنبر لا يمكن أن يخلو منها المسجد في الإسلام. إلا بعض المساجد الصغيرة، والتي تخلو من الصحن بعض الأحيان لصغر مساحتها، وخاصة المساجد الصغيرة التي تقع داخل المدن القديمة.

لقد مرّ مسجد الرسول (ص) في عهود ومراحل تاريخية منذ زمن الرسول (ص) وإلى العهدين المملوكي والعثماني، لقد رمم المسجد وأعيد بناؤه عدة مرات، ويعتبر وضعه الحالي آية من آيات العمارة الإسلامية في العالم.

لقد طرأت عليه التحسينات وتم توسعة بناءه سنة 1375هـ (1955م) وأصبحت مساحة المسجد حالياً 16326 متراً مربعاً. وفي التوسيع الحالي الذي قامت به السعودية بلغت مساحة المسجد النبوي 390.000 متراً مربعاً.

وللمسجد مأذنتان إرتفاع كل منهما 70 متراً. وقد تم اكساءه بالمرمر الملوَّن والأخشاب النفيسة والمعادن الثمينة.

لقد كانت هندسة المساجد الأولى ذات مظهر تقشفي وبسيط يتلائم مع الحياة البسيطة والمتواضعة، التي كان يعيشها الإنسان المسلم في المرحلة الأولى من تحرره من العبودية والوثنية ولكن المعمار المسلم أضاف بشكل تدريجي لهذا التقشف الهندسي مضموناً روحياً وفكرياً بالغ الجمال سرعان ما أدى إلى نشأة الفن الزخرفي الإسلامي، والزخرفة الإسلامية ما هي في الواقع سوى أداة للتأمل العميق يرافق الإنسان المسلم من وطأة العالم المادي أثناء تأدية الصلاة.

وعمارة المساجد أخذت أشكالاً وانماطاً معمارية متعددة، وفي عهود ومراحل تاريخية مختلفة كما نشهد ذلك حالياً من الآثار المتبقية لبعض المساجد الأثرية.

 

المصادر:

موسوعة العمارة الإسلامية: د. عبدالرحيم غالب.

المساجد: د. حسين مؤنس.

الإسلام وفئوية تطور العمارة العربية: حيان صيداوي.

 

المصدر: مجلة النور/ العدد 31 لسنة 1993م

ارسال التعليق

Top