• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

العيد.. انتصار على النفس

العيد.. انتصار على النفس

◄العيد محطة زمنية يتوقّف المرء عندها، ليراجع نفسه فيها فيما لها وما عليها، وماذا استفادت من موسم العبادات، ومن أهمها الصوم لله تعالى، ويبقى الاحتفال الحقيقي للمرء بالعيد هو الاحتفال به كقضية متجذِّرة في وجدانه وشخصيته، ومركوزة في عقله وفكره، وليس احتفالاً شكلياً يذهب ويستهلك مع الوقت، القضية هي تأصيل ذواتنا، وأن نعيش هذا الانتماء والارتباط الفعليّ والحيّ والمنفتح على ديننا وأخلاقيّاتنا الرسالية الهادفة لبناء الإنسان والحياة، بما يتوافق مع وجوده الآدميّ المكرّم من الذات الإلهيّة، في كدحه الإنساني والحضاري نحو الخالق.

العيد في حقيقته رأس الحرّية والانعتاق؛ الحرِّية من سلطة الشيطان ووسوسته، فنحن نتحرّر منه لندخل في رحمة الله ودائرة مرضاته وإقامة حدوده وعدم التعدّي على حرماته، عندها يأخذ العيد البعد الاحتفالي المتميّز في تغلّب الإنسان على شياطين الشهوات والعصبيّات والأنانيّات، وهذا ما يصنع المرء ويصقل إرادته وينضج شخصيته ويجعل منه الواعي لدوره ومسؤولياته.

وما دمنا لا نُحارب شياطين الجنّ والإنس، ولا نُحارب شهواتنا وغرائزنا وعصبيّاتنا وجهلنا وتخلّفنا، فلن نصل حقيقةً إلى معايشة معنى العيد وعمقه، بل نظلّ البعيدين عنه، والغرباء عن إدراك تجلّياته المعنوية والمعرفية.

العيد هو الانتصار الحقيقي والمدوّي على الشيطان، وتمثّلنا لأوامر الرحمن، ولن يتحقَّق هذا الانتصار إلّا بوجود عباد الرحمن المخلصين الواعين المقيمن لحدوده، والمراعين والمحافظين على حرماته، وهنا يأخذ العيد بُعداً زمنياً ممتدّاً على مساحة العمر، فلا يعدّ مجرّد محطة عابرة، "فكلّ يوم لا يُعصى الله فيه فهو عيد"، حيث يتحوّل الزمن كلّه إلى عيد في التزام الإنسان بخطّ الاستقامة والهداية، ومقارعته لخطّ الباطل، ومحاربته للشيطان وانعتاقه من إغوائه.

وبذلك نفهم أنّ العيد ليس فقط مشهداً احتفالياً للفرح والسرور والزينة، بل يعني مسؤولية المؤمن، فيما تعنيه كلمة المسؤولية من التزامات وتبعات، مسؤولية فهم الوجود ووعي مسيرة الإنسان في جعل عمره في خدمة الله تعالى وخطّ رسالته، هذه الرسالة التي تدعو إلى أن يحيا المرء مضامين العيد في بعده الروحي وفي بعده الاجتماعي التكافلي، فيعمل على تخفيف المعاناة عن المستضعفين والمحرومين والفقراء، وزرع السرور والبسمة على وجوه اليتامى والمساكين والمحتاجين.

أصحاب العيد الحقيقيون هم مَن صاموا عن أهوائهم وعصبيّاتهم، وحفظوا أنفسهم وجوارحهم، وصاموا عن كلّ ما فيه أذى للناس، أصحاب العيد هم المخلصون الذاكرون لله تعالى على الدوام، العاملون في سبيله، المستقيمون على دينه بكلّ وعي ومسؤولية، الذين حصّنوا أنفسهم بصومهم، ونمت وأثمرت التقوى لديهم، بحيث باتت طاقة متجدِّدة لكلّ الوقت ولكلّ الحياة.

في يوم العيد، علينا أن نجدِّد العهد لله، بأن تكون إرادتنا تبعاً لإرادته، وأن تكون حياتنا سائرة في طريقه، وألا تشغلنا الدنيا عن ذكره، والعمل لنيل ثوابه ومرضاته، وأن نعيش قيمة الحرّية في أنفسنا، فنحرّرها من قيود الشهوات والعبودية للأشخاص والمادّة والمراكز، ونكون عباد الرحمن المكرمين.►

ارسال التعليق

Top