• ٢ أيار/مايو ٢٠٢٤ | ٢٣ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

حجاب المرأة صلاة.. وصلاة الرجل حجاب

الشيخ حسن محمد نديم الطائي*

حجاب المرأة صلاة.. وصلاة الرجل حجاب
في الحياة كثيراً ما نشاهد استخدام الناس أشياء واقية ضد شيء معيّن، مثلاً يستخدم الجند درعاً يقيهم من الرصاص... وكذلك الناس بمختلف أنواعهم وكل حسب مجال مهنته وعمله يستخدم المانع والواقي، مثل الوقاية ضد الماء أو الحريق أو البرد أو الحر وما أشبه. وهذه الموانع والوقايات في الجوانب المادية، وقد جعل الإسلام جملة من الوقايات ضد أشياء معينة في الحالات المعنوية، وكلها تعود بصالح الإنسان والأسرة والمجتمع.. ومنها الصلاة: فإنها وقاية لكل فرد ض الفساد والإنحراف، بقوله تعالى: (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) (العنكبوت/ 45). وقد جعل الله – سبحانه وتعالى – للمرأة حكماً يتناسب مع طبيعتها، ليقيها من الفساد ومن كيد الفاسدين.. وهو الستر والحجاب، وهو أحد أهم جوانب المرأة الإيمانية.. لأنّه انعكاس لباطنها الإيماني على ظاهرها؛ ذلك أنّ الإيمان تصديق بالقلب وعمل بالجوارح: فلا يكفي أن تكون المرأة مؤمنة دون أن تعكسه على ظاهرها. وإنّه فريضة على كل إمرأة بالغة بقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) (الأحزاب/ 59).فقد تضمنت الآية المباركة الأمر بالحجاب لكل النساء، وذلك للحفاظ عليهنّ من مضايقات الذين يتعرضون لهنّ.. وإلا فالمرأة المحجبة التي وقت نفسها بالستر والحجاب: تكون بعيدة عن مرمى العين وسماع الكلام... وقد نصادف كثيراً من الناس – رجالاً أو نساءً – فتسأل الرجل عن سبب عدم صلاته أو صيامه؟ وتذهل حينما يلقي كلمته التي طالما أجاب بها فحفظها وصارت لديه بديهية.. بأنّه مؤمن في قلبه: يحب الله ويعتقد به، وإنّه إنسان طيب، وهو كفيل بإدخالي الجنة..!! أو المرأة التي تخشى عليها، وتريد مصلحتها، فتنصحها بالحجاب، تبادرك بنفس الجواب أيضاً...! وقد صار هذا الجواب، جواباً لكل سؤال عصيب وهروباً من النصيحة وتبريراً لاستمرارية المعصية. والحق بأنّ هذه الأجوبة.. هي نفثّ من الشيطان على لسان العاصي: كي يستمر في عصيانه، وعميه، وصمّه.. عن الواقع، وعن قبول الحق. إنّ التبرير، استدراج من الشيطان للإنسان إلى الهلاك، سواء في الدنيا أو الآخرة. فإن تارك الصلاة – مثلاً –: تخفى عليه العقوبة الدنيوية، وكذلك الأخروية، وإلا لما ترك الصلاة متعمداً... وكذلك المرأة: لو كانت تعلم بأنّ عزّها، وشخصيتها، وكرامتها، إنما يكون بحفظ حجابها لما فارقته أيضاً... فإنّ تارك الصلاة، كما في الحديث الشريف: المروي عن سيدتنا ومولاتنا فاطمة الزهراء – سلام الله عليها –، حينما سألت أبها رسول الله (ص) قائلة له: "يا أبت، ما لمن تهاون بصلاته من الرجال والنساء؟" والتهاون: هو الاستخفاف بالصلاة، أو تأجيلها إلى آخر الوقت، أو عدم تأدية أركان الصلاة والوضوء بالصورة الصحيحة، وليس معناه ترك الصلاة. فقال لها رسول الله (ص): "بنية فاطمة، مَن تهاون بصلاته من الرجال والنساء، ابتلاه الله بخمسة عشرة خصلة، ست منها في دار الدنيا، وثلاث في قبره، وثلاث في القيامة إذا خرج من قبره؛ فأن اللواتي تصيبه في دار الدنيا: فالأولى: يرفع الله البركة من عمره، ويرفع الله البركة من رزقه، ويمحو الله – عزّ وجلّ – سيماء الصالحين من وجهه، وكل عمل يعمله لا يؤجر عليه، ولا يرفع دعاؤه إلى السماء، والسادسة: ليس له حظ في دعاء الصالحين. وأما اللواتي تصيبه عند موته: فأولاهن: إنّه يموت ذليلاً، والثانية: يموت جائعاً، والثالثة: يموت عطشاناً، فلو سقي من أنهار الدنيا لم يرو عطشه. وأما اللواتي تصيبه في قبره: فأولاهن: يوكل الله به ملكا يزعجه في قبره، والثانية: يضيق عليه قبره، والثالثة: تكون الظلمة في قبره. وأما اللواتي تصيبه يوم القيامة، إذا خرج من قبره: فأولاهن: يوكل الله به ملكا يسحبه على وجهه والخلائق ينظرون إليه، والثانية: يحاسب حساباً شديداً، والثالثة: لا ينظر إليه ولا يزكيه وله عذاب أليم". ومن علم بهذا الحديث.. وما يجري على المتهاون بصلاته من عقوبات دنيوية وأخروية: فمن المستحيل أن يتهاون بالصلاة التي هي حجاب ووقاية من الإنحراف والفساد والمنكرات، وهي فائدة كبيرة تعود بالخير الوافر للفرد والأسرة والمجتمع بأسره. وكذلك بالمرأة التي لم تحافظ على حجابها، فإنّه لن يكون عقابها أهون من عقوبة المتهاون بصلاته: لأنها تخل حينئذ بقانون من قوانين الله – سبحانه – .. التي تحافظ على سلامة المجتمع من الفساد والإنحراف. لذلك: يجب على الفتاة المسلمة المؤمنة الواعية أن تكون محافظة على حجابها أكثر مما تحافظ على حياتها ومالها وجمالها، لأنّ الحجاب يحق جملة كبيرة من أهداف تشريع الصلاة.. الذي هو مانع ضد المنكرات بشتى أنواعها. وكثير من السافرات: يتصورن بأنهنّ أحرار، وإنّ الحجاب بالنسبة إليهنّ كالقيد والأغلال، والحق إنهنّ يجهلن: بأنّ الحجاب هو التحرر، وأنّ في خلعه اللبس الحقيقي للقيود والأغلال.. وإنهنّ يصبحن إماء وأسيرات.. وذليلات في المجتمع.. فيتعرضن لأنواع المضايقات.. كالصائغ الذي يعرض بضاعته في متناول أيدي الناس وسرعان ما يجد نفسه مسروقاً. فكذلك المرأة التي لا تحافظ على حجابها، ولا تستر زينتها ومفاتنها: تكون أقرب لأطماع النفوس الضعيفة والمفترسة والبعيدة عن الله – تعالى –، فإذا وقعت فريسة لهم.. رموها رمية التراب بعد قضاء مآربهم منها. فهل نسمي عدم الحجاب تحرراً بعد كل هذا الذل؟!! فربما نصادف إمرأة محجبة: رأسها مستور وساقها مكشوف.. وهذا أيضاً لا يحقق الهدف الأساسي الذي أراده الله – سبحانه وتعالى – لها من الحجاب، وهي تعرض نفسها للخطر، فكم من نظرة أورثت حسرة – بل حسرات ودموع!. لذلك نجد المجتمعات الغربية تعاني الويلات من جرائم الاغتصاب... وعندما نقرأ سيرة سيدتنا ومولاتنا الزهراء – سلام الله عليها – نجدها مثالاً – ما فوقه مثال – في التربية والتعليم لكل امرأة حرة وهي القدوة لنساء العالمين، ففي ذات مرة، سأل رسول الله (ص) ابنته فاطمة (ع) قائلاً لها: "أي شيء أفضل للمرأة؟" فقالت: "أن لا ترى رجلاً ولا يراها رجل..."، فضمها إليه وقال: "ذرية بعضها من بعض". ومن البديهي بأنّ معنى "أنّ لا ترى رجلاً"، المقصود منه: صون نفسها عن كل ما يخالف الشرع، والمحافظة عليها دائماً، وأنّ هذا القانون أضمن لسلامة كل إمرأة ورجل. ففي وقتنا الحاضر، نسمع ضجيجاً من الهتافات التي تدعو المرأة إلى التحرر من القيود الموروثة (كما يزعمون)! وأنّ المرأة يجب أن تدخل عالم الحضارة وميدان العمل... الشرع الإسلامي الحنيف لا يحارب العلم ولا التقدم، وإنما يحافظ على كرامة المرأة من أن تكون أداة رخيصة لتسويق البضائع. ألا ترون أن أغلب الدعايات فيها صورة إمرأة.. وحتى دعايات الشامبو والصابون والأحذية عليها صورة إمرأة.. وعارضات الأزياء.. أصبحن عارضات لأجسادهنّ.. أهذا ما يدعون إليه؟ أهذا هو التحرر؟! إنّه القيد.. إنّه الذل.. جعلوا من المرأة وسيلة لإفساد الناس وتحطيم القيم والأخلاق.. وأمست ضحية وفريسة لهم.. واغترت بدعاياتهم.. وصغت لهتافاتهم.. وخرجت إليهم.. مغترة بأساطيرهم الكاذبة والمزيفة عن الحضارة والحرية و.. – كما يزعمون – فوجدت نفسها مهتوكة الستر والحجاب.. وقد داسوا عفافها وقتلوا حيائها، فلم يبقى لها شيء من قيم أو أخلاق. فإلى أين؟!.. والحال هذه تسير بنا في شبكات الفساد والإفساد، وإلى من يريدون أن تنتهي بنا الحياة؟ وأي مجتمع يرجون؟؟! فلنتمسك بعقائدنا وأحكامنا، لتكون دروعاً واعية، وحجباً مانعة، ضد أهدافهم المضللة... وبالله نستعين. *مونتريال - كندا   المصدر: مجلة الإيمان/ العدد 79 لسنة 1419هـ

ارسال التعليق

Top