• ٢٧ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٨ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

رمضان فرصة ذهبية لقراءة القرآن

عماد سليمان الصقعبي*

رمضان فرصة ذهبية لقراءة القرآن
◄ها هي نسمات رمضان، شهر القرآن والرضوان، هبت علينا، ويا لها من نعمة عظيمة لم نوفها قدرها، ألا وهي بلوغ رمضان، الذي هو موسم التجارة الرابحة مع الله تعالى: أتى رمضان مزرعة العباد **** لتطهير القلوب من الفساد فأدِّ حقوقه قولاً وفعلاً **** وزادك فاتخذه للمعاد فمن زرع الحبوب وما سقاها **** تأوه نادماً يوم الحصاد فكم من أناس كانوا معنا في رمضان الماضي لم يعلموا أنهم لن يدركوا هذا الشهر مرة أخرى، ولكنهم الآن في قبورهم وأنت في الدنيا قد أمهلك الله كي تدرك رمضان، وتجتهد فيه. كم كنت تعرف ممن صام في سلف **** من بين أهل وجيران وإخوان أفناهم الموت واستبقاك بعدهم **** حياً فما أقرب القاصي من الداني عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال (ص): يبشر أصحابه: "قد جاءكم شهر مبارك، افترض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه الشياطين فيه ليلة خير من ألف شهر، من حُرم خيرها فقد حُرِم" (رواه أحمد والنسائي وغيرهم). وفي حديث عن أحمد في المسند عن أبي هريرة أنّ النبي (ص) قال: "أُعطيت أمتي خمس خصال في رمضان لم تعطهن أمة من الأمم قبلها: خلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، وتستغفر لهم الملائكة حتى يفطروا، ويزين الله كل يوم جنته ويقول: يوشك عبادي الصالحون أن يلقوا عنهم المؤنة والأذى ويصيروا إلي، وتصفد فيه مردة الشياطين فلا يخلصون إلى ما كانوا يخلصون إليه في غيره، ويغفر لهم في آخر ليلة. قيل: يا رسول الله أهي ليلة القدر؟ قال: لا ولكن العامل إنما يُوفى أجره إلا قضى عمله. إذن: رمضان – لفظه تُضاعف فيه الأعمال الصالحة، فتعال – أخي – نقف هذه الوقفات مع الشهر الكريم.   -       الوقفة الأولى: حقيقة الصوم: من أعظم نوافل العبادات عبادة الصيام، فلقد ورد عن النبي (ص) أنّه قال: "من صام يوماً في سبيل الله باعد الله بذلك اليوم وجهه عن النار سبعين خريفاً"، أي أنّه بصوم يوم واحد يباعدك الله عن النار مسافة سبعين سنة، هذا في صيام النفل فما بالك بصوم رمضان الذي هو ركن من أركان الإسلام؟! ألا يكون الأجر أعظم؟! اسمع إلى قول المصطفى (ص): "من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"، فبمجرد صومك الصيام الحقيقي، فإنّ الله يغفر لك ما مضى من ذنوبك. ولكن: هل الصيام هو الامتناع عن الأكل والشرب والجماع فقط؟ لا، فالصوم أكبر من ذلك، فلابدّ من صوم الجوارح كذلك عن الآثام والمعاصي، لكي ينال الإنسان أجر الصيام كاملاً، وتمام الصيام يكون بستة أمور، من طبقها نال أعلى المراتب بإذن الله، وهي: 1- غض البصر وكفه عن النظر إلى كل ما حرّم الله، وعن كل مكروه، وكل ما يلهي ويشغل القلب عن ذكر الله، والقنوات الفضائية بما تعرضه من محرمات، فتغض بصرك عن النساء الأجنبيات فلا تنظر إليهنّ. فهذا صوم البصر. 2- حفظ اللسان: فتحفظ لسانك عن كل ما حرّم الله من الكلام، من غيبة ونميمة وكذب وبهتان وقول زور واستهزاء وسخرية وكبر... ثمّ إطلاقه بذكر الله وقراءة القرآن وبكل خير، فهذا صوم اللسان، قال النبي (ص): "إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل إن امرءٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني صائم" (متفق عليه)، وقال: "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه". (رواه البخاري وأبو داود والترمذي وأحمد). 3- كف السمع عن الإصغاء إلى كل محرم أو مكروه، فتحفظ سمعك عن سماع الأغاني والموسيقى، وسماع الغيبة والنميمة دون أن تنكر. إذا لم يكن في السمع منِّي تصاونٌ **** وفي بصري غضُّ وفي منطقي صمت فحظي إذاً من صومي الجوع والظما **** فإن قلت: إني صمت يوماً فما صمت 4- كف بقية الجوارح عن سائر الآثام: فتكف يدك ورجلك وسائر جوارحك عن كل ما حرم الله فلا تمشي برجلك إلى حرام، ولا تستعمل يدك في حرام، ولا تأتي أمراً فيه شبهة، وتستبرئ لدينك وعرضك. 5- ألا تكثر من الطعام الحلال وقت الإفطار: فإنّ في الإكثار من الطعام وأنواعه تثاقلاً عن العبادات، وبحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، وإنك لتعجب من أناس جعلوا رمضان شهر الأكل والتوسع في المطاعم والمشارب حتى ليأكل الإنسان بشراهة، فيجهد نفسه في هضم هذا الطعام فكيف له أن يؤدي العبادات بطمأنينة؟ فما بالك بمن يكثرون من أصناف المآكل ومن ثمّ يكون مستقرها النفايات وهذا من أكبر المشكلات، وإن من يرى موائد الصائمين ليحتار فكره من كثرة الأصناف.. فأي صيام وأي إسراف؟! وكأننا لم نسمع أن نبينا (ص) كان يفطر على تمر وماء؟! ونخشى ألا يقبل صيامنا، ومن عقوبة تنزل بنا من أجل كفر النعمة لدى بعضنا، فعلينا أن نتنبه لهذا الأمر لا سيما أن كفر النعم الموجود من أهم أسباب هلاك الأمم وعذابها. ألم يقل عزّ من قائل سبحانه: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ) (النحل/ 112). وفي هذا الإطار، أطرح اقتراحاً: حبذا لو وضع أهل كل حي سيارة عليها سائق ليمر بكل بيوت الحي، ويأخذ ما فاض لديهم من الأطعمة، على أن يكون ذلك باشتراك شهري وهذا يحل بعض المشكلة. 6- أن يكون قلبه بعد الإفطار معلقاً بين الخوف والرجاء: هذا الأمر من أهم الأمور فيعلق الإنسان قلبه بخوف ألا يقبل الله صيامه، فقد يتعب نفسه بالصوم والإمساك، بينما صيامه مردود عليه، فرب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش. كذلك لا ينسى الصائم أن يعلق نفسه برجاء الله أن يتقبل منه صيامه، فإنّ هذا الأمر سبب في الاجتهاد ومواصلة الأعمال الصالحة، ولقد كان الصحابة رضوان الله عليهم يدعون الله ستة أشهر أن يبلغهم رمضان، ثمّ يدعونه سبحانه ستة أشهر بعد رمضان، أن يتقبله منهم.   -       الوقفة الثانية: القرآن ورمضان: إنّ هناك تلازماً وثيقاً بين شهر رمضان والقرآن، حيث أُنزل في هذا الشهر، قال تعالى: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ) (البقرة/ 185). إنّ شهر رمضان فرصة ذهبية لقراءة القرآن.. هذا الكتاب الذي فيه قوام الأُمّة والهدى والنور لمن تأمله: نعم السمير كتاب الله إنّ له **** حلاوة هي أحلى من جنى العسل به فنون المعاني قد جمعن فما **** تفتر من عجب إلى عجبِ أمرٌ ونهيٌ وأمثالٌ وموعظةٌ **** وحكمةٌ أودعت في أفصح الكتبِ لطائف يجتليها كل ذي بصر **** وروضة يجتنيها كل ذي أدب فلطالما فرّطنا في ما مضى من أيام العام، وقصّرنا في قراءة القرآن، وها هو شهر القرآن يدعوك، ألم تعلم أن بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها، وهذا في غير شهر رمضان، فما بالك في هذا الشهر الكريم؟! فأكثر – أخي – من تلاوته، واعمر أوقاتك بقراءته.. لتكون ممن ينالون شفاعته. قال (ص): "اقرأوا القرآن فإنّه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه" (رواه مسلم وأحمد). وقدوتنا – قبل ذلك كله – نبينا (ص) فلقد كان جبريل – عليه السلام – يدارسه القرآن في رمضان. فاحرص – رعاك الله – على المداومة على قراءة القرآن، واعلم أنّ من الأمور المعينة على الاستمرار في القراءة هذا طوال الشهر تحديد حزب معين تقرأه كل يوم، وترتب جدولاً له، ولا تُدخل فيه جميع قراءتك، ولا تكن كحال البعض الذين ظهر عليه الجد والحرص في أوّل الشهر ثمّ يتكاسل، بل اجعل همتك في آخر الشهر أشد، وحرصك أكبر.   -       الوقفة الثالثة: رمضان موسم قيام الليل: رمضان هو شهر قيام الليل.. فيه صلاة التراويح وفي العشر الأواخر منه صلاة القيام، وفيهما تربية عظيمة على قيام الليل، وليس هذا فحسب، بل قال (ص): "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه" (رواه أصحاب الكتب الستة). فأي فضل أعظم من هذا الفضل؟ واعلم أنّ رب كريم، فلقد قال (ص): "من قام مع الإمام حتى ينصرف حسب له قيام الليلة" (رواه عبدالرزاق في مسنده). فحينما تقوم مع الإمام في التراويح حتى ينتهي، فإنّه يُكتب لك كأنك قمتَ الليل، فاحرص على قيام لياليه كلها، فما يدريك؟ فقد تدرك ليلة القدر التي هي خير من عبادة ألف شهر ليس فيها ليلة القدر: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرِ) (القدر/ 1-3). كما أن من قامها إيماناً واحتساباً غُفرت له ذنوبه، فلقد قال النبي (ص) في الحديث: "من قام ليلة القدرة إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه" (متفق عليه).   (*) جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

ارسال التعليق

Top