• ٢٩ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ٢٠ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نظرة الغربيين للإسلام

عبدالجبار الرفاعي

نظرة الغربيين للإسلام

◄قراءة سريعة لملامح الزلل المنهجي لدى المستشرق كولسون في دراسة للتشريع الإسلامي:

في بحثه حول: (النظام القانوني الإسلامي في الدراسات الاستشراقية المعاصرة: دراسة لمنهج نويل ج. كولسون) الذي نشره ضمن كتاب (مناهج المستشرقين في الدراسات العربية الإسلامية)، يؤكد الدكتور محمّد سليم العوّا، بأنّ السمة المميزة لدراسات كولسون، هي أنّ نقطة البدء عنده في دراسة الفقه الإسلامي، تخالف نقطة البدء عند الجيل السابق من أساطين الاستشراق وأساتذته، فبينما يبدأ الآخرون - ولا زال أتباعهم يقلدونهم في ذلك - من افتراض أنّ القانون الإسلامي نظام بالٍ قد بلغ مرحلة الجمود عن التطور اللازم لأي نظام قانوني حي أو قابل للاستمرار حيّاً، وهو لذلك قد غدا مهجوراً في موطنه، منبوذاً من أهله - بينما يبدأ الآخرون من هذا الافتراض - يبدأ كولسون من افتراض مغاير تماماً، مؤداه أنّ النظام القانوني الإسلامي حيّ متفاعل، مطبق في المجتمعات الإسلامية، وقائم في ضمائر أفرادها، وينبغي أن يعتمد عليه في تشكيل النظم القانونية في البلاد الإسلامية لتأتي هذه النظم معبرة عن روح البلاد التي تطبق فيها.

ولكن الدكتور العوّا يشير إلى أنّه:

لا يعني هذا التقدير لمنهج الأستاذ كولسون اتفاقنا معه في النتائج التي يتوصل إليها في بحوثه ودراساته للقانون الإسلامي، بل لعلّ مواضع الخلاف في جزئيات نتائجه أكثر من مواضع الاتفاق معه.

من هنا قام الأستاذ العوّا بتتبع آراء كولسون، ووضعها تحت عناوين موضوعية، ومن ثم الكشف عن التناقضات التي وقع فيها هذا المستشرق.

فمثلاً تارة يقرر، بأنّ التعبيرات القانونية للشريعة الإسلامية لم تفتقر إلى الاعتبارات العملية الملائمة للحاجات الحقيقية للمجتمع، ثم يقول في موضع آخر: إنّ أحكام الشريعة الإسلامية المثالية - اضطرت لتفسح المجال للأحكام المحققة لحاجات المجتمع العملي -، التي يصفها بأنّها مثلت انحرافاً عن الأحكام الشرعية الدقيقة، فكيف يمكن التوفيق بين هاتين المقولتين؟

كما نجده يقرر بوضوح قاطع أنّ "القرآن الكريم قد أرسى بشكل قاطع المبدأ المتمثل في أنّ الله، هو وحده مصدر كلّ حُكم، وأنّ أمره يجب أن يُطاع في كلّ شأن من شؤون الحياة"، نراه يقرر في موضع آخر أنّه بعد مائة وخمسين سنة "ظهر فريق بين العلماء المسلمين الذين حاولوا تبيين أصول العقائد الإسلامية اتخذ موقفاً مؤداه أنّ كلّ شأن من شؤون الحياة يجب بالضرورة أن يكون محكوماً بإرادة الله، وفي تصوّرهم لفلسفة القانون كانت السيادة التشريعية لله شاملة لكلّ شيء".

فكيف يستقيم القول بأنّ القرآن الكريم أرسى هذا المبدأ بشكل قاطع، مع نسبته بعد ذلك إلى فريق من العلماء ظهروا بعد قرن ونصف قرن من اكتمال الوحي؟

ثم يقدم الأستاذ العوّا إيضاحاً تحليلياً للمسارب التي نهل منها المستشرق كولسون، في فهمه لدور القرآن الكريم في التشريع، فيُجمِل هذه المسارب في أربعة أمور، هي:

1-  تأثره بطريقة التقنين الحديثة:

ادّعى كولسون أنّه "لم يقدم القرآن تقنينا مباشراً ومحدداً للمسلمين الملتزمين في سلوكهم وحياتهم بمقاييس الشرع وقواعده، وهناك كثير من المسائل التي يثيرها القرآن من حيث كونه نصاً تشريعياً".

إذا كان الأمر كذلك، فمن أين جاءت تلك المدونات التي لا تحصى صفحاتها في آيات الأحكام ودلالات القرآن التشريعية؟.

وما هي المشكلات التي يثيرها القرآن باعتباره نصاً تشريعياً؟

وهل يتعيّن أن يكون النص التشريعي في صيغة معينة وأسلوب محدد، حتى يستحق مجموع نصوص وصف النظام القانوني أو البناء التشريعي؟.

أليست العبرة بصلاحية النص للتطبيق، ووفائه بالحاجات المتجددة للمخاطبين، وليس في أسلوبه وصيغته أو الشكل الذي يصب فيه المشرع حكمه؟.

2- طبيعة النص القرآني:

لقد نشأ عن الخطأ المنهجي في النظر إلى النص القرآني وإدراك طبيعته، وفهم أسلوب القرآن الكريم في التشريع، أن ينظر كولسون للقرآن الكريم كنظرته إلى أي مجموع للنصوص القانونية، فرأى أنّه لكي يكمل له وصف المجموع التشريعي يجب أن يستقصي العناصر الأساسية للعلاقات القانونية التي يعالجها، ورأى أنّ القرآن الكريم لم يترجم المفاهيم الأساسية للعلاقات القانونية التي يقوم عليها أي مجتمع متحضر، مثل وجوب الرحمة، وعدم جواز الظلم، والحيف في المعاملات، ووجوب تطبيق العدل - وهي كلّها واردة في القرآن - لم يترجمها إلى بناء قانوني للحقوق والواجبات، ولم يستهدف أوّلاً تنظيم علاقة الإنسان بالإنسان، بل استهدف أوّلاً تنظيم علاقة الإنسان بخالقه.

لكن كولسون لو تأمّل حقيقة القرآن الكريم، فلا يمكن أن يتطرّق إلى مثل هذا القول، لأنّ القرآن كتاب الهداية غايته، والبيان المعجز أداته، فكيف يطلب فيه، أو يتصوّر له وجوب اشتمال نصوصه التشريعية على استقصاء مكونات العلاقات القانونية، كمثل ما هو معهود في التقنينات البحتة؟

إنّ القرآن الكريم - كما أوضح الشيخ محمّد مصطفى شلبي - "لم يلتزم في بيانه الأحكام أسلوباً واحداً شأن القوانين والكتب الفقهية المألوفة... وفوق تنوع الأساليب في التعبير عن المعنى الواحد، فإنّه لم يجمع هذه النصوص في مكان واحد، ولا في سورة واحدة شأن التشريعات الأخرى، بل جاءت الأحكام مفرّقة في سور القرآن، مبثوثة في ثنايا آيات العقائد والأخلاق، وآيات الله في الكون، وأخبار الأُمم السابقة، كما إنّنا نجد الحُكم الواحد وردت فيه عدة نصوص في مواضع عديدة بأساليب متنوعة، ليكون القارىء متذكراً له في كلّ حين، وهذا يدلنا على أنّ القرآن الجامع لهذه الأنواع من البيان نزل بهذه الصورة، لا ليكون كتاب تشريع فقط، بل ليكون كتاب هداية للناس، ليخرجهم من الظلمات الى النور، وليكون معجزة لرسول الله تؤيد صدقه في دعواه الرسالة...".

3- كيف يفهم النص القرآني التشريعي؟

هل يستقيم في منطق البحث العلمي فهم القرآن في أسلوب بيانه للأحكام الشرعية، بمعزل عن السُّنة الشريفة ومأثور التفسير، وما طبق عليه النص من وقائع في زمن التشريع؟.

إنّ السُّنة الشريفة قد تؤكد معنى الحُكم القرآني، أو تشرحه، أو تكون مخصصه لعمومه، أو مقيدة لإطلاقه، وبذلك لا يستقيم فهم التشريعات القرآنية، خارج إطار السُّنة الشريفة، وقطعها عنه. فضلاً عن أنّ فهم تلك التشريعات لا يتم من دون وعي أسباب نزول القرآن►. 

ارسال التعليق

Top