• ٢٨ نيسان/أبريل ٢٠٢٤ | ١٩ شوال ١٤٤٥ هـ
البلاغ

نظرية صنع القرار السياسي الخارجي

أ. د. سعد حقي توفيق

نظرية صنع القرار السياسي الخارجي

تركز هذه النظرية على عملية صنع القرار السياسي الخارجي كأساس لتفسير السياسة الخارجية، إذ انّها تساعد على تحديد كيف تعمل الدولة (أو صناع القرار) ولماذا تعمل كما هي حيال موقف دولي معيّن وتركز أيضاً على البحث في الكيفية التي تتفاعل بها النظم القومية (الدول) مع المؤثرات التي تأتيها وتنعكس عليها من النظام الدولي الذي تعمل في إطاره، كما تحاول التعرف على الكيفية التي يعبر بها هذا التفاعل مع الواقع الدولي نفسه من خلال اتخاذ قرارات خارجية محددة تبرز بها الدول اتجاهاتها وتدافع بها عن مصالحها ازاء الأطراف الخارجيين الذين يتفاعل معهم. إن أهمية هذه النظرية تكمن أيضاً في كيفية تغيير الأهداف، بالإضافة إلى وضع الطرق المناسبة للرد على المعلومات من أجل أن يكون النظام مهيئاً في بيئة متغيرة. وان إيجاد نظام خدمة ذاتية حقيقي يمكن أن يكون قادراً على الحصول على معلومات دقيقة من أجل أن يتمكن من وضع الياته وأهدافه لمواجهة التفسيرات في البيئة.
وتدرس هذه النظرية العلاقات الدولية ليس على أساس الدول بصورتها المجردة وانما على أساس دراسة الدولة من خلال صناع قراراتها، إذ يتم تحديد الدولة بصناع قراراتها الرسميين. فهم يعملون باسم الدولة، ومن ثمّ فإنّ الدولة تعني صناع قراراتها. فالدولة (أ) هي لاعب تترجم سياسات وقرارات صناع قراراتها الذين هم بمثابة لاعبين. والنظرية لهذا تركز على اللاعبين الأفراد الذين هم صناع قرارات الدولة، وعلى اعادة بناء الموقف كما تم تحديده بواسطة صناع القرار، الذي يعد مسألة رئيسة يمكن أن يساعد لتحليل سلوك هؤلاء الرسميين.
وفي التركيز على سلوك الأفراد والمسؤولين عن اتخاذ قرارات السياسية الخارجية فإنّه يصبح من الممكن تطبيق مبادىء ونظريات علم النفس وصولاً إلى فرضيات جديدة في مجال التحليل المتكامل لحقائق السياسة الدولية وذلك باعتبار السلوك الإنساني هو محصلة العديد من العوامل النفسية المعقدة كالدوافع والمشاعر والتصورات، والتنبؤات المتعلقة بالمستقبل، وأيضاً باعتبار ان هذا السلوك يجمع بين الجانبين العقلاني وغير العقلاني.
ويرى سنايدر وزملاؤه الذي هو من أبرز من كتب في هذه النظرية بأنّ الذين يدرسون في السياسة الدولية يهتمون بالدرجة الأساسية بالأفعال وردود الأفعال والتفاعلات بين الوحدات السياسية التي يطلق عليها بالدول – القومية. وانّ التركيز على الأفعال يتطلب تحليل العمليات. وانّ الأفعال تنبع من ضرورة إقامة وتأمين وتنظيم اتصالات مقنعة وموجهة بين الدول وممارسة بعض الرقابة على الاتصالات غير المرغوبة. أمّا الأفعال فإنّها تمثل محاولة لتحقيق بعض الأهداف ومنع وتقليل إنجاز الأهداف غير المتفق عليها أو المهددة للدول الأخرى.
ويقوم الهيكل الذي طرحه سنايدر حول نظرية صنع القرار على الشكل الآتي:
أ- البيئة الداخلية لصنع القرار وتشمل
1- البيئة غير الإنسانية.
2- المجتمع.
3- البيئة الإنسانية.
أ- الثقافة.
ب- السكان
ب- الهيكل الاجتماعي والسلوك ويشمل
1- القاسم المشترك الرئيس.
توجهات القيم
2- المشترك الدستوري
النماذج
3- الخصائص الرئيسة للمنظمات الاجتماعية.
4- دور الاختلافات والاختصاصات.
5- الجماعات: الأنواع والوظائف.
6- العمليات الاجتماعية المناسبة
أ- تكوين الرأي.
ب- المؤثرات الاجتماعية على البالغين
جـ- المؤثرات السياسية
جـ- عملية صنع القرار
صناع القرار
د- الفعل
هـ- البيئة الخارجية لصنع القرار وتشمل
1- البيئة غير الإنسانية.
2- الثقافات الأخرى.
3- المجتمعات الأخرى.
4- المجتمعات المنظمة والموظفة كدول فعل الحكومة.
ولعل أبرز ما نلاحظه على هذا التصنيف هو أن هذه النظرية تعمل على تحديد عدد كبير من المتغيرات المتعلقة بعملية صنع القرار السياسي الخارجي وبالشكل الآتي:
1- إنّ النظرية تدعو لدراسة وحده اتخاذ القرار في إطار البيئة النظامية التي توجد فيها هذه الوحدة، وصانع القرار يتخذ قراره من خلال إدراكه للبيئة التي هي البيئة الداخلية والبيئة الخارجية.
أ- البيئة الداخلية: فالدولة تسلك سلوكها الخارجي متأثرة باعتبارات المجتمع الداخلي من حيث التنظيم والوظيفة وسلوك الشعب وعاداته. وتعطي اهتمامها للأخلاق والمواقف والقوة الوطنية والأحزاب السياسية.
ب- البيئة الخارجية: وتشير بشكل عام إلى تلك العوامل والظروف لما وراء حدود اقليم الدولة مثل أفعال وردود الأفعال للدول الأخرى (صناع قراراتها) والمجتمعات التي يعملون من أجلها كما ان تطابق العوامل الخاصة والظروف في الموقف العامة والخاصة يعتمد على المواقف والادراك وتقديرات صناع قرار الدولة (أ) وعلى كيفية تعرضهم للتحريضات.
2- يرى سنايدر انّ الفعل يكون قائماً تحليلياً وذلك عندما توجد المقومات الآتية:
أ- اللاعب أو اللاعبين.
ب- الأهداف.
جـ- الوسائل.
د- الموقف.
والموقف يمكن أن يعرف بواسطة اللاعب أو اللاعبين ضمن إطار طريقة (اللاعب أو اللاعبين) الذي يعد نفسه في علاقة مع غيره من اللاعبين الآخرين ويرتبط معهم بالأهداف والوسائل المتاحة وفي الإطار الذي تتحول فيه هذه الأهداف والوسائل إلى استراتيجيات للفعل وتعرض إلى العوامل المناسبة للموقف. انّ هذه الطرق التي تربط اللاعب بالموقف تعتمد على طبيعة اللاعب أو توجهه. وهكذا فالدولة (أ) المشار إليها سابقاً يمكن أن ينظر إليها بوصفها مشارك في نظام الفعل المتضمن اللاعبين الآخرين والدولة (أ) توجه الفعل طبقاً للطريقة التي ينظر بها إلى موقف معيّن وبواسطة ومن قبل بعض المسؤولين وطبقاً لما يريدون. وان فعل اللاعبين الآخرين وأهدافهم ووسائلهم وعناصر المواقف الأخرى كلها مرتبطة باللاعب.
إنّ هذه النظرية تعمل على تحديد عدد كبير من المتغيرات المتعلقة بالموقف، ثمّ تسعى لتحديد العلاقة بين هذه المتغيرات، ولكنها لا تضع فرضيات تطلب من صانع القرار ان يعمل على أساسها. انّها تلعب دوراً هاماً في كشف العديد من الجوانب الهامة في السياسة، كما انّها تفيد في البحوث التي تسعى لدراسة الأفراد بوصفهم صناع قرار بشكل أفضل من النظريات الأخرى.
2- إنّ هذه النظرية تقوم على أن صنع السياسة الخارجية هو ليس فقط موضوعاً لأفراد (صناع القرار) يقرون موقفاً ويحسبون الطريق الأفضل للتعامل معها، وإنما يتطلب توفر عدد غفير من العوامل الأخرى وتشمل العوامل البيئة والتي يعمل في ظلها صناع القرار مثل شبكة الاتصالات التي تغير من تدفق المعلومات والنشاطات المنسقة. وبعبارة أخرى ان منهج صنع السياسة الخارجية يهتم بمقومات الفعل وإدراك الموقف ومصادر المبادرة والبدائل ونمط الاتصالات والدوافع وحتى العوامل الأخرى التي تدخل ضمن عملية صنع السياسة الخارجية. وانّ هذا المنهج يساعد على إلقاء نظرة على دراسات الصراع والتعاون. فالفعل يوجد كما ذكرنا حينما تتوفر مقوماته (اللاعبين، الأهداف، الوسائل، الموقف) وسواء كان الموقف قد حدد ودياً أم عدائياً بواسطة اللاعب وحسب الطريقة التي يتعامل بها مع اللاعبين وحسب الأهداف والوسائل التي وضعت استراتيجيات للفعل فإنّه يخضع إلى العوامل المناسبة التي تؤثر عليه. وهكذا فإن فعل الدولة الذي اتخذ بواسطة الأشخاص العاملين باسم الدولة الذين يحددون الموقف، فالدولة لذلك تصبح كما ذكرنا تعبير لصناع قراراتها. وانّ السبب الذي يدفع الدولة لتسلك هذا السلوك يرتبط بطريقة صناع قراراتها لتحديد الموقف.
4- انّ محصلة هذه النظرية وفقا للمخطط الذي طرحه سنايدر تقوم على الاعتبارات التالية:
أ- وجود صلة بين البيئة الداخلية والبيئة الخارجية والسبب في ذلك يرجع إلى انّ السياسة الدولية، هي ليست عملية تفاعل على المستوى الحكومي بين الدول. إذ لا يمكن إهمال الإطار الخاص وغير الحكومي. فالمجتمعات تتفاعل فيما بينها في مساحة واحدة أو في مدى واسع لأساليب من خلال شبكة كبيرة من الاتصالات والتجارة والروابط العائلية والجمعيات المهنية والقيم المشتركة والمبادلات الثقافية والسفر ووسائل الإعلام والهجرة. إذ انّ مثل هذه النماذج يمكن أن تخضع لتنظيم حكومي تحت شكل معيّن وتحت ظل أي مستوى تتطلب التفاعلات الثقافية غير الحكومية مستوى معيّن من التحليل والذي يجعل ممكناً إيجاد بعض الفهم والذي يتمثل في كيف تشترط بعض التفاعلات فعلاً رسمياً. وانّ العلاقات الدولية غير الحكومية لا تدخل في تحليل سلوك الدولة ما لم تتمكن أن توضح لنا بأنّ سلوك صناع القرار هو محدد وموجه نحو مثل هذه العلاقات.
ب- هناك علاقة بين المنظمات من جهة وبين صنع القرار من جهة ثانية. ومن خلال الأمور الأخرى، انّ هذا يمثل تأثير القوى الاجتماعية الداخلية على صياغة وتنفيذ السياسة الخارجية. كما ان البيئة الداخلية والبيئة الخارجية تتضمن بأن تأثير الظروف والعوامل في المجتمع قد تم إدراكه خلال عملية صنع القرار السياسي.
جـ- إن تجارب الأُمّة انما هي افعالها الخارجية. وان فعل الدولة جاء أساساً ليؤثر على الظروف في البيئة الخارجية.
د- ان فعل الدولة يجب أن ينظر إليه من خلال ردود الأفعال للدولة الأخرى وانّ التغييرات في البيئة الخارجية يمكن أن تؤثر على فعل الدولة على وذلك من خلال التغييرات في العلاقات غير الحكومية والتي هي معترف بها وتؤخذ بنظر الاعتبار عند صناع القرار.

- الانتقادات على نظرية صنع القرار:
1- انّ النظرية التي جاء بها سنايدر وزملاؤه، تتطلب عدداً كبيراً من الباحثين لجمع المعلومات وعدداً كبيراً من المنظرين لتقويم المعلومات ضمن تصنيفاتهم، وإذا لم تكن هذه المتطلبات متوفرة وكبيرة فإنّ النتائج ستكون غير واقعية. وحتى لو افترضنا وجود حشد كاف من الباحثين والمنظرين فإن المعلومات المطلوبة من قبل سنايدر وزملاؤه تشتمل على كل الدول وكل الوحدات القرارية في المسرح الدولي. ومهما تكون عليه المصادر المتاحة فإنّ المعلومات لا يمكن جمعها بسهولة.
2- ان مخطط سنايدر وزملائه لا ينطبق على كل الدور، ويعمل على تحويل الدول إلى مفهوم أحادي للنظام السياسي حيث يستخدم سنايدر انموذجاً معيناً للنظام السياسي والذي قد يصلح أنموذجاً معيناً لعلاقات دولية بحد ذاته ولكن هذه النسخة من الأنموذج لا تنطبق على كل أنواع الأنظمة السياسية الموجودة في المسرح الدولي.
3- يفشل هذا المنهج في أن يقترح أي من العناصر لها صلة بالموضوع. كذلك ينشأ هذا المنهج من فكرة خالية من أيّة قيمة لأنّه يحاول أن يحلل القرارات المختلفة المتمثلة في حقل الشؤون الخارجية دون أن يتجشم عناء الإجابة عن التساؤلات المتعلقة بأي القرارات تكون صائبة وأيها تكون خاطئة.
4- يدل هذا المنهج على ان علم السياسة مؤلف من خطوات وخيارات واعية بدرجة عالية يمكن تحليلها في إطار تصنيفات محددة إلا أنّ التطورات في العلاقات الدولية لا تحدث بهذا النمط ولا يمكن أن تعزل الأفعال في الشؤون الدولية تماماً في الوقت الملائم. يفسر سنايدر بأنّ منهج صنع القرار يهدف إلى إعادة خلق عالم من صناع القرار مثلما يرونه تماماً بدلاً من إعادة خلق الموقف بأنه حس موضوعي.
5- انّ النظرية تسقط من العلاقات الدولية كل شيء لا يمثل الإضافة المجردة للقرارات. فالنظرية تهمل المتغيرات المؤثرة ضمن سياسات القوى وقواعد السلوك الدولي مثل توازن القوى أو القانون الدولي والقيم الإنسانية. إذ لا تعطي النظرية أي معيار لتفسير نماذج سياسات القوى أو وصف لقواعد السلوك الدولي وعوضاً عن ذلك تشرع بمعالجة مشكلة كشف العلاقة بين الدوافع والأفعال.
6- تعاني النظرية من صعوبة حصر القوى التي تؤثر في مسار مشكلة من مشاكل السياسة سواء أكانت قوى سياسية أو عسكرية أو اقتصادية أو ثقافية أو اجتماعية وكذلك تعاني من صعوبات تتمثل في دراسة نوايا الدول الأخرى.
7- تثار تساؤلات في إطار البيئة الداخلية والخارجية والتي في نطاقها يتخذ القرار حول المعين الذي يستمد منه صانع القرار توجهاته من قائد أو أيديولوجية أو أحزاب سياسية أو من الرأي العام وجماعات الضغط وتثار تساؤلات حول ما إذا كان القرار يتخذ في لحظة الانتخابات وحول تأثير الحلفاء الخارجيين في اتجاه القرار والمصادر التي يستند إليها صناع القرار لتكوين انطباعاتهم في قضية معينة.

المصدر: كتاب مبادئ العلاقات الدولية

ارسال التعليق

Top